حرية – (10/3/2022)
سلط تقرير صحفي الضوء، الخميس، على الخطوات التي اتخذتها الجهات المسؤولة عن إعمار مدينة الموصل القديمة بعد الدمار الذي لحق بها إبان سيطرة تنظيم داعش على محافظة نينوى.
وقال تقرير نشرته صحفية “العرب (10 آذار 2022)، “تنتشر في المدينة القديمة ورش بناء وترميم ضمن إطار مشروع (إعادة إحياء روح الموصل) الذي أطلقته منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو) بتمويل من الإمارات والاتحاد الأوروبي”.
وأشار التقرير إلى أن “أعمال الترميم التي كلّفت بها شركات محلية، خلقت أكثر من 3100 فرصة عمل، أكثر من نصفها لشباب تلقوا تدريباً في الحرف التراثية وإعادة ترميم المباني”.
وأدناه نص التقرير:
تنهض المدن العراقية من مخلفات الركام التي خلفها تنظيم داعش من خلال عمليات ترميم حثيثة، ففي مدينة الموصل القديمة يعمل فريق من العمال والمختصين على إعادة بناء منازل ومحلات تجارية ومعالم تاريخية وأثرية وتجديدها وترميمها ضمن برنامج لليونسكو بدعم إماراتي – أوروبي.
تحت مئذنة جامع النوري الحدباء التي تعود إلى القرن الثاني عشر، ينشط عمال تكدّست من حولهم قطع الطوب والمرمر المتبقية ممّا دمره تنظيم داعش، في أشغال ترميم تهدف إلى إعادة مدينة الموصل القديمة في شمال العراق، إلى الحياة، بمساجدها وكنائسها وبيوتها.
وشكّل حيّ المدينة القديمة بشوارعه المتعرجة الملاذ الأخير الذي تحصّن فيه عناصر تنظيم داعش الذين قاتلوا قتالا شرسا قبل طردهم من المدينة في صيف العام 2017.
وتنتشر في المدينة القديمة اليوم ورش بناء وترميم ضمن إطار مشروع “إعادة إحياء روح الموصل” الذي أطلقته منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو) بتمويل من الإمارات والاتحاد الأوروبي.
وفي الساحة المحيطة بمسجد النوري، لم يبق من المئذنة الحدباء التي بنيت قبل 850 عاماً سوى القاعدة، تغطيها قطعة من البلاستيك. دُمّر الموقع في العام 2017 بعدما فجره عناصر داعش، كما يقول الجيش العراقي.
ويقول عمر طاقة أحد مهندسي اليونسكو المشرفين على الأعمال في الموقع “المئذنة الحدباء تمثل أيقونة الموصل، هي رمز المدينة”. ويضيف “أهل الموصل كلهم أمل أن يروا المئذنة الحدباء تعود إلى ما كانت عليه وأن تعود إلى المكان نفسه”.
أما الجزء الأوسط من المسجد نفسه الذي تعلوه قبّة، فقد نجا من الدمار، وهو عبارة عن هيكل فارغ، تسند قناطره ألواح خشبية، فيما تعلو أعمدة المرمر الرمادية التي تطوقّه زخارف زرقاء.
وبعد إزالة 5600 طن من الركام، تنطلق أعمال ترميم المئذنة في شهر مارس الجاري على هامش زيارة للمديرة العامة لليونسكو. بعد ذلك، تبدأ الأعمال على المسجد هذا الصيف، ويتوقع أن ينتهي العمل في الموقع بحلول نهاية العام 2023.
ويقول طاقة “في مصلّى الجامع فقط، عثرنا على 11 عبوة ناسفة غير منفجرة معدة للتفجير، قسم منها كان مزروعاً داخل جدران المصلى”.
وفي انتظار إعادة بناء مطابقة لما كان عليه الموقع قبل التدمير، يجري حفظ القطع الأكثر هشاشة في مخزن، ومن بينها أجزاء المنبر القديم الذي منه أعلن الزعيم السابق لتنظيم الدولة الإسلامية قيام “الخلافة” في العام 2014، فضلاً عن قطع من المحراب.
