حرية – (2/1/2020)
أثار نبأ وفاة الإعلامية اللبنانية، نجوى قاسم، قبل عام من الآن صدمة في الوسط الإعلامي العربي، لما تحظى به من احترام ومتابعة نالتهما من خلال تغطياتها للأحداث الساخنة التي كانت تصر على أن تتواجد فيها.
ذهبت قاسم إلى أفغانستان إبان الحرب التي أسقطت نظام طالبان عام 2002، ثم توجهت إلى العراق بعد الاجتياح الأميركي عام 2003، وكادت نجوى قاسم أثناء تغطيتها من بغداد لقناة العربية، التي انتقلت إليها عام 2004 أن تصبح رهينة من قبل إحدى المجموعات المسلحة في العراق في ذلك العام.
وفي ذات العام ظهرت نجوى قاسم وهي تنهض من تحت ركام مكتب قناة العربية في بغداد بعد تفجير استهدفه، وتواصل تغطية الحدث رغم إصابتها، من بين القتلى والجرحى من زملائها.
وننقل فيما يلي نص حوار سابق مع الإعلامية الراحلة نجوى قاسم جرى نهاية عام 2007:
نالت المذيعة اللبنانية نجوى قاسم شهرة لافتة من خلال تغطياتها للأحداث الساخنة التي كانت تصر على أن تتواجد داخلها رغبة منها في لمس الحقيقة وإيصالها للمتلقي.
فذهبت إلى أفغانستان إبان الحرب عليها التي أسقطت نظام طالبان عام 2002 ثم عام 2003 في حرب العراق التي أسقطت نظام صدام حسين.
حبها لمتابعة الأخبار ولعملها اكسبها جائزة أفضل مذيعة في المهرجان العربي الرابع للإعلام في بيروت عام 2006، ونالت عدة ألقاب من بينها كريستيان امان بور العرب نسبة للمذيعة الاميركية من اصل ايراني الشهيرة في قناة سي ان ان.
ولقب المراسلة الحربية حسب جريدة الرياض السعودية; قطعة الكريستال; وهو لقب أطلقه عليها زملاؤها في قناة العربية.
اتجهت نجوى قاسم مؤخرا وخاصة في عام 2007 إلى داخل الأستوديو بعد ان كانت تطارد الأحداث لتوصلها لمشاهديها، إذ كانت أخر تغطياتها الموسعة خارجيًا في لبنان إبان حرب تموز.
وترى نجوى قاسم للعام 2007 بأنه: عام تجربة أو بداية تجربة البرنامج الخاص بي على شاشة العربية، فمع بدايات العام بدأنا التحضير لبرنامج نهاية الأسبوع وفي منتصفه إنطلقنا به على الهواء ولا نزال، محاولين تطويره من أسبوع لأسبوع، وأتمنى أن يكون متابعو البرنامج يلاحظون هذا التطور فيه، لأنني شخصيًا أحب هذا البرنامج كثيرًا وأتمنى أن يتقدم أكثر وأكثر، ربما لهذا السبب بقيت في دبي معظم أوقات السنة، حتى أنني لم أستطع أن أذهب في إجازة سنوية مطولة كباقي الزملاء وكما يحصل عادة كل عام، بل إنني أكتفي في أفضل الأحوال هذه الأيام بإجازات لا تتعدى الأربعة أو الخمسة أيام.
وان كانت الأحداث تحرك الصحافي فيكون عمله تجاهها كرد فعل تلقائي أم هو يحرك الأحداث الراكدة المنسية ويحرض ذاكرة المتلقي على التفاعل معها تقول نجوى: في الواقع نحن نعيش في منطقة تغلي إلى درجة أننا لا نحتاج معها إلى تحريك الحدث أو صناعته.
الأحداث في هذه المنطقة تتسابق منذ عقود ولا نكاد نرتاح من حالة ما أو حرب ما حتى يأتي ما هو أصعب. أن تمر أشهر في هذه المنطقة دون حدث; هو بحد ذاته حدث يجب أن نترقبه أو نتمناه.
لم تصطدم نجوى قاسم بالسيطرة الذكورية اجتماعيا، إذ كانت بدايتها في تلفزيون المستقبل اللبناني وقد سبق لبنان مجتمعات أخرى في نزول المرأة للعمل في مختلف المجالات. لكن عملها في الاخبار التي كانت حكرا في عدة محطات عربية على الرجال جعلها تشعر بالاستفزاز من اسئلة تجمع بين الانثى والاخبار.
