حرية – (29/5/2022)
تبلغ تكلفة البيت الطيني في ألمانيا 1800 يورو للمتر المربع بزيادة 20 في المئة على تكلفة البيت التقليدي (أ ف ب)
في الوقت الذي تهدم فيه البيوت الطينية بالدول العربية لتحتل مكانها منازل الأسمنت، يتصاعد اهتمام الألمان بتلك البيوت، معتبرين أنها ابتكار جديد سيمكنهم من مواجهة تداعيات أزمة المناخ.
يمنح البيت الطيني مناخاً لطيفاً للغرفة داخل المنزل، وعندما يكون منسوب الرطوبة مرتفعاً، يمتص الطين الرطوبة من الهواء ويخزنها ليطلقها مرة أخرى خلال ارتفاع درجة الحرارة، بهذه الطريقة يضمن المنزل الطيني هواء داخلياً صحياً، كما أن الطين يعد مادة أولية طبيعية على خلاف مواد البناء الاصطناعية.
التأقلم مع تغيرات الفصول
بحسب خبراء البيئة في ألمانيا، يعد البيت الطيني صحياً ويمنح لسكانه مناخاً يتأقلم مع تغيرات الفصول، وهو أيضاً خالٍ من المواد الكيماوية الضارة، ومن إيجابياته كذلك حماية البيت من الحشرات، كما أن مواد بنائه قابلة لإعادة التدوير ما يسهم في حماية البيئة.
لكن على الرغم من مزايا البيوت الطينية غير أن عدداً من العائلات العربية هدمت بيوتها من أجل بناء منازل بمواد اصطناعية.
يوسف يمان يعيش في منطقة الرحامنة جنوب المغرب، هدم هو وأشقاؤه بيت أجداده الطيني، لبناء بيت من الإسمنت بالمواد الاصطناعية. ويقول في هذا الصدد، “أغلب الناس في القرية عوضوا بيوتهم الطينية ببيوت جديدة تتماشى مع العصر، على الرغم من أن تكلفة البيت الإسمنتي أكبر من البيت الطيني، الذي رأينا أباءنا وأجدادنا يرممونه بمفردهم”.
البيت الطيني مكلف في ألمانيا
يمكن للنساء أيضاً المشاركة في بناء البيت الطيني، لأن لديهن خبرة في طبيعة المواد المستعملة، وهي خبرة تتناقل من جيل إلى جيل بالمغرب وعدد من الدول العربية.
وفي الوقت الذي ينظر إلى البيت الطيني على أنه أقل قيمة اجتماعياً ومادياً في المغرب، تبلغ تكلفته في ألمانيا 1800 يورو للمتر المربع بزيادة 20 في المئة على تكلفة البيت التقليدي.
لا يكلف البيت الطيني كثيراً، لأن المواد الأولية موجودة في مكان البناء، لكنه يتطلب في ألمانيا خبراء متخصصين بهذا النوع ما يجعل من تكلفته مرتفعة، ويشدد باحثون في المناخ على ضرورة الاستفادة من خبرات الشعوب، التي تعتمد هذا النوع من البناء، لأن لديها خبرة في التعامل مع المواد الأولية، ومعرفة كميات المياه اللازمة وانتقاء التربة المناسبة، وكيفية البناء.
يحمي من الحساسية
يؤكد البروفيسور الألماني، ولفرام جاغر، الخبير في البناء، أن المنزل الطيني ينظم بشكل تلقائي مناخ الغرفة، مشيراً إلى أن الجدران الطينية تمتص الرطوبة وتطلقها مرة أخرى، مؤكداً أهمية العيش في البيت الطيني.
يعتبر الخبير الألماني في البناء أن البيت الطيني يقي من الإصابة بالحساسية، ويساعد على التنفس بشكل جيد، ويوفر نوماً هادئاً، ويجنب عمال البناء الإصابة بأمراض جلدية، بسبب المواد الاصطناعية مثل الإسمنت.
يشار إلى أنه ينجم عن إنتاج طن واحد فقط من الإسمنت ما يقرب من 590 كيلوغراماً من انبعاث ثاني أكسيد الكربون، ويعد إنتاج الإسمنت ضاراً بالبيئة بشكل خاص، لهذا صنفه خبراء بالبيئة على أنه من أكثر المواد تدميراً لكوكبنا.
لا يهتم يوسف كثيراً في منطقة الرحامنة جنوب المغرب بتداعيات الإسمنت على البيئة. ويشير في هذا الصدد، “البيت الطيني بالنسبة لي مرتبط بالفقر، لم يعد يتناسب مع هذا العصر، في قريتنا جميع الأهالي شيدوا منازل إسمنتية”.
يرتبط البيت الطيني في المغرب وعدد من الدول العربية بالفقر، بينما في ألمانيا يتطلب إمكانات مادية ويداً عاملة متخصصة وخبيرة بهذا النوع من البناء.
لم نكن نشعر بارتفاع درجة الحرارة
في الوقت الذي يرتفع الطلب في ألمانيا على خبراء في بناء البيوت الطينية صديقة البيئة، تمتلك زينب أم يوسف البالغة من العمر (64 سنة) هذه الخبرة.
شاركت زينب إلى جانب زوجها في ترميم بيتهما الطيني السابق. وقالت “كان زوجي مرتبطاً بالبيت الطيني، كنا نرممه معاً، لكن بعد وفاته اختار أبناؤنا بناء بيت إسمنتي مثل بقية أهالي القرية”.
تعرف منطقة الرحامنة جنوب المغرب بارتفاع درجة الحرارة في فصل الصيف، ولا يتوفر الأهالي على إمكانات مادية للاستعانة بمكيفات هوائية، وتضيف زينب، “عندما بنينا بيتاً إسمنتياً أصبحنا نشعر بارتفاع درجة الحرارة، في السابق كان البيت الطيني يمنحنا جواً معتدلاً، ولم نكن نشعر بارتفاع درجة الحرارة في الصيف، وفي فصل الشتاء كان بيتنا دافئاً”.
ورثت زينب، وهي امرأة أمية، خبرة البناء من أبويها، فعملية خلط الطين بالماء والتبن تعد بالنسبة إليها بديهية، ولا تتطلب كثيراً من الخبرة. وتقول “يحن في نفسي كثيراً أننا هدمنا بيتنا الطيني، الذي كان يوفر لنا جواً معتدلاً في فصل الصيف، إلى جانب إحساس بالهدوء والراحة”.
زينب وغيرها من نساء ورجال العالم العربي لديهم أسرار الأرض، التي ترتفع الحاجة إليها في الدول الغربية بسبب التغيرات المناخية والاحتباس الحراري، والتي يرى الخبراء البيئيون أنها مهمة لحماية كوكبنا الأرض”.
أسهم بناء البيوت الإسمنتية في ضياع خبرة عمرها آلاف السنين في العالم العربي، وأصبح من النادر إيجاد ممتهنين لهذه الحرفة.