حرية – (6/7/2022)
عُيّن وزير التعليم السابق في حكومة بوريس جونسون ناظم الزهاوي وزيراً جديداً للمالية في بريطانيا، وسط حديث عن إمكانية أن يشغل رئاسة الحكومة.
جاء ذلك عقب استقالة الوزير السابق ريشي سوناك الذي كان قد تخلى عن المنصب بعد أن فقد الثقة في جونسون كما قال.
أما بالنسبة للزهاوي، البالغ من العمر 55 عاما، فقد يكون تسلم أحد أهم المناصب في الدولة البريطانية أمراً لم يكن يتجرأ حتى على الحلم به في طفولته.
ونقل عن الزهاوي، النائب عن دائرة ستراتفورد أبون أيفون وسط إنجلترا، قوله بهذا الصدد، “ربما كنت أحد أكثر الناس حظاً.”
ولد الزهاوي في العراق عام 1967، ولذا فقد كان من الممكن جداً أن يجبر على المشاركة في الحرب التي دارت مع إيران في ثمانينيات القرن الماضي.
وقال للصحفي البريطاني نِك روبنسون في مقابلة بثّت عبر بودكاست “الفكر السياسي” العام الماضي، “كنت سأجند في الجيش العراقي، وأرسل للقتال في الخطوط الأمامية وربما أَقتل هناك.”
ولكن عوضاً عن ذلك، أُجبر ناظم ووالديه على الهرب من العراق إلى بريطانيا حيث نشأ. كانت أسرته ذات نفوذ لا بأس به في العراق، فقد شغل جدّه منصب محافظ البنك المركزي العراقي – وكانت الأوراق النقدية العراقية تحمل توقيعه.
ولكن عندما تولى صدّام حسين زمام السلطة عام 1979، شعرت أسرة الزهاوي بالتهديد.
فقد علم والد ناظم، وكان رجل أعمال، بأن السلطات كانت تنوي اعتقاله، ولذا قرر الهرب بسرعة.
“ذكريات مؤلمة“
ويتذكر ناظم القلق الذي انتاب أفراد الأسرة وهم ينتظرون إقلاع طائرتهم من مطار بغداد.
فبعد صعود كل المسافرين، اقتربت عربة عسكرية من الطائرة. وأجهشت أمه بالبكاء عندما شاهدوا الجنود وهم يعتقلون أحد المسافرين وينزلونه من الطائرة.
لم يكن والده ذلك المسافر سيء الطالع، وإنما كان مسافرا يجلس خلفه في الطائرة.
يصف ناظم تلك الحادثة بأنها كانت “لحظة طفولة مؤلمة” لم تغب عن ذاكرته أبداً.
وبذلك، وبدل أن يترعرع في العراق، نشأ ناظم في مقاطعة ساسكس الإنجليزية. وتلقى تعليمه في مدارس خاصة وأصبح فارسا جيداً.
ولكن كارثة أخرى كانت بانتظار الأسرة. فعندما كان ناظم على وشك الالتحاق بالجامعة، انهار أحد مشاريع والده التجارية، مما أدى إلى فقدانه كل ما يملك – عدا سيارة فوكسهول بنية اللون.
“منظّم موهوب بالفطرة“
إذ ذاك، قرر ناظم الشاب استخدام تلك السيارة المتهالكة كسيارة أجرة يقودها من أجل توفير القوت لأسرته.
ولكن والدته كانت مصرّة على أن يتلقى ولدها تعليماً جامعياً، ولذا رهنت مجوهراتها كي لا يقلق ناظم على وضع الأسرة المالي.
وبذا التحق ناظم الشاب بكلية لندن الجامعية، حيث درس الهندسة الكيمياوية. ثم اقتفى أثر والده، وولج عالم المال والأعمال حيث أسس شركة متخصصة ببيع منتجات تتعلق ببرنامج (تيليتابيز) للأطفال – الذي كان رائجاً في ثمانينيات القرن الماضي – وهي الشركة التي استثمر فيها السياسي جيفري آرتشر (اللورد آرتشر الآن) الذي كان من كبار سياسيي حزب المحافظين آنذاك.
وقال اللورد آرتشر لبرنامج “بروفايل” لبي بي سي مستذكراً بأن ناظم الشاب كان “منظِّماً فطرياً، فإذا قلتَ له إني بحاجة إلى ست سيارات أجرة وثلاث طائرات وحافلة ذات طابقين، وكلها في غضون 30 دقيقة، فإنه كان يتمكن من تحقيق ذلك.”
ومن خلال الحفلات والولائم التي كان يقيمها آرتشر، إلتقى ناظم بعدد من أبرز زعماء وشخصيات حزب المحافظين ومنهم رئيسة الحكومة السابقة مارغريت تاتشر.
وفي عام 1994، أصبح ناظم عضواً محافظاً في مجلس بلدية منطقة واندسوورث جنوبي لندن، وبعد سنوات ثلاث، ترشح لخوض الانتخابات النيابية عن دائرة إيريث وتايمزميد، ولكنه لم يتوفق ولم ينتخب لمجلس العموم.
وعندما أطلق اللورد آرتشر حملته الانتخابية لعمودية مدينة لندن، التحق ناظم الزهاوي بفريقه الانتخابي.
ولكن آرتشر أجبر على الانسحاب من سباق العمودية، ولذا تعيّن على الزهاوي البحث عن عمل آخر.
فضيحة نفقات
أطلق الزهاوي، مشاركة مع عضو سابق آخر في فريق آرتشر هو ستيفان شيكسبير، شركة (يوغوف) المتخصصة في مجال استطلاعات الآراء عبر الانترنت.
