حرية – (13/3/2022)
أعادت بغداد العمل في الصناعة الحربية بشكل محدود جداً منذ عام 2015
يستأنف العراق إنتاج الأسلحة الخفيفة من المسدسات والرشاشات خلال الأسابيع القليلة المقبلة، بعد توقف دام نحو عقدين، عقب إسقاط نظام صدام حسين في عام 2003 وتدمير ونهب كل المصانع العسكرية العراقية التي كانت تنتج أسلحة وأعتدة مختلفة.
وبدأ العراق منذ سبتمبر (أيلول) 2019، أولى خطواته الجدية لاستعادة العمل في صناعته العسكرية عبر مصادقة البرلمان على قانون هيئة الصناعات الحربية بعد إلغائها في عام 2003 من قبل الحاكم المدني للعراق بول برمير.
وأعاد العراق بشكل محدود جداً، العمل في صناعته الحربية منذ عام 2015، عبر تأسيس شركة الصناعات الحربية التي اتخذت مجدداً من المنطقة الصناعية في الإسكندرية (40 كيلومتراً جنوب بغداد) مقراً لها، وتمكنت من صناعة صاروخ “اليقين” قصير المدى، وقنابل طائرات “السوخوي”، وقاعدة الراجمات الأنبوبية بكميات محدودة، فضلاً عن صيانة المعدات العسكرية.
وتسلم العراق خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، مصنعاً لإنتاج المسدسات والرشاشات هو الأول من نوعه، الذي تتعاقد عليه “هيئة الصناعات الحربية العراقية” منذ عام 2003، ليكون باكورة الإنتاج العسكري العراقي الذي سبق ودُمِّر بشكل شبه كامل.
“بابل” و”الرافدين”
وقال رئيس هيئة الصناعات الحربية محمد الدراجي، إن “هذا المصنع سيباشر قريباً إنتاج مسدس بابل وبندقية الرافدين”. ويُعد مسدس “بابل”، وريث مسدس “طارق”، الذي كانت تنتجه هيئة التصنيع العسكرية العراقية سابقاً بكميات كبيرة، حيث لا يزال من أشهر المسدسات في سوق الأسلحة الخفيفة في العراق.
وقال الدراجي، إن “العراق يحتاج إلى أسلحة وعتاد بقيمة 5 مليارات دولار سنوياً”، مؤكداً وجود تفاعل من وزير الدفاع والعمليات المشتركة مع التصنيع الحربي. وأضاف، أن “الهيئة تملك مصنعاً ينتج مدافع حالياً. وزودنا الشرطة الاتحادية بمدافع لكنها لم تسدد قيمتها”، لافتاً إلى أن “الهيئة صنعت طائرات مسيرة للمراقبة”.
27 ألف موظف
وتابع الدراجي أن “لدى الهيئة 27 ألف موظف، أصغرهم عمره 40 عاماً”، إذ إن “آخر تعيين في التصنيع الحربي جرى في عام 1990”. وكانت هيئة التصنيع العسكري العراقية تضم قبل سقوط النظام السابق نحو 33 شركة يعمل فيها نحو 47 ألف عامل، إلا أنها حُلت بعد أبريل (نيسان) 2003 بقرار من الحاكم المدني بول بريمر وبدعم من القوى السياسية العراقية، وحوِّلت ملكيتها إلى وزارات الصناعة والدفاع والمالية، قبل أن يُعاد ربطها في عام 2020 بهيئة الصناعات الحربية.
ويُعد توفير المبالغ للصناعات الحربية، إحدى أهم المشاكل التي تعاني منها الهيئة، ففي ظل الموازنات الضخمة التي كانت تُصرف على التصنيع العسكري في ثمانينيات القرن الماضي، حين كان العراق يخوض حرباً مع إيران استمرت ثماني سنوات (1980-1988)، استمرت الهيئة في عملها، وباتت تصنع بعض الأسلحة التي تسمح بها القرارات الدولية.
البرلمان داعم
وقال نائب رئيس البرلمان حاكم الزاملي، إن “مجلس النواب سيضع التخصيصات المالية الكافية لدعم التسليح والتصنيع الحربي والتكنولوجي، وبما يسهم في الدفاع عن حدود الوطن ومقدراته”.
من جانبه، صرح النائب نايف الشمري، بأن “البرلمان سيدعم صناعة التسلح بالعراق وسيخصص مبالغ له هذا العام”، مشيراً إلى “قرب استضافة رئيس هيئة التصنيع العسكري في البرلمان للحديث عن احتياجات الهيئة”. وأضاف الشمري الذي كان عضواً في لجنة الأمن والدفاع في البرلمان السابق، أنه “من الضروري دعم الصناعات الحربية، لأننا بحاجة إلى أسلحة من كل الأنواع، وبذلك سيدعم مجلس النواب الصناعات الحربية العراقية”.
