حرية – (30/5/2022)
تعددت القصص حول أنفه المكسور وزيارة الملك تحتمس الرابع كانت سر خروجه للنور
تؤكد أبحاث جيولوجية أن تمثال أبو الهول يعود إلى 5 آلاف سنة قبل الميلاد على الأقل
أساطير وروايات عدة نسجت حول تمثال “أبو الهول” الواقع في منطقة الأهرامات بالجيزة غرب العاصمة المصرية القاهرة، على مدار تاريخه الممتد لما يقارب 4 آلاف عام. آخرها ما تداول من صور وفيديوهات تظهر التمثال، وهو مغمض العينين على غير عادته المعروفة منذ آلاف السنين، مما أثار ضجة في مواقع التواصل الاجتماعي في مصر.
من هو أبو الهول؟
“حور أم أخت” أو “حورس الصقر” هو الاسم الذي عُرف به أبو الهول بين المصريين القدماء، وهو تمثال منحوت من الحجر موجود بالقرب من الهرم الأكبر، آخر ما تبقى من عجائب الدنيا السبع، ويجسد مخلوقاً أسطورياً برأس إنسان وجسد أسد، في إشارة إلى قوة وسلطة الفراعنة في تلك الفترة.
وترجح الدراسات الأثرية أن التمثال الشهير كان مُغطى بطبقة من الجص الملون، وتشير لذلك الألوان الأصلية التي لا تزال ظاهرة إلى جانب إحدى أذنيه. أما تاريخ نحته فيعود بحسب الدلائل التاريخية إلى عهد الملك خفرع صاحب ثاني أكبر الأهرام الثلاثة في الفترة بين عام 2532 إلى عام 2525 قبل الميلاد، وهو ثالث أو رابع فراعنة الأسرة الرابعة في الدولة القديمة، ونجل خوفو صاحب الهرم الأكبر.
ويعد أبو الهول أحد أضخم وأبرز التماثيل في العالم، ويصل طوله حتى 73.5 متر، أما عرضه فيبلغ 19.3 متر، في حين يبلغ طول الأرجل الأمامية حول 15 متراً، ويصل ارتفاع أبو الهول من سطح الأرض حتى قمة رأسه ما يقارب 20 متراً.
تحتمس ولوحة الحلم
وارتبط عديد من الروايات والأساطير بالتمثال الشهير، فوفق كتاب “أبو الهول تاريخه في ضوء الكشوف الحديثة” لعالم الآثار المصري سليم حسن، كان حلم أثناء النوم بين قدمي تمثال “أبو الهول سبباً في تولي الملك تحتمس الرابع مقاليد الحكم، على الرغم من أنه لم يكن يملك الحق الشرعي في السلطة. وتحتمس الرابع هو الملك الثامن في الأسرة الثامنة عشرة قد حكم من الفترة 1401 إلى 1391 قبل الميلاد، أي بعد نحو ألف عام من تاريخ بناء تمثال أبو الهول.
ويسرد الكتاب أن زيارة الملك تحتمس الرابع منطقة الأهرامات، لولعه الشديد بركوب الخيل، كانت كلمة السر وراء الكشف عن بقية تمثال أبو الهول. وأثناء الرحلة، توجه تحتمس الرابع إلى رأس تمثال أبو الهول لينال قسطاً من الراحة، وحينها كان رأس التمثال هو الجزء الوحيد الظاهر منه.
ترجح الدراسات الأثرية أن أبو الهول كان مُغطى بطبقة من الجص الملون
بعدها أعلن تحتمس الرابع أن أبو الهول جاءه في المنام يطلب منه إزالة الرمال عن بقية جسده، ووعده بأن يصبح ملكاً على مصر حال تنفيذ هذا الأمر، ليتولى بعدها مقاليد الحكم.
وتوثيقاً لقصته التي أطلق عليها الأثريون “قصة الحلم”، دونها تحتمس الرابع على لوحة كان نصها “خرجت للصيد في هضبة الأهرامات، وكان يوماً شديد الحرارة، وتوجهت إلى أبو الهول لأحتمي بظله من الشمس، وخاطبني أبو الهول شاكياً من الرمال التي تخنقه وطلب الاعتناء به”.
وجرى العثور على هذه اللوحة المثبتة بين قدمي التمثال عام 1817 في حالة سيئة، لتعرضها لتآكل بفعل الأمطار في منطقة الأهرامات.
من كسر أنفه؟
من بين أبرز الأساطير حول أبو الهول وأكثرها انتشاراً ما تردد حول كسر أنفه، إذ يعتقد أن أبو الهول كانت لديه أنف طويلة يبلغ عرضها نحو متر، لكنه فقدها، وتزعم الأساطير بأن الحملة الفرنسية هي السبب في فقدان الأنف، عند دخولها لمصر عام 1798، وظهرت في ما بعد صور في كتاب “الرحلة إلى مصر والنوبة” للمستكشف الدنماركي فريدريك لويس نوردين (1708- 1742) قبل الحملة الفرنسية، تظهر أبو الهول بلا أنف.