حقق المشروع نجاحاً كبيراً، فحسب ما نشرته صحيفة (إيفنينغ ستاندارد) اللندنية، باع الزهاوي أسهمه في الشركة بـ 1,2 مليون من الجنيهات الإسترلينية.
بعد أن أصبح متمكناً مالياً – رفض الزهاوي مؤخراً البوح بحجم ثروته، ولكن يعتقد بأنه من أغنى السياسيين في مجلس العموم – اتجه ثانية إلى محاولة الفوز بمقعد برلماني.
وأخيرا، وفي عام 2010، تمكن من تحقيق حلمه، إذ فاز بمقعد برلماني عن دائرة سترتفورد أبون إيفون، وهي دائرة ما برح المحافظون يحتفظون بها منذ أكثر من مئة سنة.
كان مجلس العموم آنذاك ما زال يترنح من أثر فضيحة المصاريف الكبيرة التي كان يطالب بها بعض النواب، وأصبح الزهاوي وبسرعة متورطاً في تلك الفضيحة إذ تبين أنه طالب بمصاريف تزويد اسطبلاته الخاصة بالطاقة الكهربائية.
قال الزهاوي وقتها إنه “يشعر بالخزي لذلك الخطأ”، ورد المبالغ التي دفعت له. ولكن تلك الفضيحة لم تؤثر على تقدمه في الميدان السياسي بشكل ملموس. ففي كانون الثاني / يناير 2018، عيّنته رئيسة الحكومة آنذاك تيريزا ماي وزيراً في وزارة التعليم ومسؤولاً عن الطفولة والشؤون الأسرية.
ولكن سرعان ما وجد نفسه متورطاً في مشكلة أخرى، وذلك بعد حضوره حفلاً أقيم في نادي (بريزيدينتس) الرجالي.
فقد كشف أحد مراسلي صحيفة فاينانشال تايمز حضر الحفل متنكراً بأن المضيفات تعرضن للتحرش وأسمعن عبارات بذيئة وخادشة للحياء.
وزير للقاحات
حصل الزهاوي على توبيخ من جانب رئيسة الحكومة لحضوره ذلك الحفل.
ولكن، ورغم وصفه رئيس الحكومة الحالي بوريس جونسون بأنه “وجه مثير للجدل من الماضي”، احتفظ ناظم بمنصبه الوزاري عندما تولى جونسون مقاليد الحكم في تموز / يوليو 2019، إذ نُقِل من وزارة التعليم إلى وزارة شؤون الأعمال.
وفي تشرين الثاني / نوفمبر 2020، وفي خضم انتشار وباء فيروس كورونا، سُلّم وظيفة وصفها بلأأنها “أهم وظيفة بإمكاني القيام بها” – كانت تلك وظيفة الوزير المسؤول عن لقاحات كورونا.
أشرف ناظم الزهاوي طيلة 11 شهراً تقريباً على برنامج نشر وتوزيع لقاحات كورونا، وأصبح بإمكانه ادعاء تحقيق نجاح لا بأس به خصوصاً عندما تجاوزت بريطانيا الكثير من الدول الأخرى في مجال التلقيح.
وتصف حكومة جونسون بشكل مستمر ومتواتر برنامج التلقيح على أنه أحد أعظم إنجازاتها.
أما الزهاوي، فيقول معلقاً على قدراته وإمكاناته إنه “يعشق التحديات العملياتية.”
عُيّن ناظم، الذي أصبح ينظر إليه على أنه “شخص يمكن الاعتماد عليه” بعد ذلك وزيراً للتعليم، وذلك عقب تنحية الوزير السابق غافين ويليامسون الذي خسر شعبيته إثر الفوضى التي اعترت الامتحانات المدرسية أثناء فترة وباء كورونا.
وبوصفه الشخص المسؤول عن قطاع التعليم، واجه الزهاوي تحدياً غير مسبوق تمثل في تمكين جيل كامل من التلاميذ من اللحاق بركب التعليم بعد أن أجبر على الغياب عن صفوف الدراسة لأشهر بسبب الوباء.
وروّج أثناء فترة توليه حقيبة التعليم لشهادات التعليم المهني، إذ كان يهدف إلى جعل هذه الشهادات تحظى بنفس الشهرة التي تتمتع بها شهادات الدراسة الاعدادية.
وحاول تمرير قانون المدارس الذي صاغته حكومة جونسون، ولكنه اضطر إلى التراجع عن بعض بنوده بعد أن تعرضت مسودة القانون إلى معارضة قوية حسب ما ذكرت تقارير.
كما كان ينوي على مساعدة المزيد من الأطفال على الاستفادة من البرنامج الوطني للتدريس الخاص.
وفي الأسابيع الأخيرة، كان منهمكاً في محاولة ثني المدرسين عن إمكانية أن يعلنوا الإضراب، وهي خطوة وصفها بأنها “لا يمكن أن يغفر لها” خصوصاً وأنّها تجيء بعد أشهر قليلة من عودة التلاميذ إلى صفوف الدراسة عقب الوباء.
وتعتمد الحكومة بشكل مستمر على الزهاوي، بوصفه يتمتع بظهور اعلامي قوي، في الدفاع عن رئيسها جونسون في وسائل الإعلام المختلفة.
لم يكن ناظم الزهاوي قبل عام فقط عضواً في مجلس الوزراء، ولكنه، وفي صعود ملحوظ، ينتقل الآن إلى منصب رفيع جداً.