حرية – (21/6/2022)
موناليزا بالقشدة” و”روبل ملطخ بالدم” وقطع الطرق والالتصاق بالأسفلت و”خياطة الفم”
في بعض الأحيان تبدو رسائل نشطاء البيئة مرتبكة ومتناقضة
“ما ذنب الموناليزا”، تساؤل ساخر أعقب الحادثة التي كان بطلها أحد نشطاء المناخ وحماية الأرض، حينما لطخ اللوحة الأشهر لليوناردو دافنشي، التي تتصدر جدار متحف اللوفر بفرنسا.
الرجل الذي تنكر في زي سيدة عجوز قعيدة، دعا رجال الأمن، الذين أبعدوه عن اللوحة المحمية بزجاج مضاد للرصاص وفي بيئة ملائمة لتحافظ على رونقها، إلى التفكير في مصير الأرض التي تتعرض لدمار، فهل فكر هو بأن تلويث الأسطح بالكريمة المخفوقة يهدر الطعام ويزيد من عبء النفايات معاً؟
من حق الجميع أن يعبر بالطريقة التي يريدها عن القضية التي يتفانى في الدفاع عنها، وقضية المناخ بالتحديد تهم كل الكائنات الحية، لكن في بعض الأحيان تبدو الرسائل مرتبكة ومتناقضة، هل نحن نحمي البيئة وننبه لأخطار زيادة التلوث؟ أم نرمي ببقايا الأطعمة على إرث فني ملك للإنسانية يعود للقرن السادس عشر؟
يؤمن النشطاء في قضايا البيئة والمحذرين من التغيرات المناخية، على ما يبدو، بأن “الغرابة” هي الوسيلة المثلى للفت الأنظار لمدى خطورة ما يحدث لكوكب الأرض.
الاستعراض قبل التوعية
لا شك أن أزمة التغيرات المناخية أمر لم يعد يدخل في بند الرفاهية أبداً، والتوعية بها مسؤولية وواجب، فما نلمسه بأنفسنا من تقلبات الطقس وتحوله يبدو خطيراً، فلم تعد التأثيرات مرهونة بحقبة زمنية تتبدل خلالها الأحوال، لكن في كل عام نشهد تغييرات لم تكن متوقعة، ونحاول التكيف معها بصعوبة بالغة، بالتالي فإن قضايا البيئة يجب أن تكون الشغل الشاغل لجميع الفئات في الوقت الحالي، حيث تعطي لها المنظمات الدولية اهتماماً خاصاً وبينها الـ”يونيسف” التابعة للأمم المتحدة، وبحسب ما جاء على موقعها الرسمي، “نحن ملتزمون مساعدة اليافعين على القيام بعمل لحماية مستقبل الكوكب، ونقوم بذلك من خلال رفع أصوات الشباب بشأن أزمة المناخ، وزيادة مشاركة الشباب في التصدي لتغير المناخ”.
وتستعرض المؤسسة أنشطة وخطابات المراهقين والشباب الصغار في هذا المضمار، وتولي لأفكارهم وآرائهم كل تقدير، لأنهم يرون أنهم الجيل المنوط به استعمال صوته وجهده لمحاولة التصدي لما يجري على هذا الكوكب، لكن على جانب آخر نرى أن هناك جماعات كثيرة يتفنن أفرادها في استعراض التصرفات غير المألوفة للتنبيه بأزمة التغيرات المناخية، حيث إن الأمر لا يقتصر على مجرد تظاهرات أو لافتات احتجاجية أو الانخراط في أنشطة محددة للتوعية أو الإسهام بشكل فعال في الامتناع عن استخدام المواد الضارة، لكن هناك نهج من “الغرابة” يرتبط دوماً بنشطاء البيئة.