تقول نجوى: في الواقع هذه مسألة تنبهت لها خلال تجربتي كمذيعة أخبار وبرامج سياسية، وليس قبل ذلك. بمعنى انني حين اخترت الأخبار اخترتها لأنني أحب السياسة وبدأ اهتمامي بها مبكرا خلال حياتي، ربما بسبب الحرب الأهلية في بلدي لبنان حينها.
أهوى الشأن العام ويجذب انتباهي كثيرًا وهو ما دفعني إلى الأخبار ولاحقًا إلى كل ما اختبرته أو أنجزته خلال مسيرتي المهنية. لكن مسالة كوني أنثى اختارت هذا المجال ولأكون صريحة، فإنها لم تخطر على بالي كثيرًا في لبنان، فالحضور النسائي في عالم الأخبار والسياسة كان موجودًا قبل جيلي، وربما يكون قد تطور أيضًا خلال السنوات الأخيرة، لكنه لم يكن من المحرمات الاجتماعية أو مسألة ينظر إليها بعضهم كتحدٍ لمجتمعنا الذكوري.
لقد شعرت بهذا التحدي أكثر عندما بدأت أتعامل مع الجمهور العربي العريض، وقد مرت لحظات شعرت فيها بالاستفزاز من أسئلة مثل; لماذا اخترت هذا المجال وانت إمرأة؟; وكنت أشعر فيها ببعض الإهانة لأنني كنت أجد أن هناك من لا يرى من تجربتي التي اعتز بها والتي تحملت فيها مشقات كثيرة لكي تأتي جدية وفعلية ونموذجية، إن هناك من لا يرى ذلك ومهما فعلت انا بالنسبة إليه إمرأة تتحدى الرجل!! ولكن اعتقد أننا اليوم بدأنا الى حد بعيد بتخطي هذه المسألة والحضور النسوي على الشاشة السياسية; بات أكثر قبولاً لدى مختلف شرائح المجتمع العربي.
رهينة في العراق
خلال وجودها في العراق شاهدناها تنهض من تحت ركام مكتب قناة العربية في بغداد الذي تعرض لهجوم ارهابي عام 2004. وقد وصفت لـ ايلاف شعورها وقتئذ وشعورها حيال الخطة التي اعدتها احدى الجماعات المسلحة بالعراق لاختطافها للضغط على قناة العربية لمغادرها العراق عام 2004: لا أنكر أبدًا أن مسالة الاختطاف لم تكن تراودني، بل إنها كانت تدور في ذهني يوميًا في ذلك الوقت. فالفترة التي قضيتها في بغداد في العام 2004 كانت فترة الاختطافات والذبح أمام عدسات الكاميرات أو المطالبات بفدية، لذلك كان من الغباء أن تسقط هذه المسألة من حساباتك في كل تحركاتك في بغداد حينها وأحمد الله ألف مرة أن المخطط الذي كشف لاحقًا لاحتطافي لم ينفذ.
أما بالنسبة إلى التفجير الذي تعرض له مكتب العربية، فأستطيع أن أقول أنه حتى فترة قصيرة كنت أرى وجوه الذين قتلوا في هذا التفجير من الزملاء في كل ليلة عندما أغمض عيني.
كانت لحظات مؤلمة وقاسية جدًا. عندما تذهب إلى بلد مثل العراق في ظروفه الحالية لا تستبعد أبدًا فكرة أن يحصل تفجير ما أمامك أو في شارع تمر به أو ما شابه، هناك نوع من الاستعداد والتهيئة النفسية تعيشها لدى وجودك في أمكنة كهذه، لكن ما صدمني حينها هي فكرة استهداف مجموعة صحافية وقتلها!! كانت هذه الصدمة التي أقلقتني أكثر من أي شيء آخر، والسؤال الذي بقي يدور في ذهني هو: لماذا يوجد من يريد أن يقتلنا زملائي وأنا؟ ما هو الحقد الذي يوصل أحد ما إلى درجة أن يطلق علينا حكماً بالإعدام؟ أي عنف هذا الذي نعيشه ولماذا حياتنا أصبحت رخيصة إلى هذا الحد؟ وللأسف في الأشهر التي تلت كان هذا العنف يتصاعد، وفتاوى القتل تكثر
لكنها ما زالت تحن للعراق وترغب بالعودة إليه
على الرغم مما حصل لها: من دون شك، وعلى الرغم من كل ما عشناه في العراق، فإن بغداد عزيزة جدًا علي، وتجربتي في بغداد في العام 2003 أيام الحرب وعام 2004 لا تزالان من أهم تجارب حياتي وأنجحها وأنا مدينة لبغداد بذلك.