وعلى الرغم من الاتفاق بين كل الجهات العراقية المعنية على ضرورة إحياء الصناعة الحربية، فإن شكل تلك الصناعة وجدية الحكومة والساسة العراقيين في عودة الترسانة العسكرية المصنعة بالعراق إلى ما كانت عليه، لا تزال موضع خلاف.
وافتتح العراق خلال نهاية عام 2019 ثلاثة خطوط لإنتاج العربات القتالية المدرعة والألغام والطائرات المسيرة بالشراكة مع شركة عراقية خاصة وبموجب الرخصة العالمية لشركتَي “أرمسترونك” الصربية و”تاك” الأميركية.
وتوقف العمل في هذه الخطوط خلال عام 2020 إلا أنها استأنفت العمل أخيراً، وستنتج ثلاثة أنواع من العربات القتالية، بمستوى تدريع يصل إلى المستوى السابع.
العودة جدية
وأكد الباحث في المجال الأمني، سرمد البياتي، “وجود عزم حكومي على إعادة إحياء الصناعات العسكرية الخفيفة”، إلا أنه استبعد “أن تتطور تلك الصناعة إلى ما كانت عليه قبل عام 2003”.
وقال البياتي، إن “هناك عقداً تم توقيعه نهاية العام الماضي مع هيئة التصنيع الحربي لصناعة إطلاقات البنادق، وكان مقرراً أن يتم تطوير تلك الصناعة لتشمل الطائرات المسيرة إلا أن المشروع لم يكتمل”، لافتاً إلى وجود “تحركات حثيثة لإحياء الصناعة الحربية، ونحن قادرون على ذلك”.
واشار إلى أن “مشاكل مالية تعيق عملية تطوير تلك المؤسسة، وهناك مصانع جاهزة للتصنيع إلا أنها بحاجة إلى إعادة تحضيرها لتكون جاهزة لإنتاج الإطلاقات والأسلحة الأخرى”.
وعن إمكانية تطور الصناعة العسكرية بالعراق لتكون كما كانت عليه قبل عام 2003، رأى البياتي أنه “من الصعب تطور الصناعة العسكرية وإرجاعها الى سابق عهدها بسبب الخلافات السياسية”، مبيناً أن “كتلاً برلمانية ستعارض هذا الموضوع. ولذلك لا نتوقع أن تتطور تلك الصناعة ببساطة”.
وبلغت النفقات العسكرية في موازنة العراق لعام 2021، في مجملها 27.617 تريليون دينار، أي أكثر من 20 مليار دولار بقليل، وتشمل النفقات التشغيلية وتسليح المؤسسات العسكرية العراقية المتمثلة في الجيش وأجهزة مكافحة الإرهاب وهيئة الحشد الشعبي ووزارة الداخلية.
مجرد استهلاك إعلامي
من جهة أخرى، اعتبر الباحث الأمني أعياد الطوفان أن “الحديث عن إعادة المصانع الحربية، هدفه الاستهلاك الإعلامي. إذ كنا قبل عام 2003، نملك مصانع ضخمة في عامرية الفلوجة يديرها كوادر من المهندسين والعاملين بمستوى عالٍ من الكفاءة، ومنشآت تصنيعية أخرى مثل منشأة القعقاع في الإسكندرية وأبو غريب لإنتاج العتاد الخفيف وغيره، ووصلنا إلى مستوى إنتاج المدافع وقنابل الهاون”.
أطلال باقية
وبيّن الطوفان أن “هذه المصانع بعد عام 2003، سُرقت ودُمرت أبنيتها وأصبحت عبارة عن أطلال، فهناك كثير من الدول، ومنها دول مجاورة، لا تريد للعراق النهوض”. وتابع أن “كوادر التصنيع العسكري، منهم مَن قُتل ومنهم مَن هُجِّر ومنهم من عُوقب لأسباب غير مقبولة، كما أن المنشآت الإنتاجية باتت محطَمة والأبنية مدمرة”، مشيراً إلى أن “التصنيع العسكري بعد الحصار الاقتصادي على العراق بات محدوداً جداً، إلا أن المصانع كانت تنتج بعض أنواع العتاد”.
وكانت المصانع العسكرية العراقية تنتج قبل أبريل 2003، عدداً محدوداً من بطاريات المدفعية وقذائف الهاون والذخائر وبعض المعدات الخفيفة وأيضاً طائرات المراقبة ذات المديات القصيرة وصواريخ “الصمود” التي يبلغ مداها نحو 150 كيلومتراً، حيث مُنع العراق بموجب القرارات الدولية، من صناعة صواريخ تتجاوز ذلك المدى. ولا يزال هذا المنع قائماً حتى الآن.
وأجبرت الأمم المتحدة بعد عام 1991، العراق، من خلال لجان التفتيش، على تدمير أغلب ترسانته من صواريخ “سكود” التي طورها محلياً، فضلاً عن تدمير برامج التسلح العراقية (الكيماوية والبيولوجية) والبحوث النووية وعشرات المصانع، بحجة الاستخدام المزدوج.