حرية – (14/7/2022)
والي 10٪ من المنازل السويسرية مجهزة بأنظمة تكييف الهواء. Istvan Balogh / Alamy Stock Photo
مع ارتفاع معدلات تكرار موجات الحرّ واشتداد ضراوتها، يشهد الطلب على المكيّفات الهوائية ارتفاعا حادّا، حتى في البلدان معتدلة المناخ كسويسرا. وفي المقابل، كلما ارتفع معدل استخدام المكيفات الهوائية، ارتفعت درجة حرارة الكوكب. فهل ندور في حلقة مفرغة !
يتنبأ المكتب الفدرالي للأرصاد الجوية وعلم المناخ “ميتيو سويس” MeteoSwiss بأن درجات الحرارة هذا الصيف ستكون أعلى من معدلاتها لمثل هذا الوقت من السنة. وكان المكتب قد نشر هذه التنبؤات في شهر مايو الحالي، وهو الشهر الذي سجلت فيه ذوبان أكبر مساحات الأنهار الجليدية بسبب درجات الحرارة التي بلغت مستويات قياسية جديدة. وبحلول منتصف شهر يونيو، طالت موجة حرّ استثنائية عدّة مناطق في سويسرا، وبلغت درجة الحرارة في المناطق الواقعة شمال الألب 37 درجة مئوية (98.6 فهرنهايت).
ومع ظاهرة تغيّر المناخ، تواصل درجات الحرارة الارتفاع في العالم بأسره، وبات من المتوقع أن تصبح الظواهر “الاستثنائية” هي الوضع الطبيعي. فمنذ بدء تدوين درجات الحرارة في سويسرا، تضاعف عدد الأيام الصيفية وهي الأيام التي تتجاوز فيها درجة الحرارة فيها 25 درجة مئوية. وتضاعف أيضارابط خارجي عدد الأيام الحارّة التي تصل فيها درجة الحرارة 30 درجة مئوية أو أكثر.
ولأن ارتفاع درجات الحرارة يعزّز الحاجة إلى تبريد المباني باستخدام المكيفات الهوائية – التي تؤدي بدورها إلى زيادة استهلاك الكهرباء وارتفاع نسبة انبعاثات غازات الدفيئة على مستوى العالم – يبدو أننا ندور في حلقة مفرغة يترتب عليها عواقب وخيمة على الكوكب وصحة الانسان.
ملياران: عدد وحدات التكييف الهوائي في العالم
تُقدّر وكالة الطاقة الدولية (IEAرابط خارجي) أن في العالم حوالي ملياري وحدة تكييف هوائي عاملة، معظمها في مبان في الولايات المتحددة واليابان، وفي الصين التي تشهد منذ عام 2010 أعلى معدل عالمي لنمو الطلب على وحدات التكييف. كما الاقبال على وحدات التكييف الهوائية ارتفاعا في كل من الهند واندونيسيا.
وتكشف دراسةرابط خارجي حديثة أجراها مكتب الإحصاءات الأوروبية Eurostat، وهو المكتب الإحصائي التابع للمفوضية الأوروبية، أن الحاجة إلى تبريد المنازل والمكاتب في أوروبا ازدادت على مدى الأربعين سنة الماضية.
وارتفع في دول الاتحاد الأوروبي أيضا عدد “أيام درجة التبريد” بثلاثة أضعاف تقريبا بين عامي 1979 و2021 وهو مؤشر يوضح احتياجات المباني من الطاقة بناءا على الظروف الجوية. وبمعنى آخر، فإن نتائح دراسة المكتب الأوروبي الإحصائي مفادها أن هذه الفترة شهدت ارتفاعا في معدل استخدام أنظمة التكييف الهوائية، وعلى النقيض من ذلك فإن عدد “أيام درجة التدفئة” قد شهدت انخفاضا بنسبة 11%.
عُشر المنازل في سويسرا مزوّدة بأجهزة تكييف
وفي سويسرا، تشهد مبيعات معدات التكييف الهوائية ارتفاعا مستمرا. وعلى الرغم من عدم وجود إحصائيات تغطي جميع الأجهزة الثابتة والمحمولة على مستوى الدولة، إلاّ أن الإفادات التي جمعها موقع SWI swissinfo.ch من خبراء وخبيرات في المجال وعمّال وعاملات التركيب، أكدّت أن السوق تشهد نموا منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
وتقول سيمون أنيلوتي، رئيسة شركة Neoservice وهي شركة خاصة تقدم خدمات السباكة والتدفئة والتكييف الهوائي ومقرها في لوغانو، كانتون تيتشينو: “ارتفع عدد الطلبات أيضا بسبب الزيادة في عدد الليالي الحارّة [الليالي التي لا تنخفض فيها درجة الحرارة الدنيا عن 20 درجة مئوية، بتصرف]، وأصبح التكييف ضرورة قصوى لمعالجة مشكلة استعصاء النوم ليلا التي تواجه بعض الناس مع اشتداد الحرارة.”
