حرية – (21/6/2022)
رغــد زيـــد
الاقتصاد البنفسجي هو تحالف بين الاقتصاد والثقافة، لإضفاء الطابع الإنساني على العولمة للتوفيق بين التنمية الاقتصادية والاستدامة. و يعد مجال واعد بكونه نموذجا قائما على التنمية الثقافية للخروج من الأزمات الاقتصادية، وتوجيه الاقتصاد المستقبلي، وكذلك تجديد الأنشطة الإنتاجية , إن مساهمة الاقتصاد البنفسجي في خلق البيئة الثقافية المتنوعة الثرية يجعلها محور الارتكاز في تحقيق غايات التقدم والرفاه ويعتبر مجال اقتصادي يسهم في التنمية المستدامة من خلال تثمين العائد الثقافي للسلع والخدمات ويمثل أحد الفروع الحديثة لعلم الاقتصاد والتي تُعنى بإضفاء الطابع الإنساني على العولمة و استخدام الثقافة للتوفيق بين التنمية الإقتصادية و ابعاد التنمية المستدامة .
إن نشأة الاقتصاد البنفسجي النابعة من أهمية الموروث والبعد الثقافي في المجتمعات مرتبطة بمجموعة من العوامل التي تعزز نمو هذا النوع من الاقتصاد أو تساعد في توازن العوامل المرتبطة به والتي تشمل التوازن الاقتصادي والسياسي للبلدان، والتركيز على المجتمعات، وتعزيز الجودة، وتعزيز الابتكار الذي يساهم في الجمع بين المتطلبات المختلفة وتنمية المواهب.
ومن حيث المبدأ، فإن الاقتصاد البنفسجي يأتي ترسيخا لموضوع المسؤولية الاجتماعية للشركات التي تستمد جذورها من الميثاق الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الذي اعتمدته الأمم المتحدة في عام 1966, وقد ظهر هذا المصطلح أول مرة فـــي فرنســــا في العام 2011 في الوثيقة التي تم نشرها في صحيفة لوموند الفرنسية Le Monde من قبل المنظمين لأول منتدى دولي حول الاقتصاد البنفسجي برعاية كل من منظمة اليونيسكو والبرلمان الأوروبي والمفوضية الأوروبية. ثم نشرت أوّل مجموعة عمل مشترك بين المؤسسات استنتاجاتها حول الاقتصاد البنفسجي في عام 2013 بقيادة اليونيسكو ومنظمات أخرى.
وقد تميز التقرير بإشارته إلى الأعمال البنفسجية والمهن البنفسجية :-
• الأعمال البنفسجية purple jobs ترتبط مباشرة من حيث الغاية بالمحيط الثقافي (مثل مخطط تطوير، أو تحويل منزل قديم إلى متحف، أو منح الجوائز والأوسمة المتعلقة بالثقافة للمؤسسات التي تساهم في تطوير الجانب الثقافي) وتعني دعم كل منشأة أو عمل اجتماعي يهتم برعاية الثقافة ويُحوّلها إلى موردٍ داعم للاقتصاد، مثل إنشاء المتاحف، وإقامة المعارض الداعمة للجانب الثقافي المجتمعي.
• المهن البنفسجية purple professions هي المهن التي تتكيف مع الثقافة (مثل وظائف المصادر البشرية أو وظائف التسويق والاتصال) وتُعرّف بأنها كل مهنة قادرة على التكيف مع الثقافة الاجتماعية السائدة في المجتمع؛ كتشجيع عودة انتشار الصناعات التراثية القديمة , لتُشكّل داعمًا يدعمُ القطاع الاقتصادي.
وهنا يتضح أن الاقتصاد البنفسجي يرتبط بشكل كبير بقيم وثقافة المجتمع، مما يضبط استجابة الإنسان ويضمن تفاعله الإيجابي وبذلك تكون الثقافة أحد المحاور المساعدة في تطوير الاقتصاد.
مجموعة ألوان الدلالة لفروع الاقتصاد البنفسجي مقسمة إلى سبعة ألوان وهي :-
- الأسود للاقتصاد الخفي المتعلق بالتهريب والجرائم .
- الأبيض أو الرقمي المتعلق بتكنولوجيا المعلومات والاتصال.
- الأخضر الذي يركز على البيئة لتحقيق التنمية المستدامة من خلال تحسين نوعية الحياة وتحقيق العدالة والمساواة الاجتماعية.
- الأزرق المتعلق بالاستفادة من مخلفات الإنتاج والاستهلاك .
- البني المتعلق بالصناعات المدمرة والملوثة للبيئة، والاقتصاد الرمادي أو غير الرسمي الذي لا يُسجل ولا تشمله الإحصاءات والبيانات المركزية ولا يخضع للضرائب ونظام التأمين الاجتماعي، والاقتصاد .
