حرية – (27/12/2021)
شهد مستخدمو الهواتف الذكية في الصين انخفاضاً في عدد التطبيقات المتاحة لهم بنسبة 38.5 في المئة على مدار السنوات الثلاث الماضية، مع حدوث أكبر انخفاض سريع هذا العام وسط الحملات التي شنتها بكين على منصات التكنولوجيا الكبيرة ومحتوى الإنترنت، ما يُظهر كيف أن هيكل السوق الصينية المحصنة أثر على القطاع الرقمي. وانخفض العدد الإجمالي للتطبيقات في متاجر التطبيقات الصينية إلى 2.78 مليون فقط بحلول أكتوبر (تشرين الأول) من هذا العام، بانخفاض من 4.52 مليون تطبيق في نهاية عام 2018، وفقاً لمراجعة صحيفة “ساوث تشاينا مورننغ بوست” للبيانات التي تم تجميعها من وزارة الصناعة وتكنولوجيا المعلومات الصينية.
ويعتبر الانخفاض في العدد الإجمالي للتطبيقات جزئياً علامة أيضاً على نضوج سوق التطبيقات في الصين “وي تشات”، شبكة التواصل الاجتماعي لـ”تينسينت هولدينغز” التي تضم 1.2 مليار مستخدم نشط شهرياً على مستوى العالم، والتي سيطرت على وسائل التواصل الاجتماعي في الصين لسنوات.
مليار مستخدم في الصين
وقال ليون سون كيوان، المحلل في شركة أبحاث الاستثمار “إيكوال أوشن”، إن سوق الخدمات عبر الإنترنت في الصين الذي يبلغ مليار مستخدم لم يعد مجالاً جديداً للاستفادة منه. وأضاف “لقد تطورت صناعة الإنترنت في الصين لسنوات عدة، وانتهت أيام النمو الهائل”.
ومع ذلك، يعكس التغيير أيضاً بيئة تنظيمية أكثر صعوبة، إذ تسارع انخفاض التطبيقات في الربيع الماضي. في المقابل، نضجت سوق التطبيقات عالمياً، حيث شهد “غوغل بلاي” و”آب ستور” من أبل زيادة في عدد التطبيقات التي يقدمونها على مستوى العالم خلال الفترة نفسها. بينما أزالت “غوغل” حوالى مليون تطبيق في منتصف عام 2018 بسبب تغيير في سياسة الشركة، زاد العدد المتاح من التطبيقات بنسبة 7.6 في المئة إلى ما يقرب من 2.8 مليون من ديسمبر (كانون الأول) 2018 إلى سبتمبر (أيلول) من هذا العام 2021، وفقاً للبيانات التي جمعتها شركة البيانات “ستاتيستا” من “غوغل”.
في حين انخفض عدد التطبيقات المتاحة في الصين بنحو 850 ألفاً على مدار عام 2019، عندما بدأت بكين حملة مدتها 12 شهراً في يناير (كانون الثاني) للقضاء على الجمع غير المنتظم للمعلومات الشخصية. كانت الحملة- التي تم إجراؤها بالاشتراك مع وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات وإدارة الفضاء الإلكتروني في الصين (CAC) ووزارة الأمن العام وإدارة الدولة لتنظيم السوق- أول مراجعة حكومية رئيسة للتطبيقات.
وكان الانخفاض في العام التالي أقل حدة، حيث انخفض بمقدار 220.000، ولكن من ديسمبر من ذلك العام وحتى أكتوبر من هذا العام، شهدت السوق خسارة صافية قدرها 670 ألف تطبيق آخر. وشهد هذا العام وابلاً من الأخبار حول مطوري التطبيقات الذين طُلب منهم “تصحيح” المشكلات مثل ممارسات جمع البيانات.
وفي يوليو (تموز)، أعلنت وزارة الصناعة وتكنولوجيا المعلومات الصينية، عن “حملة تنظيف الإنترنت” لمدة ستة أشهر. حيث تمت إزالة ما مجموعه 220.000 تطبيق في ذلك الشهر، بخسارة صافية قدرها 110.000، أو 3.6 في المئة أقل من يونيو (حزيران).
واحد من كل 4 تطبيقات لعبة فيديو
وكما هو الحال في العديد من الأماكن الأخرى، تعد الألعاب أكبر مجموعة من التطبيقات في الصين، إذ يمثل تطبيق واحد من بين كل أربعة تطبيقات لعبة فيديو. على عكس التطبيقات التي تفي بالاحتياجات اليومية مثل توصيل الطعام والتسوق عبر الإنترنت والترحيل- والتي ترسخ جميعها للاعبين- تظل الألعاب تنافسية نسبياً مع التطبيقات الجديدة التي تتنافس بشكل روتيني على جذب انتباه اللاعبين.
ومع ذلك، انخفض عدد تطبيقات الألعاب في البلاد إلى 679 ألفاً في أكتوبر 2021، انخفاضاً من 909 آلاف في ديسمبر 2019. وبالمقارنة، شهدت “أبل” زيادة في عدد الألعاب في متجر التطبيقات في الولايات المتحدة من أقل من 820 ألفاً في ديسمبر 2018 إلى أكثر من مليون اعتباراً من هذا الشهر، وفقاً للبيانات التي جمعتها بوكيت غيمر.
