حرية – (15/6/2022)
قد لا يعرف البعض عن سلسلة هاري بوتر سوى القصص الشيقة، لكن وراء هذه الحكايات مأساة كبيرة للمؤلفة جي كي رولينج.
حين تحولت السيدة المُطلقة التي كانت تعيش على إعانة بطالة من الحكومة البريطانية، إلى واحدة من أثرى الأدباء حول العالم، وتعيش في قلعة اسكتلندية فاخرة بُنيت في القرن التاسع عشر.
حتى منتصف ثلاثينياتها تقريبًا لم يكن أحد ليعرفها على الإطلاق، ربما لن تلفت نظرك سوى بطريقة حديثها الإنجليزية الراقية وشعرها الأصفر الفاقع.
طوال عمرها، عرفت بتدني مستواها الدراسي في المدرسة والجامعة، ومرت بحياة لا يمكن وصفها بالمريحة بزواج غير سعيد وظروف مأساوية.
نفس هذه السيدة، تدور الأيام وتصبح أشهر روائية على الإطلاق خلال العشرين عاما الأخيرة، ورمزا نسائيا دائم الحضور في نماذج المرأة الناجحة، وصاحبة أشهر سلسلة روايات في العالم!
إنها جي كي رولينج مؤلفة سلسلة روايات هاري بوتر الشهيرة، والتي تحولت بفضل هذه السلسلة إلى مليارديرة، تقدر ثروتها بحوالي مليار دولار وفق منصة أراب فوند، بعد أن كانت تعيش حياتها من مصاريف أختها أثناء فترة طلاقها.
هوس بالقصص الخيالية
ولدت جوان في منتصف الستينات لأسرة متوسطة الحال، عاشت طفولتها بين القصص الخيالية واللعب مع الأرانب، كانت تقضي يومها في ممارسة القراءة وتربية الأرانب لشدة حبها لهذه الكائنات وارتباطها بقصص الأطفال الخيالية التي تجذبها.
كبرت الفتاة والتحقت بالمدرسة، وطوال فترة دراستها كانت تعرف بمستواها الضعيف، وعدم تركيزها في الصف الدراسي لشدة هوسها بالقصص الخيالية.
انتهت مرحلة المدرسة والتحقت جوان بالجامعة لكن شيئًا لم يتغير، ظل مستواها الدراسي متدنيًا، واستمرت في أسلوب حياتها من القراءة النهمة للكتب والقصص الخيالية، مع بعض المحاولات لتأليف بعض القصص السريعة، لكنها ظلت حبيسة الأدراج، تكتب لتكون هي الكاتب والقارئ الوحيد.
ضربات متتالية واكتئاب
بعد تخرجها من الجامعة عملت جوان كسكرتيرة، فالقراءة النهمة للقصص والروايات جعلتها تتقن نطق اللغة الإنجليزية الأصلية، فضلًا عن إتقانها اللغة الفرنسية، وأسلوب كتابتها الرائع لاهتمامها البالغ بالتراكيب اللغوية والمصطلحات والتعابير.
استمرت في هذا العمل إلى أن سافرت لفرنسا ثم البرتغال، لتعمل كمدرسة للغة الإنجليزية، وهناك في البرتغال تزوجت وأنجبت طفلة، لكن الأمور لم تمض بسلام مع زوجها، كثرت المشاكل والخلافات إلى أنها اضطرت في نهاية الأمر إلى اللجوء للسفارة البريطانية، طلبًا للحماية منها وطلبًا للعودة إلى بريطانيا.
بعد عودتها إلى بريطانيا بأيام قليلة توفت والدتها، لتدخل جوان في نوبة اكتئاب شديدة، لكنها تجاوزت هذه المرحلة بالبقاء مع أختها التي ساعدتها على تخطي هذا الحزن والألم.
الفكرة في القطار؟
عادت جوان مجددا لكتابة القصص لتجاوز حزنها على فقدان والدتها، كانت تكتب بغزارة ثم تلقي بكتابتها في درج المكتب، أو القمامة أيهما أقرب.
وفي إحدى المرات وهي في القطار عائدة إلى المنزل خطر في ذهنها كتابة قصة عن مغامرات خيالية لصبي يعيش في عالم سحري، وبدأت جوان العمل على هذه الرواية والكتابة بلا توقف.
كانت جوان حينها في الثلاثين من عمرها وبلا وظيفة، كانت تعيش على نفقة الحكومة، كانت تقضي كل دقيقة في يومها في كتابة هذه الرواية، في المنزل وفي المقهى وفي كل مكان.
إلى أن انتهت من كتابتها وذهبت بها إلى إحدى دور النشر التي رفضتها بدون تفكير، ووصفتها برواية سخيفة لن يهتم بها أحد.
استمرت جوان في البحث عن دار نشر تقبل بنشر روايتها، 12 دور نشر جميعهم رفضوا نشر الرواية ووصفوها برواية طويلة مملة وسخيفة، إلى أن ذهبت إلى دار نشر صغيرة وافقت على نشر الرواية.
والسبب أن ابنة مالك الدار، الطفلة ذات الثماني سنوات، قرأت قصة رولينغ وأعجبتها للغاية، وألحّت على والدها، ووافق على مضض.
اشترط صاحب دار النشر على جوان اختصار اسمها، لأنه على حد قوله أن القراء يكرهون قراءة كتاب للأطفال بقلم امرأة، ووافقت جوان لرغبتها الشديدة في نشر الرواية، وفعلا تم نشرها باسم جي كي رولينج.
الطفلة المعجزة
كانت هذه القصة التي ألفتها جي كي رولينج في القطار، هو أول جزء من رواية “هاري بوتر” بعنوان “هاري بوتر وحجر الفيلسوف” التي ظهرت للمرة الأولى في العام 1997، ونشر منها 1000 نسخة فقط مقابل أجر زهيد لم يتجاوز الـ 1500 جنيه إسترليني حصلت عليه المؤلفة الشابة.
بعكس ما هو متوقع، لاقت الرواية نجاحا هائلا بمجرد نشرها، وكانت العدد الأول لسلسلة هاري بوتر الشهيرة، وتوالت الأجزاء جزء تلو الآخر، لتتحول الى ظاهرة أدبية في أدب الخيال العلمي الإنجليزي، على مدار العشرة سنوات الأولى من الألفية.
لاحقا، بيعت حقوق الروايات الى شركات الإنتاج السينمائي، لتتحول رواياتها إلى سلسلة أفلام هاري بوتر التي حققت أرباحا ضخمة، رفعت من ثروتها إلى مليار دولار.
المُطلقة أصبحت مليارديرة
حاليا، تحولت السيدة المُطلقة التي كانت تعيش على إعانة بطالة من الحكومة البريطانية، إلى واحدة من أثرى الأدباء حول العالم، وتعيش في قلعة أسكتلندية فاخرة بُنيت في القرن التاسع عشر، وتزيد مبيعات كتبها عن الـ 500 مليون دولار مترجمة بكل لغات العالم بما فيها العربية، ومكاسب سنوية بمتوسط 100 مليون دولار بحسب فوربس.
وتعتبر هي حتى الآن الكاتبة الأعلى أجرًا في العالم.