حرية – (19/7/2022)
مع انتصاف شهر يوليو والذي يعد شهر ذوي الاحتياجات الخاصة منذ صدور قانون الإعاقة في الولايات المتحدة الأمريكية في 26 يوليو 1990 ظهرت من جديد قصة هيلين كيلر أحد فرسان الإرادة التي أبهرت العالم.
شهر ذوي الاحتياجات الخاصة
ففي قصة ملهمة تعبر بكل ما تحمل الكلمة من معنى عن التحدي والإصرار تعد قصة هيلين كيلر الكفيفة الصماء التي أنصت لها رؤساء أمريكا لأكثر من 6 عقود نموذج حقيقي لتحدي الإعاقة الجسدية وفرض الإرادة.
هيلين كيلر التي حرمتها الحياة من السمع والبصر تفوقت حتى أصبحت أحد أهم مصادر الإلهام لرؤساء الولايات المتحدة الأمريكية لأكثر من 60 عاما فمن هي هيلين كيلر؟
وُلدت هيلين آدامز كيلر في 27 يونيو من عام 1880 في توسكومبيا بولاية ألاباما الأمريكية، وتوفيت في 1 يونيو من عام 1968 في ويستبورت بكونيكتيكت في الولايات المتحدة.
وكانت هيلين كيلر في أوائل القرن العشرين واحدة من أشهر النساء في العالم فقد كانت كاتبة، وفاز فيلم عن حياتها بجائزتي أوسكار، وظل رؤساء الولايات المتحدة يستشيرونها ويستمعون لنصحها لأكثر من 60 عاما.
هيلين كيلر
وأُصيبت كيلر في سن 19 شهرا بمرض (ربما الحمى القرمزية) أفقدها حاستي السمع والبصر؛ وعندما فحصها المخترع ألكسندرجراهام بيل، وكان صديقا لوالديها، وهي في سن السادسة، أرسل إليها معلمة تبلغ من العمر 20 عاما تدعى آن سوليفان (ماسي) من معهد بيركنز للمكفوفين في بوسطن، والذي كان صهر بيل يديره.
وقد بقيت سوليفان، وهي معلمة رائعة، مع كيلر من مارس من عام 1887 وحتى وفاتها في أكتوبر من عام 1936.
وكان أول شيء فعلته آن سوليفان مع الصغيرة هيلين هو اصطحابها إلى مضخة مياه وعندما تناثر الماء على يدي الصغيرة، كتبت كلمة ماء في يدها، وفي ذلك اليوم تعلمت هيلين كيلر 30 كلمة.
وفي غضون أشهر، تعلمت كيلر الشعور بالأشياء وربطها بالكلمات المكتوبة بإشارات الأصابع على راحة يدها، وقراءة الجمل من خلال الشعور بالكلمات النافرة على الورق المقوى، وإنشاء جمل خاصة بها عن طريق ترتيب الكلمات في إطار.
وخلال الفترة من 1888 إلى 1890 أمضت الشتاء في معهد بيركنز لتتعلم لغة برايل، ثم بدأت عملية بطيئة لتعلم التحدث تحت إشراف سارة فولر من مدرسة هوراس مان للصم في بوسطن أيضا.
كما تعلمت قراءة الشفاه من خلال وضع أصابعها على شفتي وحنجرة المتحدث بينما يتم تهجئة الكلمات لها في نفس الوقت.
وفي سن الرابعة عشرة، التحقت بمدرسة رايت-هوماسون للصم في مدينة نيويورك، وفي سن السادسة عشرة التحقت بمدرسة كامبريدج للشابات في ماساتشوستس، وتم قبولها في كلية رادكليف عام 1900 حيث تخرجت بامتياز عام 1904 لتكون أول خريجة صماء وكفيفة في كلية رادكليف (الآن جامعة هارفارد).
وواصلت هيلين كيلر التعلم ليس فقط باللغة الإنجليزية، ولكن الفرنسية والألمانية واليونانية واللاتينية.