أتمنى أن أعود يومًا، لا أدري إن كان قريبًا ولكني أتمنى. على الرغم من عملها في قناة المستقبل نحو 11 عامًا وهي قناة تعود ملكيتها لزعيم تيار المستقبل الراحل رفيق الحريري ثم انتقالها لقناة العربية الامر الذي قد يؤشر اقترابها سياسيًا من احد التيارات في بلدها لبنان الذي يتجه معظم نخبته لموالاة ومعارضة.
لكن نجوى تصر على أن مستقبلها المهني هو ما كانت تضعه قبل أي ولاء لجهة سياسية، تقول: في الواقع لا أرى أي رابط في موضوع التوجه السياسي بين انتقالي من تلفزيون المستقبل إلى قناة العربية.
فعندما تركت لبنان، لم يكن الوضع السياسي على ما هو عليه اليوم، كان هناك بعض التوتر السياسي لكن الأوضاع الداخلية كانت مستقرة إلى حد بعيد ولم يكن الانقسام الداخلي على ما هو عليه اليوم.
قرار انتقالي إلى العربية كان بالنسبة إلي قرارًا مصيريًا لا يتعلق بتلفزيون المستقبل الذي اعتز بتجربتي به وبأنني من مؤسسيه، بل كان يتعلق بمجمل مستقبلي المهني، بما في ذلك مسألة البقاء في لبنان. حيث أني كنت قد وصلت الى قناعة بأن تجربة الإعلام السياسي في لبنان هي تجربة محلية وستبقى وأنا كنت أبحث عن فضاء أرحب.
وهذه المسالة لا تقتصر على المستقبل وحده. بالتأكيد لدي وجهة نظري بالنسبة إلى ما يحصل في لبنان اليوم، ويؤلمني ذلك كثيرًا، وأتسمر كباقي اللبنانيين في الخارج أمام التلفزيون كلما حصل خرق أمني، ولكن مهنيًا ألتزم مئة في المئة بالحيادية، فإذا ما حاورت ضيفًا من اتجاه معين أحاول أن أطرح معه ما يقوله الطرف الآخر والعكس بالعكس.
غيرة
لا يخلو اي عمل جماعي من تنافس وغيرة وتحاسد بين بعض الزميلات والزملاء، وسألنا نجوى ان كانت العربية تخلو من ذلك وهل تظن نفسها في موضع حسد او غيرة من زميلاتها او زملائها؟
وهل تمنيت يومًا ان تقدم برنامجًا قدمته زملية او زميل اخر؟ الغيرة شيء والحسد شيء آخر.
فالغيرة يمكن أن تكون عاملاً إيجابيًا يدفعك إلى التطور لكي تصل إلى نجاحات أكبر، ولكن الحسد حالة ضعف مسيئة لمن يحسد وللمحسود، على الرغم من أنني أعتقد أنها مسيئة للحاسد أكثر، لأنها تضيع وقته الذي يستطيع أن يستمثره في تطوير نفسه والتقدم.
وهذه مسألة ترتبط بأطباع البشر وتنوعها وليس بالمؤسسة التي تعمل فيها. فلا أحد يستطيع أن يكون رقيبًا على ما يبيت كل شخص في داخله للآخر، ولكن شخصيًا لم أعانِ في العربية من هذه المسألة بشكل مؤذٍ وأعتقد أن الفضل في ذلك يعود الى الإدارة الحكيمة للعربية خصوصًا، ولمجموعة أم بي سي عمومًا في ما يتعلق بعلاقات الموظفين فيما بينهم.
أما أن أكون قد تمنيت أن أقدم برنامجًا قدمه أحد غيري، فربما يكون قد حصل أني تمنيت بعض الفرص التي لم أحصل عليها وحصل عليها غيري، لكني لم أحسد أحدًا أو أتظلم لأحد، لأنني من ناحية أعتقد أن الفرص متاحة للجميع طالما أنك تعمل بجد ومسؤولية، والفرصة التي لم تنلها الآن ستنال غيرها لاحقاً، ومن ناحية أؤمن أن فلان بحصوله على هذه الفرصة ربما يكون قد استحقها أكثر مني وعمل لأجلها أكثر مني، وسأنال بدوري ما عملت لأجله آجلاً أم عاجلاً.