القس تيم هيوز أقدم العام الماضي على خياطة شفتيه كوسيلة يائسة لإعلان اعتراضه على الطريقة التي تعمل بها وسائل الإعلام الكبرى في العالم، التي تخضع لسيطرة قطب الإعلام البارز روبرت ماردوخ، في ما يتعلق بتناول أزمات المناخ، لافتاً إلى أن هناك قمعاً حقيقياً في المنافذ الإعلامية المسيطرة لأي شيء يتعلق بالتنبيه لمشكلة التغيرات المناخية.
تصرف هيوز، الذي جاء وسط العاصمة الإنجليزية لندن، أثار الدهشة والحيرة، حيث انخرط الرجل السبعيني في أنشطة كثيرة لحث الناس على الاهتمام بتلك القضية، فقبل عامين لصق جسده بالأثاث المكتبي في إحدى المحاكم للفت الانتباه لحركة “تمرد ضد الانقراض” المعنية بالتغيرات المناخية وحاول إيصال صوته للمعنيين، وعلى أثر ذلك تم حبسه لمدة 14 يوماً.
صابر عثمان، رئيس مجلس أمناء مؤسسة مناخ أرضنا للتنمية المستدامة، يرى أن بعض تلك التصرفات تبدو غير مفهومة حتى للمهتمين بأزمة التغيرات المناخية، مضيفاً أن بعضها يبدو وكأنه مجرد “استعراض”، لافتاً إلى أن هناك منصات كثيرة عبر الإنترنت تبرز اهتمامها الحقيقي بقضايا المناخ بطرق مرحة وتزيد من الوعي في الوقت نفسه، حيث يقومون مثلاً بإحصائية لإعطاء جائزة لأكثر مصدر للتلوث في العالم، بشكل يومي، وهي بالطبع جائزة ساخرة للتعريف بما يجري على الأرض.
وأشار عثمان إلى أن الوعي بقضايا المناخ ومخاطر الملوثات بشكل عام مرتفع في دول أوروبا عنه في قارات أخرى مثل الأميركتين وآسيا، لافتاً إلى أن نشطاء البيئة هناك لديهم فرصة حقيقية في التغيير بخلاف المسيرات أو طرق الاحتجاجات المتطرفة، وهي “الصندوق الانتخابي”، فبإمكانهم دعم المرشحين الذين يهتمون بتلك القضايا ويعملون على ملفها بفاعلية، بخاصة أن الدول المتقدمة هي الأكثر تلويثاً للمناخ في العالم بسبب أسطولها الصناعي الضخم ومخلفاته.
وقال إن “التأثيرات واضحة بصورة أكبر في الدول الأوروبية وأميركا، لكن في مصر أيضاً، التي تستضيف قمة المناخ “كوب 27″ في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، هناك تغييرات كبيرة أثرت بشكل سلبي على بعض المحاصيل خلال السنوات الأخيرة، فالمزارعون هم الأكثر مشاهدة لتلك المؤثرات، التي تضرب محاصيلهم بين وقت وآخر”.
يبدو أن “الغرابة” هي الوسيلة المثلى للفت الأنظار لخطورة ما يحدث للأرض
تصرفات يائسة؟
قد يكون اليأس محركاً أساسيا لما يقوم به نشطاء البيئة، خصوصاً أنه لا يزال هناك من يعتبر أن هذا نشاط غير ضروري، على الرغم من كونه مؤثراً مباشراً على حياة البشر، ويسبب مشكلات لا يمكن إصلاحها، ولكن في سبيل ذلك لماذا يبادر البعض بإيذاء أنفهسم؟ في حين أن الهدف هو أن ينعم سكان كوكب الأرض بحياة أكثر سلاماً وبأقل قدر من الأضرار، فقد تم اعتقال العشرات العام الماضي بعد أن قام عدد من متظاهري المناخ بلصق أنفسهم على أسفلت الطرقات في إنجلترا وتعطيل حركة المرور بهدف إيصال أصواتهم للحكومة لتعزل المنازل بشكل فعال للحد من تأثيرات الكربون.
