حرية – (19/3/2022)
مصطفى فحص
احتاجت طهران هذه المرة إلى التصويب على أربيل بصواريخ باليستية من أجل تصويب المسار السياسي في بغداد، والفضيحة هنا أن مستوى أزماتها الداخلية والخارجية فرض عليها الانتقال من صواريخ الـ«كاتيوشا» إلى صواريخ الـ«سكود»، ومن الوكلاء إلى الأصل، في معالجتها الخشنة لأغلب الملفات المرتبطة بما تعدّها مصالحها الحيوية، والفارق النوعي في مستوى الصواريخ المستخدمة دليل على أن أزماتها بلغت مستوىً غير مسبوق، ليس فقط في العراق؛ بل في الإقليم من سوريا إلى اليمن، وفي تأثيرها السلبي على الداخل المحتقن الذي احتاج فعلياً إلى هذا النوع من الاستعراض الباليستي من أجل ترميم صورة النظام وهيبته بعد انتكاسات أمنية وعسكرية عدة في الداخل والخارج.
كانت هيبة النظام الإيراني على المحك، فقد تعرض لانتكاسات أمنية وعسكرية كبيرة؛ كانت أُم الفضائح الأمنية الأخيرة، هي ما كشفت عنها الجاسوسة الإسرائيلية كاثرين بيرز شكدم التي عملت لسنوات في إيران على أنها صحافية فرنسية داخل مؤسسات الدولة الإعلامية ونجحت في الإيقاع بأكثر من مائة شخصية إيرانية وحصلت منهم على معلومات دقيقة خصوصاً بعد إقامتها علاقات غرامية مع أغلبهم؛ كما أكدت أنها التقت المرشد الإيراني في أول زيارة لها إلى إيران، ورافقت إبراهيم رئيسي في بعض جولاته الانتخابية، وعملت في وكالة «تسنيم» التابعة لـ«الحرس الثوري».
وفي تقارير لم يتسن التدقيق في صحتها عن بعض التسريبات من داخل الأجهزة الأمنية الإيرانية، أن الاختراق الإسرائيلي في مؤسسات الدولة الأمنية والعسكرية بلغ ذروته، وأن هناك شبكات من مئات العناصر وفي مستويات وظيفية عالية جرى تجنيدها، وأن إسرائيل عبر هذه الشبكات نجحت في سرقة أرشيف إيران النووي واغتيال كبير علمائها النوويين؛ وساعدتها في تنفيذ عمليات نوعية داخل المنشآت النووية ومنشآت أخرى حيوية، كما نجحت تل أبيب مؤخراً في ضرب واحد من أكبر مستودعات الطائرات المسيّرة في قاعدة كرمنشاه الجوية، وهذه الأحداث تضاف إلى سجل حافل من الاختراقات الأمنية والعسكرية في سوريا تحدث منذ سنوات، إضافة إلى ما سُرب أخيراً عن اختراقات بالمستوى نفسه في لبنان.
لذلك يصح القول إن صواريخ أربيل ليست إلا رد فعل فارغاً من أجل التغطية على فشل أمني وعسكري أحرج النظام الإيراني وكسر هيبته وأفرغ ادعاءاته بامتلاك توازن الرعب الذي كان يدعيه طوال هذه الفترة مع إسرائيل، خصوصاً بعد عجزه عن ردعها وافتقاره أصلاً للقوة الرادعة، التي قد تدفع تل أبيب إلى التفكير في عواقب اعتداءاتها داخل إيران وخارجها، وأبسط دليل أن حجم الأضرار التي أصابت المنزل في أربيل أو الموقع المتوهم (وفقاً لرواية طهران) تدفع إلى الاعتقاد بأنه تعرض إلى صواريخ من الألعاب النارية وليس إلى 6 صواريخ باليستية بصناعة إيرانية.
إذن؛ بعد الانفعال الإيراني في أربيل، فإن السؤال السياسي الذي يطرح نفسه بقوة الآن هو: هل حجم التمرد العراقي وصل إلى مستوى تحتاج فيه طهران إلى صواريخ باليستية من أجل تنبيه العراقيين إلى أنها لم تزل الآمر الناهي في شؤونهم؟ لكن هل هذه الصواريخ الرديئة نجحت في تصحيح رداءة أدائها في العراق؟ يبدو أن العكس هو الصحيح، فالضربة فاقمت الأزمة السياسية وعززت الاعتقاد بأنها فشلت في إعادة تعويم موقف الجماعة المؤيدة لها، ولم تثنِ خصومهم عن التمسك بموقفهم؛ فلا أربيل المستهدفة بحجج واهية تراجعت، ولا دفعت «الحنانة» إلى التخلي عن طرحها حكومة أغلبية وطنية، بل العكس؛ ساهمت في إنهاء بعض التصدعات التي أصابت التحالف الثلاثي، وأعادت الدفء إلى العلاقة التي أصابها الفتور برئيس الوزراء مصطفى الكاظمي وعوّمته من جديد.
وعليه؛ كشف الاعتداء على أربيل عن عقم إيراني في فهم طهران المتغيرات العراقية، وأحرج وكلاءها العاجزين عن تبرير فعلتها، وقدم لخصومهم مزيداً من أوراق القوة في مسار التسويات الداخلية… لكن الأبرز أن الكاظمي عاد من أربيل وفي جعبته ورقة التوازن الداخلي والخارجي.