حرية – (9/5/2022)
عصفت بالعراق قبل عامين أزمة مالية طاحنة مع نفاذ موارده المالية تقريبا رغم أن العراق يأتي في المرتبة الخامسة كأكبر منتج للنفط في العالم ما يوحي بأن بلاد الرافدين يتعين أن تكون في صفوف الدول الغنية مع استبعاد تعرضها لأزمات مالية. ونظرا لأن موارد العراق المالية تأتي من مبيعات النفط، لذا فإن ميزانيته أصبحت رهينة لأسعار النفط العالمية.
وفي عام 2015 ، توقع صندوق النقد الدولي أن أموال العراق ربما قد تنفذ في غضون خمس سنوات إذا لم يُقدم على تنويع مصادر وموارده المالية بعيدا عن النفط ليقترب هذا الموعد في عام 2020 بفضل جائحة كورونا التي أدت إلى انخفاض أسعار النفط بأكثر من الثلث. وعلى إثر ذلك، انخفض الدخل القومي للعراق إلى النصف تقريبا.
وتتمحور مشكلة العراق في استنزاف كافة موارده المالية تقريبا على دفع مرتبات الموظفين الذين يعملون في وظائف حكومية إذ أن العراق يعد واحدا من أكبر دول العالم فيما يتعلق بعد العاملين في القطاع العام ونسبتهم إلى مجمل العاملين حيث تدفع الحكومة رواتب ومعاشات لأكثر من سبعة ملايين عراقي. وفي أواخر عام 2020، وجدت الحكومة العراقية نفسها غير قادرة على سداد الرواتب في وقتها ما أدى إلى اندلاع موجة من الاحتجاجات.
وفي أكتوبر / تشرين الأول عام 2020، نشرت وزارة المالية العراقية ما اسمته “كتاب أبيض” حول الإصلاحات الاقتصادية، وقد تحدث الكتاب عن الحاجة الماسة إلى البدء بها ليس فقط بسبب تحول العالم بعيدا عن الوقود الأحفوري لصالح الطاقة الصديقة للبيئة، بل ايضا بسبب حاجة العراق لإيجاد موارد مالية جديدة.
مسيرة الإصلاح
بيد أن المعادلة تغيرت في الآونة الأخيرة مع ارتفاع أسعار النفط إلى مستويات قياسية جراء الغزو الروسي لأوكرانيا وعزم الدول الأوروبية فرض حظر على النفط الروسي في إطار العقوبات التي جاءت ردا على الغزو.
وفيما كان ارتفاع أسعار الطاقة بمثابة الخبر المحزن بالنسبة إلى المستهلكين الأوروبيين، فقد كان وقع ذلك بالخبر السار على الدول المصدرة والمنتجة للنفط لا سيما العراق والسعودية وقطر والإمارات.
وفقا للبنك الدولي، فقد ارتفعت أسعار النفط بنسبة 55 بالمائة في الفترة ما بين ديسمبر / كانون الأول عام 2021 ومارس / آذار الماضي عقب اندلاع الحرب في أوكرانيا ما يعني زيادة السيولة المالية بشكل كبير في خزينة دول الشرق الأوسط المصدرة للنفط.
فعلى سبيل المثال، أعلنت وزارة النفط العراقية في مارس/ آذار الماضي تصدير أكثر من 100 مليون برميل من النفط خلال الشهر المذكور بإيرادات تجاوزت 10.5 مليار دولار فيما يعد أعلى إيرادات مالية شهرية يحققها العراق منذ 1972.
وبفضل ذلك، تمكن العراق من دفع رواتب موظفي القطاع العام دون أدنى مشكلة، لكن ما هو تأثير ذلك على وتيرة الإصلاح التي أعلنت عنها الحكومة في السابق؟
المال ..كلمة السر
ولم يكن العراق وحده بين بلدان الشرق الأوسط الغنية بالنفط الذي كان يخطط لإصلاحات اقتصادية إذ خططت دول أخرى لذلك لاسيما السعودية، أكبر مصدر للنفط في العالم. فمنذ عام 2016، أعلنت السعودية البدء في تنفيذ “رؤية 2030” التي ترمي إلى تنويع مصادر الدخل في السعودية والتخلص من تبعية البلاد للنفط.
كذلك، تحاول الإمارات وقطر توفير حماية أكبر في المستقبل للاقتصاد في إطار الاستعداد لليوم الذي سوف يتخلى فيه العالم عن الوقود الإحفوري ويعتمد على مصادر الطاقة المتجددة. وفي هذا الإطار، تسعى الإمارات لأن تصبح مركزا إقليميا للأعمال والتجارة بهدف تنويع مصادر الدخل.
