حرية – (9/6/2022)
رجحت دراسات تعرض الكائنات غير العاقلة للأمراض النفسية ما يطرح تساؤلاً حول إقدامها على إنهاء حياتها أسوة بالبشر
الحيوانات الأليفة أكثر عرضة للاكتئاب من البرية الطليقة، ويرجع ذلك إلى تدخل البشر في حياتها وتأثيرها في قوانين بيئتها. إذ تمتلك الحيوانات عواطف كالحزن والاكتئاب والسعادة والخوف كما البشر، وتتقلب فيها بحكم الظروف التي تمر بها.
ويمكن ملاحظة امتلاكها لقدر عال من المشاعر من خلال متابعة مواقفها، وهي تظهر عواطف الحزن مثلاً على فقدان أقرانها أو خوف الأم على أطفالها، وهو ما يعني أن تأثر هذه المشاعر ووقوعها عرضة للأمراض النفسية أمر وارد.
لكن الأمر لا يتجاوز التحاليل لسلوكيات ترجح التفسيرات أنها استجابة نفسية، ولكن لم يتم إثبات أو نفي إصابتها بأمراض نفسية لصعوبة إجراء التجارب على الحيوانات، بخاصة أن هذه التجارب تستوجب على الباحثين إجراءات متطرفة على الحالة لإجبارها على الانهيار.
الاكتئاب يحارب غريزة البقاء
ما يثير الحديث حول الحالة النفسية للحيوانات هي ظاهرة تم تداولها خلال الأسابيع الماضية على نطاق واسع بصفتها حالة انتحار طيور جماعية لأسباب مجهولة، قبل أن تأتي تفسيرات أخرى أكثر إحكاماً أوعزتها للضوضاء وشبكات الجيل الخامس.
إلا أن تفسير الانتحار لم يكن طارئاً، فبعض فصائل الطيور لديها نزعة انتحارية مثل الطيور الجارحة كالنسر الذي لا يقوى على مواصلة العيش عندما يبلغ أرذل العمر فيرمي نفسه من شاهق، كما تقول بعض الدراسات على الرغم من أن لا أدلة قاطعة عليها.
هذه الرواية تنافيها فكرة غريزة البقاء التي تملكها الحيوانات، إذ يتوجب على المنتحر أن يكون على دراية ومعرفة أن ما يقوم به سينهي حياته، وذلك يتنافى مع أسلوب تفكيرها غير الموقن لمفهوم الموت الذي يعيه الإنسان، إلا أنه لا ينفي فكرة إصابتها بمشكلات نفسية.
إذ يؤكد حمزة الغامدي، المتحدث الرسمي لجمعية رحمة للرفق بالحيوان في السعودية، أن تدخل البشر باقتناء الحيوانات الأليفة هو تدخل في قوانين الطبيعة التي اعتاد الحيوان على الحياة فيها، لذلك نجد الاكتئاب يكثر في فئة الحيوانات الأليفة كنسبة غالبة مقارنة مع الحيوانات البرية التي لا تطول بها فترة المعاناة فإما حياة قوية أو موت سريع”.
وأضاف “عندما يتم تدريب الحيوان على الارتباط بشخص واحد ذلك يضعف مهارات الارتباط بغيره، فحيوان مثل النمر يقطع مئات الكيلو مترات في الطبيعة، إذا وضعناه في قفص طوال عمره فمن المؤكد أن ذلك يؤثر فيه بطرق ندركها وطرق لا ندركها ولا يمكن قياسها، وقد لاحظ الباحثون أنه عند إطلاق هذه الحيوانات التي قضت فترة طويلة في الأسر إلى الطبيعة فإنها لا تصمد أمام منافسيها من أقرانها في غالب الأحوال، كذلك في طيور الببغاء التي تقوم بنتف الريش بشكل واضح خصوصاً في منطقة الصدر والرجلين والظهر، وغالباً ما تمارس ذلك السلوك عند حزنها وفقدان قرينها”، وهذا ما يمكن تفسيره على أنه سلوك ذو دوافع نفسية شبيه بالاكتئاب.