بينما اتهم المؤرخ تقي الدين المقريزي، شخصاً يدعى “صائم الدهر” بكسر أنف أبو الهول، لأنه كان يرفض حالة التقديس والاهتمام التي يكنها المصريون للتمثال، وذلك في القرن الخامس عشر الميلادي.
كما ذكر الباحث في مجال الآثار محمود حجاج أن رحالة مقدسياً ذكر في كتاباته خلال القرن العاشر الميلادي أن أبو الهول كان بلا أنف. وذهبت توقعات أخرى إلى احتمال سقوط الأنف بسبب عوامل التعرية والأمطار، أو نتيجة ضعف الأنف وكسرها نتيجة ممارسة رياضة الرماية بالقرب منه أثناء حكم المصريين القدماء.
غرفة سرية
ومن بين الأساطير أيضاً، أن تمثال أبو الهول شيد ليكون حارساً لهرمي خوفو وخفرع، باعتباره رمز الإله رع، وأنه يحتفظ بمدينة مفقودة أسفل قدميه.
وفي أبريل (نيسان) 2019، وبعد حفر على عمق 32 متراً، أكدت أعمال الترميم الحديثة بوزارة الآثار المصرية، عدم وجود أي غرف سرية أو مدن أسفل التمثال، مع وجود 4 أنفاق فقط. النفق الأول حفرة صنعها المهندس الفرنسي بيرنج في القرن الـ20، والنفق الثاني شمال شرقي التمثال، والثالث خلف لوحة الحلم، والنفق الرابع في نهاية التمثال بعمق 15 متراً.
وروج بعض الباحثين إلى أن العالم الجيولوجي الأميركي “روبرت شوك”، من جامعة بوسطن، اكتشف وجود غرفة تحت أقدام التمثال، وذلك على عمق تراوح بين 9 و12 متراً تحت الذراع الأيسر، وعند معرفة السلطات المصرية بالواقعة أمرت بتوقف البحث وإبعادهما من المكان، خوفاً من وجود وثائق تاريخية خاصة بالحضارة الفرعونية، بحسب ما نقلت صحف محلية عن هاجر علي، الباحثة في الآثار المصرية.
ويقول الباحثون إن الغرفة السرية تحتوي على وثائق لحضارات مختلفة شهدتها مصر قديماً، وأن أبو الهول حامل أسرار الحضارة المصرية، إلا أن وزير الآثار المصري السابق والعالم الشهير زاهي حواس نفى وجود مدينة وغرفة تحت أقدام أبو الهول، مشيراً إلى عدم وجود أي دليل علمي، وعند الدخول إلى مناطق الحفر والسراديب الموجودة في أبو الهول لم يتم الاستدلال على أي من هذه الادعاءات.
رأس أسد
عالم الجيولوجيا الأميركي روبرت شوك، أحد الذين يعتقدون أن عمر أبو الهول أكثر بكثير من العمر الذي يعتقده علماء المصريات التقليديون حالياً وهو 2500 عام قبل الميلاد، ويرفض القول إن الملك خفرع هو باني ذلك التمثال.
وأورد شوك عبر موقعه الرسمي دلائل ذلك الاعتقاد وهي العثور على عوامل تعرية في جسد أبو الهول لا يمكن أن تحدث إلا من طريق تساقط مياه الأمطار أو تدفق المياه، لكنه يشير إلى أن المنطقة التي يقبع فيها التمثال حالياً على حافة الصحراء كانت جافة للغاية خلال آخر 5 آلاف عام، متسائلاً عن مصدر تلك المياه.
من بين الأساطير أن تمثال أبو الهول شيّد ليكون حارساً لهرمي خوفو وخفرع
ويقول شوك إن الأبحاث الجيولوجية التي أجراها تشير إلى أن تمثال أبو الهول يعود إلى 5 آلاف سنة قبل الميلاد على الأقل، ما يعني بناءه قبل بداية عصر الأسرات. وخلصت أبحاث أخرى أجراها إلى أن نحت أبو الهول قد يكون حدث في نهاية العصر الجليدي الأخير أي قرابة 10 آلاف سنة قبل الميلاد، وهو الوقت الذي كان فيه المناخ مختلفاً بشكل كبير، ويحتوي على كثير من الأمطار التي يمكن أن تترك علامات عوامل التعرية الموجودة على التمثال حالياً.
واستدل على نظريته بالإشارة إلى أن رأس التمثال صغير للغاية مقارنة مع الجسم، ما يعني أن الرأس الحالي لم يكن هو الأصلي، ويعتقد أن رأس التمثال الأصلي تعرض لكثير من عوامل التعرية، التي طمست ملامحه، ما استدعى إعادة نحت الرأس لاحقاً، وبالتحديد خلال عصر الأسرات.