حرية – (29/6/2022)
يتم إنتاج عشرات الملايين من الأطنان من الكلور في جميع أنحاء العالم كل عام، فهو يدخل في تطهير إمدادات المياه، وصناعة الأدوية والمطهرات والمنظّفات وغيرها.
ومع ذلك، تم استخدام الغاز في العديد من المناسبات كسلاح فتَّاك؛ لما له من تأثيرات خطيرة على صحة البشر.
وبعد حادث انفجار حاوية سقطت من باخرة في ميناء العقبة بالأردن، أواخر يونيو/حزيران عام 2022، وهو ما أسفر عن مقتل 13 شخصاً وإصابة أكثر من 250 شخصاً بينهم حالات خطرة، بات من الضروري معرفة ما هو هذا الغاز الأصفر غريب الشكل، وما تأثيراته واستخداماته ومخاطره؟
ما هو غاز الكلورين؟
غاز الكلور أو الكلورين (Cl2) يُعد من أخطر المواد الكيميائية المُستخدمة في العديد من الصناعات المختلفة؛ بدايةً من المنظفات وتبييض الأوراق وتطهير المياه والمسابح من البكتيريا، وفي المنتجات المنزلية للتنظيف، وصولاً إلى استخدامه في صناعات الكيماويات والمبيدات وتصنيع الذهب، وحتى كأحد أنواع الأسلحة المميتة.
يتم إنتاج هذا الغاز تجارياً عن طريق التحليل الكهربائي لمحلول ملحي من كلوريد الصوديوم. وكان هو أول غاز سام يُستخدم كسلاح خلال الحرب العالمية الأولى.
يكون الكلور أحياناً على شكل غاز سام. ومع ذلك يمكن ضغط غاز الكلور وتبريده لتحويله إلى سائل يمكن شحنه وتخزينه.
ومع ذلك عندما يتم إطلاق أو سكب الكلور السائل، فإنه يتحول بسرعة إلى غاز يبقى قريباً من الأرض وينتشر بسرعة كبيرة.
يمكن التعرف على غاز الكلور من خلال رائحته اللاذعة والمزعجة التي تشبه رائحة مادة التبييض أو (Bleach)، القريبة من رائحة الأناناس الممزوج بالفلفل الحار، وهو يتمتع بلون أصفر مخضر بشكل لافت.
تأثير الكلورين عند التعرض له
عندما يتم استنشاق الكلور أو ابتلاعه أو ملامسته للجلد، فإنه يتفاعل مع الماء في تلك البقع من الجسم لإنتاج الأحماض التي تدمر الخلايا وتسبب الحروق.
ويؤدي استنشاق مستويات عالية من الكلور إلى تراكم السوائل في الرئتين- وهي حالة مهددة للحياة تُعرف باسم الوذمة الرئوية. وهذا يحدث لأن الغاز يتحول عند الاستنشاق إلى حمض الهيدروكلوريك؛ مما قد يؤدي للإصابة بحروق داخلية والغرق من خلال إطلاق رد فعل مائي في الرئتين.
وعادة ما تظهر العلامات والأعراض التالية أثناء التعرض لتركيزات خطيرة من غاز الكلورين أو بعده مباشرة:
الرؤية المشوشة.
ألم حارق واحمرار وبثور على الجلد.
شعور بحرقة في الأنف والحلق والعينين
السُّعال وضيق الصدر.
صعوبة في التنفس.
سوائل في الرئتين (الوذمة الرئوية) بعد الاستنشاق ببضع ساعات.
الاستفراغ والغثيان الحاد.
الموت.
أول استخدام لغاز الكلورين في الحروب
تم استخدام الكلورين كسلاح مميت لأول مرة خلال الحرب العالمية الأولى، وحينها استُخدم كعامل اختناق من بين الأسلحة التي ما لبثت أن أصبحت مُحرَّمة دولياً لتأثيراتها الممتدة للمدنيين وصعوبة السيطرة على مداها، وفقاً لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها الأمريكية (CDC).
حيث ترأس برنامج حرب الغازات السامة الألماني فريتز هابر، الذي كانت محاولته الأولى لسلاح كيميائي هي غاز الكلورين، والذي استُخدم لأول مرة في معركة إيربيس ضد الجنود البريطانيين والفرنسيين على الأراضي البلجيكية في أبريل/نيسان عام 1915.
ونتيجة لآثاره الصحية الخطيرة التي أسلفنا ذكرها، كان الكلور قاتلاً ضد الجنود غير المحميين منه، أو الذين لم يدركوا كنهه في بداية الأمر.
وتشير التقديرات إلى مقتل أكثر من 1100 في أول استخدام لغاز الكلورين كسلاح حرب في مدينة إيربس ببلجيكا، بعد إطلاق نحو 150 طناً من الغاز على معسكرات للجنود.
ومن المفارقات، أن الألمان لم يكونوا مستعدين لمدى فاعلية هذا الغاز الجديد، ولم يكونوا قادرين على استغلال مزاياه لحسم المعارك، خاصة مع اتجاهات الرياح المتغيرة؛ لذلك لم يكتسبوا سوى القليل من الأراضي باستخدامه، وحتى أشارت بعض التقديرات إلى أنه أسقط بعض الجنود الألمان أيضاً، بحسب موقع History للتاريخ.
