حرية – (26/12/2021)
أطفال على قارعة أحد الأسواق في العراق يعملون لكسب لقمة العيش
اليونيسيف حذّرت من أن ثلث أطفال العراق يمرّون بظروف اقتصادية صعبة تضعهم أمام متطلبات العمل لإعانة عائلاتهم، مشيرة إلى أن هناك طفلين فقيرين من بين كل 5 أطفال في العراق.
بغداد- تسببت الظروف الأمنية والاقتصادية التي مرت على العراق في ارتفاع ظاهرة عمالة الأطفال، رغم القوانين الحازمة بمعاقبة المتسببين فيها. وزارة العمل ومنظمة العمل الدولية أطلقتا مؤخرا حملة لمكافحة اتساع ظاهرة عمالة الأطفال التي وصفوها بأنها الأسوأ مما مرّ على البلاد في السنوات الماضية.
رجال قبل الأوان
في أطراف بغداد، يغطي الدخان المنبعث من معامل “الطابوق” (الطوب) المستخدم في بناء المنازل سماء مدينة النهروان (شرقي بغداد)، بينما تعمل العشرات من العائلات في تلك المعامل بحثا عن لقمة العيش. ورغم ظروف العمل القاسية، يرافق العديد من الأطفال أهلهم بالعمل هناك ساعات طويلة، للحصول على مردود زهيد يدفعهم لترك دراستهم دون ضمانات أو حقوق تقيهم من الملوثات البيئية أو قساوة العمل وصعوبته.
يقول الطفل علي (11 عاما) إنه يحصل على 6 دولارات مقابل العمل لأكثر من 10 ساعات، دافعه في ذلك مساعدة عائلته، ويضيف للجزيرة نت “أنا هنا مع والدتي وأخواتي، اضطررنا للانتقال من جنوبي البلاد والعمل هنا، فتركت الدراسة منذ شهرين حيث كنت في الصف الرابع”.
لجان التفتيش
لا تقتصر عمالة الأطفال على النهروان، فهي ظاهرة اتسعت خلال العقد الماضي في العراق بشكل كبير، ويرجع نقابيون تفشي الظاهرة إلى الظروف الاقتصادية والأمنية السيئة التي تعيشها البلاد، إضافة إلى عدم انتظام قطاع العمل، كما يوضح رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال العراق علي رحيم الساعدي.
وفي حديث للجزيرة نت، بيَّن الساعدي أن السبب في تفشي الظاهرة هو كثرة الصراعات والحروب التي مرّت على البلاد، وانتشار البطالة وإغلاق المعامل والشركات، ووجود قطاع عمل غير منظم وغير مسيطر عليه سواء نقابيا أو حكوميا.
وألقى الساعدي باللائمة على بعض الأحزاب والشخصيات السياسية النافذة في تدخلها بسوق العمل وبعدها عن الرقابة وتفعيل القوانين.
ولفت إلى أنه رغم وجود لجان ثلاثية من النقابة ووزارة العمل واتحاد الصناعات، فإن دورها “ليس بالمستوى المطلوب” ولا يغطي كل مرافق العمل، مستدركا “لكنّ ممثليها يسعون قدر الإمكان للوصول إلى أطراف المدن”.
من جهته، اعتبر رئيس اتحاد الصناعيين العراقيين عادل عكاب أن الوضع الاقتصادي أثّر كثيرا على دور تلك اللجان وعددها.
ويشير عكاب في حديثه إلى أن الاتحاد، ونتيجة محدودية ميزانيته وغياب الدعم الحكومي، لا يمتلك سوى 5 ممثلين من أصل 24 لجنة.
ويبيّن عكاب أن ضعف الموارد والإمكانات وغياب الممثلين عن اللجان “يولد مشاكل كبيرة”، حيث لا تتم تغطية مواقع العمل جميعها، واصفا اللجان بأنها “على الورق فقط، ولا وجود لها في الواقع”.
في المقابل، يقول مدير عام التدريب المهني في وزارة العمل رائد جبار إن لجان التفتيش التابعة لهم “رصدت مئات الحالات” لأطفال تحت السن القانوني عاملين في مشاريع، وقامت “بإنذار أصحاب هذه المشاريع” وتسجيل المخالفات بحقهم.