يشخص المرض النفسي والاكتئاب عند البشر بناء على قائمة من الأعراض تشمل الأعراض الأساسية الشائعة مثل التعبير عن الشعور بالذنب وأفكار الموت وفقدان المتعة، ونظراً لأن الحيوانات لا يمكنها التواصل، يذكر أوليفييه بيرتون، الأستاذ المساعد في علم الأعصاب بجامعة بنسلفانيا، علامات يمكن من خلالها أن يستدل على إصابة الحيوان بالاكتئاب، وهي “انعدام التلذذ وفقدان الاهتمام بالأنشطة الممتعة”، أيضاً يقاس بمدى الاهتمام بالطعام الذي تفضله، وبمراقبة طريقة تفاعلها اجتماعياً مع الحيوانات الأخرى في المجموعة، والتغيرات في أنماط النوم والأنشطة النهارية.
وهناك سلوك آخر بحسب بيرتون، يتم استخدامه بشكل متكرر لقياس اكتئاب الحيوانات وهو “ما إذا كانوا يستسلمون بسهولة عند تعرضهم لموقف مرهق”.
ليس انتحاراً بل فدائية
في مقال نشرته مجلة “Past and Present” في أغسطس (آب) 2014 تحت عنوان “الحيوان الانتحاري” قال الفيلسوف جان بيشلر الذي صادم فيه فكرة اتجاه الحيوانات نحو الانتحار قائلاً “لا يَفترض الانتحار وجوداً واعياً فحسب، بل إنه موجود أيضاً كإمكانات داخل كل كائن واع، ولهذا لا تنتحر الحيوانات ولا الأطفال الصغار ولا المرضى الذين دمرت قدراتهم العقلية”.
ويقول حمزة الغامدي تعليقاً على هذا “نعم يوجد في بعض الحيوانات والحشرات سلوك يسمى بالتدمير الذاتي وهو سلوك تضحية بالحياة، ولكن هذا يكون من أجل الدفاع عن الآخرين، مثل ما يحدث مع النحلة التي تقوم بمهاجمة المعتدين على خليتها وتضحي بنفسها وتموت عند لدغه، أو كما يوجد في بعض أنواع النمل الذي يفرز مادة سامة من جسمه تدمره وتدمر الحشرة المعتدية على بيته”، وهذا برأيه ليس انتحاراً فالغاية منه ليس إنهاء الحياة، بل الحفاظ على حياة الآخرين كغريزة سريعة تتحكم به دون تفكير ويمكن تفسيره بأنه عملية فدائية.
مفهوم الموت لدى الحيوانات
التساؤل حول ما إذا كانت الحيوانات فعلاً تمتلك المشاعر التي يمتلكها البشر، أو ما اذا كانت تفهم الموت بمفهومنا نحن، يجيب عليه الأخصائي النفسي فيصل الدسيماني “نعم الحيوانات قادرة على الشعور بمشاعر لكن هل مثل البشر؟ هذا إلى الآن غير واضح لنا، فعند البشر تتم بوظائف ونواقل عصبية محددة مثل (السيروتونين) وهو الهرمون المسؤول عن وظائف عدة كالتحكم بالمزاج والنوم، وكثير من الحيوانات تمتلك نفس النواقل العصبية التي يمتلكها البشر، ولكن يكون فيها اختلاف بسيط، فلا يتضح تماماً ما إذا كانت تشعر بالطريقة نفسها التي يشعر بها البشر”، ويضيف “ما يبدو للأخصائيين النفسيين أن الحيوانات تشعر بالاكتئاب والقلق فعلاً، هي في الغالب وظائف مهمة يمارسها للبقاء على قيد الحياة، حتى وإن لم يكن له وعي كاف يعبر عنه لغوياً كما نفعل نحن، لكنه قادر على الشعور بسبب وظائفه الدماغية”.
وينوه الدسيماني إلى أن هناك فروق بين العواطف والمشاعر العواطف في ردود الفعل الفسيولوجية التي تتم بشكل مباشر من وظائف الجسد، “البشر هم الكائنات الوحيدة القادرة على توريد المشاعر وتصديرها، لكن الحيوانات معرضة بشكل مستمر للعواطف مثل القلق والغضب والاستمتاع، هذه عواطف فسيولوجية لها وظائف مهمة لكي تبقى على قيد الحياة على عكس المشاعر التي تكون نتيجة معالجة ذهنية لهذه العواطف.