وكانت جماعات مشابهة قد عطلت شوارع عدة وطرقاً رئيسة في لندن قبل ثلاثة أعوام، وخربت واجهات شركات الطاقة، وعطلت حركة القطارات، في ما يشبه العصيان المدني، للفت الانتباه إلى خطابها الذي يؤكدون أنه مدعوم من كثير من علماء المناخ.
كذلك أغلق نشطاء ينتمون إلى نحو 25 منظمة مهتمة بالبيئة الطرق السريعة في الولايات المتحدة الأميركية، رافعين شعار “أغلقوا واشنطن”، وذلك في خريف 2019 للتنبيه بمشكلة الاحتباس الحراري، وصرحوا حينها بأن إغلاق الطرق هو وسيلة فعالة للغاية للالتفات إلى مطالبهم، حيث حاولوا الضغط على الحكومات للإسهام بشكل فعال في أزمة الانبعاثات الكربونية، على أثر قمة الأمم المتحدة للمناخ التي شاركت بها 60 دولة في مدينة نيويورك.
وفي حين تصف الحكومة الألمانية بشكل دائم، تلك التصرفات بالخاطئة وغير المجدية، وليست مبررة إطلاقاً، استمرت تصرفات نشطاء البيئة أيضاً في إعاقة حركة المرور، حيث افترش كثيرون منهم في فبراير (شباط) الماضي الأسفلت، وقطعوا الطرق المؤدية لمطارات ألمانيا الكبرى، احتجاجاً على هدر الطعام الصالح للأكل بكميات هائلة، وهو أمر يؤثر سلباً على جودة المناخ.
عملات ملطخة وإضراب عن التعليم
تتصاعد في ألمانيا الأزمة بين الجهات الرسمية والنشطاء، وهو الأمر الذي زاد أخيراً بسبب تأثير الحرب الروسية – الأوكرانية، فترفض ألمانيا فرض أي قيود على استيراد الغاز والنفط الروسيين، خوفاً من تعرضها لمشكلات اقتصادية، فيما تواجه موجة احتجاجية للتوقف الفوري عن استيراد مصادر الطاقة، وأيضاً ضد شركات الوقود الأحفوري.
في أبريل الماضي، نظم نشطاء مسيرات رفعوا خلالها العملة الروسية ملطخة بالأحمر، كرمز للدماء، مؤكدين أن تلك العملة تمول أنشطة تغيير المناخ، وكذلك تدمير أوكرانيا بحسب رأيهم، وفي الفترة نفسها تعرض العشرات من نشطاء البيئة في بريطانيا لاعتقالات بسبب انخراطهم في أنشطة مشابهة، حيث أغلقوا الكباري في لندن احتجاجاً على نشاط شركات الوقود، حيث سببت تظاهراتهم انقساماً حاداً بين حزبي العمال والمحافظين.
وينشط كثير من المشاهير في المسيرات التي تحذر من أخطار التغيرات المناخية والاحتباس الحراري، بينهم إدريس إلبا وليوناردو دي كابريو وخواكين فينكيس، ومنهم من اعتقل أيضاً في تلك التظاهرات، كذلك دخلت الطفلة السويدية غريتا ثانبيرغ في اعتصامات وأنشطة تتعلق بتأثيرات التغيرات المناخية وأخطارها على الأجيال الجديدة، وألقت خطاباً بهذا الشأن في البرلمان الأوروبي قبل ثلاثة أعوام، ولا تزال تنظم إضراباً مدرسياً بشكل دوري للهدف نفسه.
والإضراب المدرسي يبدو أيضاً طريقة غير مفهومة علاقتها المباشرة بالقضية، بحسب ما يشير الأستاذ صابر عثمان رئيس مجلس أمناء مؤسسة مناخ أرضنا للتنمية المستدامة، الذي يرى إلى أن الوعي بقضايا المناخ من الجيد أن يكون حاضراً في أذهان الجيل الصاعد، بخاصة أنهم الأكثر تأثراً بالتحولات غير السارة في البيئة، لكنه شدد كذلك على أن تكون طرق التعبير لا تضر بمستقبل هؤلاء الأطفال.