حرية – (18/7/2022)
حمزة مصطفى
نتجنى دائما على المجانين ونثمن ما يفعله العقلاء. لا ذنب للمجانين ولا براءة للعقلاء. كل ما يجري في عالمنا الراهن هو من صنع العقلاء من كلاص الشربت إلى القنبلة النووية. الذي يرتكب الجرائم هم العقلاء.
الذي يشعل فتيل الحروب ولا يعرف كيف “يطفيها” هم العقلاء. إذن لماذا حين نريد تبيان الفارق بين العاقل والمجنون نقول “حدث العاقل بما لا يليق، فإن صدق فلا عقل له”؟.
لماذا نحدثه أصلا بما لا يليق؟ ومن يحدد الذي يليق والذي لا يليق؟ هل أخذ العقلاء ممن نريد اكتشاف أنهم عقلاء أم مجانين رأينا حين عملوا كذا وكيت مما يصنف في باب الجرائم وبعضها ضد الإنسانية؟ ثم من سمح لنا الإيغال في إهانة ناس كل جريرتهم أن الله سبحانه وتعإلى سلب منهم كما نقول “نعمة العقل”؟.
بالمناسبة ماذا تعني نعمة العقل التي نتبجح بها، بينما نفعل يوميا بل وعلى مدار الساعة والدقيقة ما لا يفعله كل مجانين الأرض في ستة قرون؟ هل سمعتم مجنونا ارتكب حادث سير؟ هل سمعتم مجنونا سرق أو زنى أو قتل؟ كل هذه القضايا يرتكبها عقلاء.
المصيبة أننا نبرر لهم أحيانا ما يفعلون. بل حتى القاضي غالبا ما يأخذ بعين الاعتبار عدة اعتبارات عند إصدار الحكم، منها حداثة السن أو التجربة أو عدم وجود سوابق. مؤخرا دخلت عوامل أخرى في باب ما يرتكبه العقلاء من جرائم، وهي المخدرات وما يدخل في عالمها. إذا كان عاقلا لماذا يتناول المخدرات؟ لماذا لم نحدثه بما لا يليق عن مضار المخدرات ومخاطرها؟ الأدهى والأمر لماذا يزرع أو يصنع العقلاء أنواع المخدرات؟ لماذا يصدرها العقلاء ويجنون ملايين وربما مليارات الدولارات من وراء تجارتها؟ لماذا يمررها عقلاء المنافذ الحدودية؟ ولماذا يبيعها مع الأدوية منتهية الصلاحية عقلاء البسطيات؟
علاقتنا بالعقل وظيفية وبالعاقل يليق وما لا يليق. أما الحكمة إذا أردنا أخذها فمن أفواه “المجانين”. علاقتنا مع الآخر العاقل تطبيقا لمفهوم “الذي يليق والذي لا يليق” تقوم على أنه عاقل مع وقف التنفيذ. ماعليك لكي تثبت كونه عاقلا أم لا سوى الحديث معه بما لا يليق.
ثم أليس لكل عصر ما يليق وما لا يليق؟ هل “يليق” مطلع القرن العشرين مثل “يليق” آواخر القرن العشرين وأوائل القرن الحادي والعشرين. الذي لا يليق آنذاك أصبح يليق الآن وبالعكس.
ومن كان لا يصدقه كبار العقلاء حتى من بين الفلاسفة بات اليوم يصدقه صغار المجانين ممن نأنف أن نأخذ الحكمة منهم، لأنهم لم يبلغوا سن الجنون بعد.