وتتوزع قطع من الطوب على رفوف المخزن سيُستخدم 45 ألفاً منها، أي الثلث، في إعادة بناء المئذنة، كما يشرح طاقة. ولا يزال الموقع غنياً بالمفاجآت. فقد تمّ العثور في يناير الماضي على قاعة صلاة تحت الأرض تعود إلى القرن الثاني عشر.
وجمعت اليونسكو من أجل مشروع “إعادة إحياء روح الموصل” 110 مليارات دولار. وبالإضافة إلى مسجد النوري، فالعمل قائم لترميم كنيستي الطاهرة والساعة، ومئات المنازل، ومدرسة الحيّ.
وخلقت أعمال الترميم التي كلّفت بها شركات محلية، أكثر من 3100 فرصة عمل، أكثر من نصفها لشباب تلقوا تدريباً في الحرف التراثية وإعادة ترميم المباني، وفق اليونسكو.
وهكذا، أصبح أزهر الذي كان يبيع الفواكه والخضار على عربة في المدينة القديمة قبل الحرب، عاملا في موقع ترميم مسجد النوري. ويروي الرجل البالغ من العمر 48 عاماً والأب لخمسة أطفال “البيوت كلها وقعت، الناس كانوا في المخيمات وهذه الشوارع كلها كانت مدمّرة”.
ويضيف “كل الناس عانوا. هناك من سقط له شهداء ومن فقد بيوتاً، ومن فقد متاجر وسيارات. عاد الى المدينة ولم يجد شيئا”.
كما أن بعض الجراح لم تندمل بعد. فرغم إصرار زملائه، يرفض أزهر الحديث عن زوجته المتوفاة. وعادت الحياة إلى طبيعتها في زوايا الحي. رغم أن مبان كثيرة لا تزال مهدمة، إلا أن المقاهي والورشات والأفران فتحت أبوابها.
وعند مفترق طرق، تقف امرأتان لاختيار الطماطم والفاصولياء الخضراء من عند بائع خضار، على بعد أمتار قليلة من عمال يعملون على خلط الإسمنت.
وعلى مقربة من هناك، تقع كنيسة الطاهرة للسريان الكاثوليك التي لا تزال تنتظر ترميمها. ويقول المهندس أنس زياد إن سقفها وأساساتها انهارت نتيجة القصف.
ويمكن رؤية حفرة في الأرض حيث كان يقع بهو الكنيسة التي شيّدت في العام 1862 لتشكّل امتداداً لكنيسة مجاورة يبلغ عمرها 800 عام. وفي المجمع الذي يضمّ أربع كنائس، أقام تنظيم داعش إداراته. وقرب باحة الكنيسة حُطّمَت صلبان ومنحوتات لوجوه ملائكة كانت معلّقة على الجدران.
وفي الأزقة الضيقة العشرات من المنازل قيد الترميم. بعضها عمره ما بين 100 و150 عاماً. وخلف الأسطح والباحات المموهة بخيوط الشمس، تظهر الواجهات المرمرية الأنيقة المزخرفة بعضها بنقوش تعود إلى الحقبة العثمانية.
ويقول المهندس مصطفى ناظم المشرف على إعادة ترميم المنازل “لدينا في المرحلة الأولى تقريبا 44 بيتاً، أغلبها اكتمل وستسلّم في نهاية شهر مارس”. يبقى 75 بيتاً لترميمه بحلول نهاية العام.
ويشمل المشروع أيضاً، وفق المهندس، “البنية التحتية، وترتيب الخطوط الكهربائية الخارجية للشارع، وكذلك أعمدة إنارة للشارع، ومد أنابيب مياه الشرب ورصف الشارع بحجر البازلت”.
ومنذ بضعة أشهر، عادت إخلاص سالم لتسكن بيتها. عندما تفقدته للمرة الأولى بعد الحرب، كان المبنى مدمراً بالقصف، بينما سرقت منه الأغراض القيمة.
وتقول المرأة البالغة من العمر 55 عاماً “هذا بيت أجدادنا، عمره أكثر من 100 عام”، مضيفةً “لم يكن لدينا أملٌ بالعودة إلى بيتنا”. وتضيف أن إعادة ترميم البيت أراحت نفسها قليلاً. وتعمل إخلاص على إعداد طعام الغداء لابنيها اللذين سيأتيان إلى المنزل لاستراحة الظهر. ويعمل الشابان في الحيّ نفسه، في ورش إعادة الترميم.