وفي ذلك، قال روبرت موغيلنيكي، الباحث في معهد دول الخليج العربية في واشنطن، إن زيادة العائدات قلل من الضغوط على الحكومات ما مكنها بسهولة من دفع رواتب موظفي القطاع العام. لكنه أكد أن “ارتفاع أسعار الطاقة لا يغير قواعد اللعبة السياسية”، مشددا على أن هذه الزيادة قد تسهل تنفيذ الإصلاحات.
وفي مقابلة مع DW، قال “لا شك أننا نتجه نحو مستقبل أخضر، لكن من غير الواضح متى سيحدث ذلك. وهذا هو السبب الذي يدفع الدول لبذل المزيد للدخول في أسواق طاقة جديدة مثل الهيدروجين.”
تعزيز نفوذ دول الخليج
وتتفق في هذا الرأي كارين يونغ، الزميلة البارزة والمديرة المؤسسة لبرنامج الاقتصاد والطاقة في معهد الشرق الأوسط بواشنطن.
وترى يونغ أن دول الخليج تحاول الاستفادة من الوضع الراهن في سوق الطاقة ليست في إطار زيادة أسعار النفط وإنما أيضا في إطار التقلبات العامة في السوق، مضيفة أن هناك احتمالات بأن زيادة التضخم ونقص الغذاء وارتفاع أسعار النفط سيؤدي إلى تفاقم الخلافات بين دول المنطقة. لكنها قالت إن الدول المنتجة والمصدرة للنفط سوف تتمكن من التغلب على الأزمات بشكل أفضل بسبب خزينتها الزاخرة بالأموال وسوف تعمل على تعزيز نفوذها في المنطقة.
وأضافت “وجهت دول الخليج مساعدات خارجية واستثمارات مباشرة لدعم حكومات معينة في لحظات معينة كجزء من سياستها الخارجية، لأن لدى هذه الدول فائض كبير من الأموال للقيام بذلك”.
فعلى سبيل المثال، أعلنت السعودية عن إيداع 5 مليارات دولار لدى البنك المركزي المصري في ظل أن مصر – الدولة الأكبر عربيا من حيث تعداد السكان – باتت تعاني بشكل خاص جراء تداعيات الحرب في أوكرانيا ما دفعها لخفض قيمة الجنيه المصري أواخر مارس / آذار الماضي.
كما وعدت قطر – التي تتوقع ان تصل صادراتها من الطاقة إلى 100 مليار دولار هذا العام لأول مرة منذ 2014- بضخ استثمارات بقيمة نحو 5 مليارات دولار في مصر.
وفي ذلك، قالت يونغ إن هذه الأزمة جعلت بعض الدول في المنطقة “في موقف ضعيف” وهو ما صب في صالح دول الخليج، مضيفة “أنهم في فورة تسوّق، هذا أمر انتهازي، لكنه منطقي من الناحية المالية أيضا.”
تركيز على الداخل
ورغم ذلك، لا يعتقد الخبراء أن امتلاك المزيد من الأموال سيشجع دول الخليج على تبني سياسات خارجية محفوفة بالمغامرة قد يكون غير مُرحب بها.
وفي هذا السياق، قالت يونغ “رغم أن هذه المكاسب غير المتوقعة قد تخلق فرصة للتدخل (في شؤون دول المنطقة)، إلا أن دول الخليج سوف تسعى للاستفادة من العائد المادي لتعزيز الاستثمار والتركيز على تنفيذ أجندتها المحلية ومواقفها المستقبلية بما في ذلك أمن منطقة الخليج”. وأضافت أنه من المرجح أن تضخ دول الخليج استثمارات “في مشاريع الدفاع والتكنولوجيا الخاصة بها”.
وفيما يتعلق بالعراق، يرى ريناد منصور، مدير “مشروع مبادرة العراق” في معهد تشاتام هاوس في لندن، أن الوضع يعد مختلفا، مضيفا أن المشكلة في العراق تعود إلى أزماته الداخلية جراء الفساد وضعف الحكومة والتناحر السياسي بين الأحزاب.
وفي مقابلة مع DW، قال إن وجود أموال كافية لتغطية جميع تكاليف الدولة “قد تؤدى على المدى القصير إلى جمع النخب السياسية المتنافسة بسبب أن هذه الأحزاب تتعرض لضغوط كبيرة للحصول على حصة من الموازنة الفيدرالية”.
ورغم ذلك، يعتقد منصور أن ارتفاع أسعار النفط من غير المرجح أن يؤثر سواء بالسلب أو بالإيجاب على تنفيذ الإصلاحات في العراق، مضيفا أن “الكتاب الأبيض يتضمن الكثير من الأفكار الجيدة للبدء في إصلاح اقتصاد البلاد، لكنه يتجاوز الواقع السياسي.”
وأضاف “منطقيا، في ظل ارتفاع أسعار النفط، فإنه يوجد حافز أقل للإصلاح ، لكن في الحالة العراقية، لا نرى إصلاحات كبيرة حتى مع انخفاض أسعار النفط”.