ولم يوافق المنظمون الصينيون على بيع أي ألعاب جديدة عبر الإنترنت في البلاد منذ يوليو وفي أغسطس (آب) أيضاً، بحسب ما أعلنته الإدارة الوطنية للصحافة والنشر في الصين.
إدمان ألعاب الفيديو بين الشباب الصيني
وأصدرت أكبر هيئة رقابية في الصين للألعاب وغيرها من وسائل الإعلام عبر الإنترنت، قاعدة تحدد وقت اللعب للاعبين الذين تقل أعمارهم عن 18 عاماً إلى ما بين 8 و9 مساءً فقط أيام الجمعة والسبت والأحد والعطلات الرسمية، ما يمثل الإجراء الأكثر صرامة في البلاد حتى الآن، لمعالجة إدمان ألعاب الفيديو بين الشباب.
وقال تايلور لام، قائد صناعة التكنولوجيا والإعلام والاتصالات في شركة “ديلويت تشاينا” للصحيفة:” لقد حد من انتشار تطبيقات الألعاب إلى حد ما”.
وينصب تركيز الصين حالياً على تنظيم التطبيقات هذا العام بشكل أساسي حول جمع البيانات الشخصية من دون موافقة أصحابها، والمطالبة بأذونات مفرطة على أجهزة المستخدم، ومشاركة البيانات مع أطراف ثالثة من دون إذن، وفقاً لورقة بيضاء نشرتها أكاديمية الصين للمعلومات وتكنولوجيا الاتصالات في نوفمبر.
ويتماشى التدقيق المتزايد للتطبيقات مع تحركات الدولة لتشديد القوانين واللوائح التي تحكم البيانات والمعلومات الشخصية. وكان قانون أمن البيانات وقانون حماية المعلومات الشخصية في البلاد قد دخل حيز التنفيذ في سبتمبر ونوفمبر على التوالي.
ويتخذ المنظمون الصينيون موقفاً صارماً بشكل متزايد مع مطوري التطبيقات. وتقوم وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بانتظام بتسمية التطبيقات وفضحها بسبب مخالفات البيانات. في الشهر الماضي، طلبت من “تينسينت” تعليق ترقيات وإصدارات التطبيق من دون موافقة مسبقة. وتلقت “تينسينت” الضوء الأخضر لترقية تسعة تطبيقات الأسبوع الماضي. ويمكن للهيئات الوزارية الأخرى إغلاق التطبيقات أيضاً. على سبيل المثال، أمرت متاجر التطبيقات “أس أيه أس” بإزالة عشرات التطبيقات التي طورتها “ديدي تشوكسينغ” بعد أسبوعين من “اقتحام الشركة” للاكتتاب العام الأولي في نيويورك، في خطوة مضادة لتحذيرات من المنظمين في الصين.
البرامج المصغرة
في الوقت نفسه، تعد الرقابة الصينية المشددة على التطبيقات مجرد عامل واحد يؤثر على السوق. فبالنسبة لشركات التكنولوجيا الصينية الكبرى التي رسخت مكانة رائدة في السوق، حوَّل كثيرون تطبيقاتهم الرئيسة إلى منصات تستضيف تطبيقات داخلية أصغر حجماً لا تتطلب تنزيلات منفصلة.
على سبيل المثال، كان تطبيق “وي تشات” يستضيف 3.8 مليون ما يسمى البرامج المصغرة بحلول نهاية عام 2020، وفقاً لتقرير صادر عن شركة الأبحاث “ألادينغ” كما كان لدى “على باي” التابع لمجموعة “آنت غروب” أكثر من 3 ملايين برنامج صغير بحلول مايو (أيار) 2021. “أنت” هي إحدى الشركات التابعة لمجموعة “علي بابا غروب هولدنيغ”، المالكة لصحيفة “ساوث تشاينا مورننغ بوست”.
وقالت شركة “إيكوال أوشين”، إن البرامج المصغرة لها مزايا كبيرة من حيث التكلفة، نظراً لأن الوظائف أبسط ولديها توافق أفضل وذلك لأن إصداراً واحداً فقط… مطلوب، وليست هناك حاجة لتطوير إصدار “أندرويد” وإصدار “آي أو أس”.
ولا تزال الصين تضيف تطبيقات جديدة بكميات كبيرة، لكن التطبيقات المضافة حديثاً لا تعوض عن الرقم الذي تمت إزالته. ففي أكتوبر، أضافت متاجر التطبيقات الصينية 110 آلاف تطبيق جديد، ارتفاعاً من 60 ألف تطبيق في سبتمبر و30 ألفاً في أغسطس. ومع ذلك، تمت إزالة 130 ألف تطبيق في أكتوبر، و140 ألفاً في سبتمبر، و120 ألفاً في أغسطس.
وقد يستمر عدد التطبيقات المتاحة في الصين في الانخفاض، وإن كان ذلك بوتيرة أبطأ، إلى أن تفتح سيناريوهات التطبيقات الجديدة التي جلبتها تقنيات مثل الجيل الخامس- 5G وميتافيرسي فرصاً جديدة، وفقًا للمحللين.
وقال لام: “مع تطور التقنيات بما في ذلك الجيل الخامس والذكاء الاصطناعي… لن تقتصر التطبيقات في المستقبل على نوع واحد فقط من الأجهزة الطرفية (مثل الهواتف المحمولة)، وإنما ستكون هناك سيناريوهات التطبيق الأكثر تنوعاً أيضاً”.