وبعد أن طورت مهارات لم يقترب منها أي شخص من ذوي الاحتياجات الخاصة، بدأت كيلر في الكتابة عن العمى، وهو موضوع كان من المحرمات في المجلات النسائية بسبب علاقة العديد من الحالات بالأمراض التناسلية.
وقد قبل إدوارد دبليو بوك مقالاتها في مجلة ليدز هوم جورنال، وحذت حذوها المجلات الكبرى الأخرى مثل ذي سينشري وأتلانتيك مانثلي وغيرها.
وفي عام 1913، بدأت في إلقاء المحاضرات (بمساعدة مترجم)، في المقام الأول نيابة عن المؤسسة الأمريكية للمكفوفين، وقد أخذتها تلك المحاضرات في جولات في جميع أنحاء العالم.
الكونجرس الأمريكي
وعندما سافرت حول العالم لم يكن ذلك فقط من أجل قضيتها الخاصة، ولكن من أجل الجميع.
وأصبحت هيلين كيلر ناشطة في حملة من أجل حقوق الأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة، وقد أقنعت الكونجرس الأمريكي بتغيير القانون بحيث تصبح الكتب المكتوبة بطريقة برايل متاحة في المكتبات.
وقد كان لجهودها من أجل تحسين علاج الصم والمكفوفين تأثيرا في إخراج المعاقين من المصحات، كما شجعت على تنظيم لجان للمكفوفين في 30 ولاية بحلول عام 1937.
وقد كتبت عن حياتها في العديد من الكتب، بما في ذلك قصة حياتي عام 1903، والتفاؤل عام 1903، والعالم الذي أعيش فيه عام 1908، والنور في ظلامي وديني عام 1927، وصحيفة هيلين كيلر عام 1938، والباب المفتوح عام 1957.
كما كتبت العديد من الكتب حول القضايا الاجتماعية مثل الفصل العنصري، وحق المرأة في التصويت، والرأسمالية والنضال الطبقي، وهي الكتب التي تم نشرها في جميع أنحاء العالم.
وعندما كان النازيون يحرقون الكتب اعتبرت كتبها خطرة بما يكفي لحرقها؛ وفي الحرب العالمية الثانية، أطلقت حملة من أجل قبول جميع الفارين من الفاشية في أمريكا.
وأمضت فترة الحرب العالمية الثانية في زيارة مستشفيات الجيش للتخفيف من آلام الجرحى.
حقوق الجميع
وأرادت أن تناضل من أجل حقوق جميع الناس فشاركت في تأسيس اتحاد الحريات المدنية الأمريكية مع الناشط الأمريكي في مجال الحقوق المدنية، روجر ناش بالدوين، وآخرين في عام 1920.
ومازال اتحاد الحريات المدنية الأمريكية يحمي حقوق العمال حتى يومنا هذا.
وكانت هيلين كيلر معارضة لعمليات الإعدام خارج نطاق القانون، وقد أيدت في وقت مبكر الجمعية الوطنية للنهوض بالملونين، كما دعمت تحديد النسل.
وكتبت ساشا كوهين، التي تقوم بتدريس الدراسات الأمريكية في جامعة برانديز، مقالة لمجلة تايم في عام 2015 تحت عنوان “هيلين كيلر الراديكالية المنسية”، تجادل بأن مشاركة كيلر في دعم حقوق العمال يمكن أن تساعد الطلاب في فهم جذور قضايا حقوق العمال وعدم المساواة التي لا تزال قائمة حتى اليوم.
وتقول كوهين في مقالها: “كانت تلك فترة التصنيع السريع، وبالتالي كانت تلك الظروف الجديدة التي تعرض فيها العمال لعدم المساواة المتزايدة وحتى المخاطر الجسدية، لذلك أشارت كيلر إلى أنه في كثير من الأحيان يصاب الناس بالعمى من حوادث على أرضية المتجر، لقد رأت هذا النوع الحقيقي من عدم التوازن في القوة بين العمال من جانب، وما يمكن أن نطلق عليه نخبة الـ 1 % أو عدد قليل جدا من الملاك والمديرين في القمة الذين كانوا يستغلون العمال من جانب آخر”.