- الأحمر المتعلق بالاقتصاد المركزي الاشتراكي في زمن الشيوعية.
- الفضي المتعلق بكبار السن حيث أن اللون الفضي يرمز للشيب.
الاقتصاد البنفسجي (Purple Economy) هو أحد المكونات الثلاثة للاقتصاد المستديم وهي الاقتصاد الاجتماعي والبيئي والبنفسجي. فالاقتصاد البيئي (الاقتصاد الأخضر) والاجتماعي يتضح من تسميتها مجال اهتمام كل منهما، فالأول في قضايا البيئة والثاني في قضايا المجتمع. أما الاقتصاد البنفسجي فهو مجال اقتصادي يسهم في التنمية المستدامة من خلال زيادة الاعتبار وتثمين العائد الثقافي للسلع والخدمات و يراعي ويركز على البعد الثقافي وهو مختلف عن “اقتصاد الثقافة” الذي يعتبر قطــاعا بحد ذاته.
و يحيل إلى إعطاء الاعتبار للجانب الثقافي للاقتصاد و يتكيف مع التنوع الإنساني في نطاق العولمة مستندا في ذلك على البعد الثقافي لتثمين السلع والخدمات”. إنّ هذين الاتجاهين العمودي والأفقي يكمّل بعضهما البعض.
ففي واقع الأمر، فإنّ تزايد أهمية البعد الثقافي المتعلق بالمنتجات يرتبط بالحيوية الثقافية للأقاليم , وهو ذو طبيعة شمولية من حيث كونه يثمن كل السلع والخدمات مهما كانت قطاعاتها وذلك استنادا على البعد الثقافي.
و يعدّ هذا الاقتصاد علمًا قابلًا للتطوّر، والتأقلم مع كافة المتغيّرات، ومساهمًا مباشرًا في ازدهار المجتمعات؛ ولهذا يُصنّف نجاح الدول وفق معدّل النمو الاقتصادي، ومعيار التنمية الاقتصادية فيها، كما أن علم الاقتصاد قادر على التكامل مع جميع العلوم، ومجالات المعرفة الإنسانية، فنجدُ أنهُ يحتوي في طياته على أجزاء من كل علم أو مجال فكري، ومن هذا المنطلق تظهر كل فترةٍ مفاهيم اقتصادية حديثة، لم تكن معروفة في السابق، ولم تُذكر في دراسات المدارس الاقتصادية الكلاسيكية، ولكن ساهم ظهورها في زيادة امتداد فروع الاقتصاد وتنوّعها، وغالبًا تنتجُ عن الاهتمام بمُعضلات أو قضايا معينة، ومن أحدثها نسبيًا ما يُعرف باسم الاقتصاد البنفسجي.
و شهد العالم خلال العقود الثلاثة الماضية تطورات متلاحقة في المجالات السياسية والعلمية والتكنولوجية والثقافية والبيئية والاجتماعية .. الخ ، حتى أضحت هذه المجالات تتداخل فيما بينها تداخلا كبيرا ، و كانت لها انعكاسات واضحة على مسرح الإقتصاد العالمي و على مستقبل التنمية الإقتصادية المستدامة .
وفى ظل تسارع خطى العولمة و اتساعها دخل الإقتصاد العالمي مرحلة جديدة ، مرحلة تقوم على المعارف و التكنولوجيا و المعرفة العلمية ( الإقتصاد المعرفي )، مرحلة تحقق فيه المعارف و التقنيات قيمة مضافة من خلال الإبداع و التكنولوجيا، و قد حدث كل ذلك بشكل سريع و كبير جدا.
ومن حيث المبدأ، فإن الإقتصاد البنفسجي يأتي ترسيخا لموضوع المسؤولية الاجتماعية التي تستمد جذورها من الميثاق الدولي الخاص بالحقوق الإقتصادية والاجتماعية والثقافية الذي اعتمدته الأمم المتحدة عام 1966، والذي يتميز بطبيعتهُ الشمولية التي تتعدى تثمين السلع والخدمات لكونه مستند على الثقافة النابعة من البعد الإنساني الذي يُبنى على تعدد الثقافات واختلاف التقاليد، والذي يُشجع ويُنمي الاتصال والتعاون في ميدان الثقافة والعلم.
ويتطلب هذا التعدد عدم الاقتصار في التعامل على فئة واحدة من المستهلكين بل استهداف فئات عدة بحسب انتمائها الثقافي لا سيما في ظل العولمة والتطور التكنولوجي الذي أدى الى إزالة الحواجز والقيود.