ويقول ماسيمو موريتي، الذي عمل في القطاع لمدة 40 عاما، إن فئة كبار السنّ تُساهم أيضا في تعزيز الطلب على المكيّفات، لأن الحرّ الشديد هو أكثر من مجرد مصدر إزعاج لهذه الفئة. ويضيف، يغلب الفعل الانعكاسي على الناس عندما تضرب البلاد موجة الحر، وينصبّ التفكير على اقتناء مكيّف هوائي.
ويوضح موريتي: “نحن نعتمد على الطقس [في عملنا] فقبل أيام [20 يونيو] كانت درجة الحرارة 36 درجة مئوية وانهمرت الاتصالات الهاتفية علينا. وفي اليوم التالي، سقط المطر ولم نتلق أي اتصال.”
وكانت دراسة مسحيةرابط خارجي قامت بها صحيفة 20 دقيقة التي توزذع مجانيا قد تتبعت مبيعات متاجر الأجهزة الكهربائية في السوق السويسري خلال الفترة ما بين 13 – 19 يونيو عندما عاشت سويسرا موجة الحرّ الأولى لهذا العام. وكشفت الدراسة عن ارتفاع مبيعات المكيفات الهوائية المحمولة والمراوح ارتفاعا كبيرا في هذه الفترة، إذ أبلغ أحد متاجر التجزئة عبر الإنترنت عن زيادة في المبيعات بلغت 450%.
بيد أن الأسر السويسرية التي تملك نظام تكييف هوائي ثابت – والذي يتطلب الحصول على إذن بناء – لا تزال نادرة. ويُقدّر ماركو فون وايل، مدير الرابطة السويسرية لتكنولوجيا التبريد SVK، أن 10% من المنازل مجهزة بأنظمة تكييف هوائية، ولا تشمل هذه النسبة المباني السكنية التي تحتوي على مضخة حرارية ثنائية الاتجاه والتي يمكنها تبريد المساحات الداخلية خلال أيام الصيف.
وعلى الصعيد الأوروبي، تملك حوالي 20% من الأسر في أوروبا نظام تكييف هوائي. ومن غير المستغرب أن تكون الحصة الأكبر في بلدان البحر الأبيض المتوسط مثل فرنسا (25٪رابط خارجي) وإيطاليا حيث تمتلك أسرة من بين كل أسرتين مكيفا هوائيارابط خارجي، في حين لا تتعدى نسبة المباني السكنية المزوّدة بأجهزة تكييف في ألمانيا 1-2%رابط خارجي.
المكيفات الهوائية أكثر تلويثا من الطائرات
وتتوقع وكالة الطاقة الدولية أن تُساهم مجموعة من الأسباب، كارتفاع المعايير المعيشية والنمو السكاني وازدياد تكرار موجات الحرّ وشدّتها، في ارتفاع عدد وحدات التكييف التي سيتم تركيبها بحلول عام 2030 بنسبة 40%.
وقد تبدو هذه التقديرات بشرى سارّة لتجار التجزئة، إذ يبلغ سعر مكيف الهواء الثابت لغرفة نوم في سويسرا حوالي 3000 فرنك سويسري أي ما يعادل 3121 دولار أمريكي. إلا أنها في الواقع نذيرٌ بمكروه سيلحق بالبيئة، إذ تُسهم وحدات التكييف والمراوح الكهربائية بنسبة 10% من إجمالي استهلاك الكهرباء في العالمرابط خارجي. وتعدّ هذه الأجهزة، إلى جانب أجهزة التبريد الأخرى مثل الثلاجات، مسؤولة عن نحو 10% من انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون العالميةرابط خارجي وهي نسبة أكثر بكثير من نسبة الغازات المنبعثة من النقل الجوي أو البحري.
فهذا النوع من الأجهزة يحتوي على غازات التبريد التي تُسهم في ظاهرة الاحتباس الحراري، وتعد مركبات الهيدروفلوروكربون (HFCs) أكثر هذه الغازات استخداما في يومنا الحالي بعد أن حلّت تدريجيا منذ أواخر الثمانينات محل مركبات الكلوروفوروكربون(CFCs) ومركبات الهيدروكلوروفلوروكربون (HCFCs) التي تعد المساهم الرئيسي في تدمير طبقة الأوزون.
إلّا أنّ مركبات الهيدروفلوروكربون ليس جميعها غير ضارة؛ ويُمكن أن تكون مساهمتها في الاحترار العالمي أكبر بنحو 1000 ضعف من مساهمة ثاني أكسيد الكربون. ولذلك، كان من بين أهداف اتفاق باريس، وغيره من المعاهدات الدولية بشأن المناخ كبروتوكول مونتريال وبالأخص تعديل كيغالي الذي صادقت عليه سويسرا، إحداث تخفيض جذري في استخدام المركبات الهيدروفلوروكربونية بحلول منتصف القرن الحالي.
ويشير أنيلوتي من شركة Neoservice الى أنّ بدائل المركبات الهيدروفلوروكربونية هي ثاني أكسيد الكربون والأمونيا والبروبان. ويضيف: “هذه هي غازات تبريد المستقبل، ولكن في الوقت الحالي لا يزال استخدامها محدودا بسبب ارتفاع تكلفتها وخطورتها وانخفاض كفاءتها.”