وبعد عقد من الزمان، تم تقديم بروتوكول جنيف لعام 1925، وهو أول قانون دولي لحظر استخدام الأسلحة الكيميائية.
تجريم استخدام غاز الكلورين كسلاح
لا يُحظر استخدام غاز الكلور في حد ذاته، ولكن استخدام غاز الكلور كسلاح في أي سياق وتحت مُختلف الظروف هو أمر محظور، وفقاً للمعاهدات الدولية.
وتُصنَّف عوامل الحرب الكيميائية في فئات مختلفة حسب تأثيرها.
على سبيل المثال، يُعد غاز الخردل مصمماً لإحداث تداعيات صحية على من يتعرضون له أينما سقط. وهو يتحول إلى قطرات دقيقة ويُحدث تفاعلاً كيميائياً مع الجلد أو الرطوبة الموجودة في الرئتين؛ ما يُسبب الاختناق والحروق والتشوهات التي قد تُفضي للموت. وبالتالي فهو ليس مقصوداً بالقتل المباشر؛ بل بتعطيل قدرات الجنود وشلهم.
كذلك عادة ما يؤدي عند الإصابة إلى عمى الإنسان، ويمنع الرئتين من التنفس. وبشكل عام معدل القتل به يبلغ 5%. والفكرة من وراء ذلك هي فقط تشويه الجندي وتعطيله وإحضار خمسة إلى ستة جنود آخرين لمساعدته؛ لذلك من شأنه أن يقلل من قدرة تلك المجموعة المسلحة.
نتيجة لتلك التأثيرات “غير الأخلاقية” للسلاح الكيميائي بشكل عام، تم التوقيع على معاهدة دولية عام 1993 تحظر إنتاج وتخزين واستخدام الأسلحة الكيميائية، وبدأ سريانها فعلياً في عام 1997.
وعلى الرغم من آثاره المميتة، لا يتم تصنيف غاز الكلور في نفس التصنيف مثل غاز السارين أو غاز الخردل، فهو في منطقة رمادية بموجب القوانين الدولية الحالية ولا يُنظر إليه إلا على أنه سلاح كيميائي عندما يتم استخدامه بهدف القتل.
غاز الكلورين استُخدم لتهجير السوريين
رغم مخاطره وتداعيات استخدام الأسلحة الكيميائية بشكل عام، وخاصة الكلورين من بينها، على المدنيين، فإن الأسلحة الكيميائية كانت متكررة في الصراع الدموي في سوريا.
فقد كشفت العديد من التقارير الدولية أن الحرب في سوريا، التي سلبت مئات الآلاف من الأرواح، وشردت ما يقرب من 11 مليوناً آخرين، شهدت في أكثر من مناسبة استخدام أسلحة كيميائية مُحرَّمة، من ضمنها غاز الكلورين.
كشفت تقارير دولية استخدام النظام السوري لغاز الكلور لتهجير المدنيين – ShutterStock
كشفت تقارير دولية استخدام النظام السوري لغاز الكلور لتهجير المدنيين – ShutterStock
ومن بين الأسلحة الكيماوية المُستخدمة في سوريا، كان غاز السارين، وغاز الخردل، وهما اللذان يتم استخدامهما بشكل متكرر وكبير.
وبعد إزالة 1٫300 طن من غاز السارين العصبي ومثيلاته من سوريا، استمرت الهجمات الكيماوية هناك بشكل متكرر، وعلى الأخص في شكل غاز الكلور، الذي ظهر باعتباره أكثر الأسلحة الكيميائية استخداماً في الحرب.
ويقول أوليه سولفانغ، نائب مدير قسم الطوارئ في “هيومن رايتس ووتش”، لموقع Aljazeera: “رأينا الكلور يظهر كسلاح في سوريا لأول مرة في 2014”.
حيث قامت المنظمة في2017 بنشر تقرير يوثق ما لا يقل عن 24 حالة استخدام لغاز الكلورين من قِبَل النظام السوري ضد المدنيين منذ اندلاع الحرب، بعضها وقع في حلب بين 17 نوفمبر/تشرين الثاني و13 ديسمبر/كانون الأول 2016.
وقد تحققت منظمة حقوق الإنسان من الهجمات من خلال تحليل مقاطع الفيديو، والمقابلات الشخصية والهاتفية، وكذلك عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
وشكلت هذه النوعية من الهجمات، بحسب التقرير، جرائم حرب، وتُمثل انتهاكاً لاتفاقية الأسلحة الكيميائية التي تعد سوريا جزءاً منها.
آثار الكلور نفسية أيضاً إلى حد كبير: المادة الكيميائية تثير الخوف والصدمة والذعر بطريقة لا تفعلها الأسلحة التقليدية الأخرى. في حالة حلب، يشتبه سولفانغ في أن النظام استخدم الكلور استراتيجياً لفرض هجرة جماعية للمدينة.
الجمعية الطبية السورية الأمريكية (SAMS) وثَّقت بدورها 109 هجمات غير شرعياً بغاز الكلور منذ بدء الحرب الأهلية عام 2011.