تعودُ جذور الاقتصاد البنفسجي إلى عام 2011، فانبثق من إحدى الجمعيات الفرنسيـــة المهتمة بالتنمية الاقتصادية المستدامة، ونُشِرَتْ تفاصيلهُ عبر واحدة من الصحف، بعد انعقاد المؤتمر الأوّل للاقتصاد البنفسجي، والذي وجدَ دعمًا عالميًا ملحوظًا من قبل هيئات ومنظمات دولية، ثم عُقِدَتْ منتديات لاحقة اهتمت بهذا الفرع الحديث من علم الاقتصاد.
أما فكرتهُ الرئيسة فتتمحورُ حول تقدير دور الجانب الثقافي في التنمية الاقتصادية المستدامة، والاقتصاد عمومًا، ومن هنا يمكن القول إن مفهوم الاقتصاد البنفسجي يشيرُ إلى الجمع بين الثقافة من جهة، والفكر الاقتصادي من جهة أخرى، أو بصورة أدق الاهتمام بالجانب الثقافي في علم الاقتصاد من أجل منحه صفة إنسانية في ظل تأثير العولمة في مختلف القطاعات الحيوية، والتي يُعدُّ الاقتصاد واحدًا منها، بل قد يكون أهمها.
و رهانَ نجاح تجربة الاقتصاد البنفسجي ووسائله في المجتمع العربي , يكون من خلال توفير كافة الإمكانات المساندة لهُ، وإيجاد بيئة تساعدُ المُنشآت الناشئة في ظلِهِ، على الاستفادة من جميع الفرص المتاحة لدخول الأسواق؛ عن طريق اعتمادها على دورِهِ في تثمين ما تُقدمهُ، ودعم تكيف النّاس معه، فالاقتصاد البنفسجي يستندُ مباشرة إلى الثقافة المجتمعية، وكل منتج يتفق مع ثقافة المجتمع التي تتضمن العادات، والتقاليد، والقيم من المُؤكّد سيحقق النجاح، طالما يلبي حاجات ورغبات الأفراد، وهكذا يساهمُ التطبيق الصحيح؛ لهذا الاقتصاد في زيادة مِصادر الدخل العام، والنمو الاقتصادي لكل دولة، والذي يدعم التنمية المستدامة على المدى البعيد.
وسعت الدول المهتمة بالتنمية الاقتصادية إلى تعزيز مساهمة الاقتصاد البنفسجي في اقتصاداتها؛ بســـبب دوره المهم والمؤثّر في الوعي الثقافي لدى النّاس؛ حيث يمنح كل خدمة وسلعة أهمية وقيمة، بغض النظر عن طبيعتها أو الغرض من وجودها، فيحرصُ على توجيه عجلة الإنتاج، والمنصات الخدمية نحو تقديم سلع وخدمات متوافقة مع النمط الثقافي السائد في كل مجتمع، وهكذا استطاع هذا الفرع الاقتصادي المستحدث أن يبنيَ تأثيرهُ الخاص في الصناعات والخدمات المختلفة؛ تحديدًا الحديثة وغير المعروفة على نطاقٍ واسع؛ بهدف جعل المجتمعات أكثر قبولًا للتنوّع المستمد من العولمة وآثارها.
واهتمت كثير من الدول العربية بفكرة الاقتصاد البنفسجي؛ كأداةٍ تُمكِّنُها من الحفاظ على التنمية الاقتصادية ضمن مستويات مناسبة، ولكن يجب على أي دولة تريد تطبيق هذا النوع من الاقتصاد إدراك وسائله، وكيفية تنفيذها بما يُلائم المعطيات المتاحة لديها.
لا يؤدي وحدهُ إدراك وسائل تطبيق الاقتصاد البنفسجي، إلى دعم التنمية الاقتصادية في كل دولة، بل من الضروري أيضًا وجود مجموعة ركائز يقفُ عليها هذا الاقتصاد، ومنها تأسيـــس بنية تحتية داعمة للأعمال الاجتماعية العامة، كاستمرار تقديم الرعاية الصحية المجانية للمرضى وكبار السن والأطفال، وتحقيــــــق التوازن بين طبيعة الأعمال والمهن، ومتطلبات الحياة الشخصية للأفراد العاملين، وتقليل القيود المفروضة من الاقتصاد الكلي على الإنتاج، والتبادل التجاري، وفتح المجال أمام توفير فرص عمل كافية، تتناسب مع الحاجات الاقتصادية الفعلية في سوق العمل.
وفي الخلاصة، فان الإقتصاد البنفسجي هو حقل جديد من حقول علم الاقتصاد يستخدم الثقافة كعامل مساعد على ترسيخ ابعاد التنمية المستدامة وهو يعني ان تكون الثقـــافة هي القوة الناعمة ذات الأثر البالغ في تنمية الإقتصاد وتحقيق أهداف الرفاه والتنمية.