قوانين شبه مشلولة
تنص قوانين وزارة العمل والشؤون الاجتماعية في العراق على معاقبة المتسبب في تشغيل الأطفال بعقوبة تتراوح بين “الغرامة المالية وإيقاف التصريح لرب العمل”، أو حتى إيقاف النشاط. وفي قانون الاتجار بالبشر، يعاقَب من يستغل شخصا لا يعي حقه -كالأطفال- بالسجن أو الغرامة المالية.
أما دوليا، فإن اتفاقية حقوق الطفل في المادة (32-1) تقول “تعترف الدول الأطراف بحق الأطفال في حمايتهم من الاستغلال الاقتصادي، ومن أداء أي عمل يرجّح أن يكون ضارا بصحة الطفل أو بنموه البدني أو العقلي أو الروحي أو المعنوي أو الاجتماعي”.
يقول الخبير القانوني علي جابر التميمي إن قانون العمل 37 لعام 2015 الأخير، منع تشغيل الأطفال دون سن 15 عاما، وحصر السماح بتشغيل من هم بين 15 و18 وفق شروط ورقابة وفي مهن محددة.
وقد حدّد القانون عقوبة على أصحاب العمل إذا تم خرق القانون، لكنه يرى أن هذه القوانين ولدت شبه مشلولة في الأصل ولا تُطبقه. فعلى الرغم من القوانين، فإن آلاف الأطفال ما زالوا منتشرين في الأسواق والأحياء الصناعية وعلى مكبات النفايات، يعملون في أقسى الظروف التي لا تراعي أي قانون، وهي تسعى إلى توفير بضعة دنانير تعيل أسرهم من الفقر والجوع.
حملة وطنية
تفاقم خطر ظاهرة عمالة الأطفال وبلوغها مرحلة تعدها وزارة العمل “الأسوأ في تأريخ البلاد”، دفع وزارة العمل لإطلاق حملة وطنية بالتعاون مع منظمة العمل الدولية، تتضمن سلسلة من الأنشطة الهادفة للتصدي لأسوأ أشكال عمالة الأطفال التي تنتشر في العراق.
وبيّن مدير عام دائرة التدريب المهني في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية رائد جبار، أن “الحملة تستهدف أكثر من 10 آلاف طفل وأسرهم وأولياء أمورهم والمعلمين وأرباب العمل ووسائل الإعلام”، وتشمل جلسات توعية “في المدارس والمناطق التي تنتشر فيها عمالة الأطفال ويشيع فيها التسرب من المدارس”.
بينما توضح المنسقة القُطرية لمنظمة العمل الدولية مها قطاع أن الحملة ضرورية لأجل أن يعي الناس في العراق أن المكان المناسب للأطفال هو مقاعد الدراسة لا سوق العمل، مؤكدة أن منظمة العمل تدعم الحملة بقوة للقضاء على عمالة الأطفال.
إحصائيات ومؤشرات
وتقدر المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق نسبة عمالة الأطفال فيه بـ2%، ويبين عضو المفوضية علي البياتي أن عدد الأطفال العاملين في البلاد يصل إلى أكثر من 700 ألف طفل، في وقت تشير فيه منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسيف” (UNICEF) إلى أن نحو 90% من الأطفال العراقيين لا تتاح لهم فرصة الحصول على تعليم مبكر، ورغم زيادة معدل التحاق الأطفال بالتعليم الابتدائي عند مستوى 92%، فإن إكمال المرحلة الابتدائية بين أطفال الأسر الفقيرة لا يتجاوز 54%.
وبحسب آخر إحصاءات اليونيسيف، فإن ثلث أطفال العراق يمرون بظروف اقتصادية صعبة تضعهم أمام متطلبات العمل لإعانة عائلاتهم، وتوضح أن أطفال العراق يواجهون أعلى زيادة في معدلات الفقر، حيث يوجد طفلان فقيران بين كل 5 أطفال.
وفي 10 مايو/أيار الماضي، طالبت لجنة حقوق الإنسان في البرلمان العراقي بمنع عمالة الأطفال في العراق، كما طالبت الحكومة العراقية والبرلمان بإيقاف استغلال الأطفال في مهن شاقة، وذلك من خلال إصدار قرارات ملزمة بهذا الشأن.
كما أشار آخر تقرير مشترك صادر عن منظمة العمل الدولية ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف)، في 9 يونيو/حزيران الماضي، إلى أن عدد الأطفال العاملين في أنحاء العالم خلال السنوات الأربع الماضية بلغ 160 مليون طفل، حيث زاد عددهم 8.4 ملايين طفل عامل.