انشغال نجوى قاسم بالعمل وعشقها له لم يشغلها عن الاهتمام بحياتها الخاصة وبالجانب الاجتماعي من شخصيتها. لكن عدم زواجها للان وهي الجميلة في مجتمع يمكن وصفه بالمزواج دفعنا للسؤال عن عدم زواجها حتى الان وان كان سببه انشغالها المتواصل بالعمل التلفزيوني ام لعدم توفر شروط معينة تامل توفرها في زوج المستقبل؟ وماهي؟ ام ان فكرة الزواج لم يحن وقتها جديا بعد لديها؟
تقول: بالنسبة إلي الزواج هو بالدرجة الأولى إيجاد شريك ورفيق درب حقيقي وفعلي وليس مجرد إيجاد رجل والزواج به فقط، وربما عدم لقائي حتى الآن بشخص مثل هذه المواصفات هو سبب رئيسي لعدم الزواج حتى الآن.
حياتي المهنية لم تدفعني في أي وقت من الأوقات الى إهمال حياتي الشخصية. لقد خصصت دائمًا الوقت اللازم لحياتي الشخصية. ولكن ربما يمكنني القول إن عددًا من الخطوات المهنية التي قمت بها في حياتي كان يمكن ألا تحصل لو كنت متزوجة أو مرتبطة، بمعنى أنني لو كنت متزوجة وأمًا مثلاً لم أكن لأذهب الى مواقع خطرة، أو لو كنت متزوجة وعمل زوجي يحتم عليه البقاء في لبنان لما استطعت الانتقال الى العربية، ربما لا أدري، ولكن في الكثير من قراراتي المهنية كنت اشعر بالحرية تجاه تحركاتي لأنني لم أكن مرتبطة وربما في بعض الأحيان كانت هناك فرص زواج تتطلب تضحيات معينة على الصعيد المهني، لم أجد في حينها أنها بالنسبة إلي توازي أهمية وحجم هذه التضحيات.
لكن قلبي وحياتي ليسا مقفلين أبداً بل على العكس أنا من النوع العاطفي والعائلي أحب الحياة المنزلية وفي الكثير من الأحيان أفضلها على كل اشكال الحياة العامة مهما كانت مغرية. والسعادة العاطفية والعائلية تمنحني دائماً طاقة أكبر ولكن هذه هي القسمة والنصيب ربما حتى الآن.
اهتمامها بالاخبار ومطاردة الاحداث الساخنة خارج الاستوديو وقد اشتهرت بها جعلنا نشبهها بكريستيان أمان بور كبيرة مراسلي تلفزيون سي ان ان الاميركي. لكنا سالنها، وقد اختارت مؤخرًا العمل داخل الاستوديو في برنامج (نهاية الاسبوع) ان كانت اقرب لأوبرا وينفري ام لامان بور؟ كريستيان أمانبور وأوبرا وينفري نموذجان يحتذى بهما. تابعت تغطيات أمانبور في معظمها وأحرص على متابعة برنامج أوبرا كلما استطعت. ليس بسبب الإعجاب بهما فقط بل بدافع التعلم من هذه التجارب الكبرى. ربما في بعض الأحيان هناك من لقبني بكريستيان أمانبور العرب، وقد أسعدني ذلك رغم أنني أعلم أن تجاربنا في العالم العربي ولو أنها وضعت نفسها على خريطة الإعلام بشكل عام إلا أنها لم تصل بعد الى مستوى التجارب العالمية الكبرى. وسأقول لك سرًا، أراقب الكثير من المواضيع التي تطرحها أوبرا وطريقة المعالجة خاصة من الناحية التقنية والتلفزيونية لكي أجد إمكانية ما للاستفادة منها في برنامجي الحالي نهاية الأسبوع لعل وعسى. اخيرًا ونحن نودع العام سألنا نجوى عما ربحته وماخسرته في العام الماضي وهي تلقي نظرة اخيرة عليه..
في الواقع اعتبره عامًا صعبًا إلى حد ما خاصة في أشهره الأولى. مع اقتراب نهايته كنت أشعر أني أتنفس الصعداء. بدأ العام الماضي بالنسبة إلي بخسارة صديق عزيز جدًا على قلبي بشكل مفاجئ، ثم أصبت بحالة مرضية أجبرتني على البقاء في المستشفى أربعة أيام وأسبوعين في المنزل، وأنا قليلاً ما أمرض. إضافة الى بعض الخيبات والتوترات والضغوطات التي استمرت في الأشهر التالية.
لكن نهاية العام كانت أفضل من بداياته لذلك أنا متفائلة خيرًا بالعام الجديد إنشاء الله، وأهم ما ربحته في هذا العام هو الانطلاق ببرنامج نهاية الأسبوع الذي أحبه فعلاً وأعتز به وأتمنى أن يمضي كما أشتهي وكما نحاول، فريق البرنامج وأنا، جاهدين فعلاً للوصول إليه.