ما لا نعلمه عن هيلين كيلر
وفي تقرير لمجلة تايم الأمريكية في عام 2020، يشير الباحثون في مجال الإعاقة إلى أنه عندما يتعلم الطلاب عن هيلين كيلر، فإنهم غالبا ما يتعلمون عن جهودها للتواصل كطفلة، وليس عن العمل الذي قامت به كشخص بالغ؛ هذا التعليم المحدود له آثاره على كيفية إدراك الطلاب للأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة.
وبعض الأسباب التي تجعل المدارس لا تُعلم الكثير عن حياة كيلر البالغة، هي مشاركتها في مجموعات كان يُنظر إليها على أنها متطرفة للغاية عبر التاريخ الأمريكي، فقد كانت عضوة في الحزب الاشتراكي، وراسلت إيوجين دبس، العضو الأبرز في الحزب والمرشح الرئاسي لخمس مرات، كما قرأت أيضا ماركس، وقد جعلتها ارتباطاتها مع كل هذه الجماعات اليسارية المتطرفة على رادار مكتب التحقيقات الفيدرالي الذي راقبها بحثا عن علاقات مع الحزب الشيوعي.
ومع ذلك، فإن كيلر بالنسبة لبعض نشطاء حقوق ذوي الإعاقة السود مثل أنيتا كاميرون ليست راديكالية على الإطلاق، وتقول كاميرون عنها “إنها مجرد شخصية بيضاء مميزة على الرغم من إعاقاتها”، ومثال آخر للتاريخ يروي قصة الأمريكيين البيض المتميزين.
ويستشهد منتقدو هيلين كيلر بكتاباتها التي عكست شعبية نظريات تحسين النسل وصداقتها مع أحد أنصار الحركة وهو ألكسندر جراهام بيل.
لكن تقول هيلين سيلسدون، المسؤولة عن أرشيف المؤسسة الأمريكية للمكفوفين، إن كيلر “نأت بنفسها عن هذا الموقف”.
وفي سبتمبر من عام 2018، وافق مجلس التعليم في تكساس على مسودة التغييرات على معايير الدراسات الاجتماعية بالولاية، والتي تضمنت إزالة بعض الشخصيات التاريخية مثل هيلين كيلر.
وبعد فترة وجيزة من فتح مجلس الإدارة المسودة للتعليق العام، كانت هابين جيرما، المحامية المعنية بالدفاع عن ذوي الإعاقة من السود، من بين كثيرين تحدثوا عن أهمية تدريس حياة هيلين كيلر.
وجادلت جيرما بأنه إذا لم يتم تدريس حياة كيلر فقد لا يتعرف الطلاب على أي من صانعي التاريخ من ذوي الإعاقة؛ وبعد شهرين، وافق مجلس التعليم في تكساس على مسودة منقحة مع إعادة اسم كيلر.
مسيرة كيلر المهنية
وتؤكد جيرما على أنه ينبغي بذل المزيد من الجهد لتدريس الحياة الكاملة لهيلين كيلر ومسيرتها المهنية، وتشجع الطلاب على قراءة المزيد من كتاباتها لمعرفة المزيد عن شخصيتها؛ وكتبت كيلر 14 كتابا وأكثر من 475 خطابا ومقالا.
وتقول جيرما:”بما أن المجتمع يصور هيلين كيلر فقط على أنها فتاة صغيرة، فإن الكثير من الناس يتعلمون لا شعوريا كيفية جعل البالغين المعاقين أطفالا، وقد عوملت كطفلة، وهذا يجعل من الصعب الحصول على وظيفة، والمعاملة باحترام، والحصول على تعليم جيد ورعاية صحية كشخص بالغ”.
أو انظر فقط إلى ما أوضحته كيلر بنفسها في مذكراتها عام 1926 مفتاح حياتي حول تأثير التعليم الشامل: “أعلى نتيجة للتعليم هي التسامح”.
إرث هيلين كيلر
كانت كاتبة وصحفية وناشطة وسفيرة صماء وكفيفة.. كانت حياة هيلين كيلر توضح ما يمكنها أن تفعله.
تعلمت القراءة والكتابة على الرغم من عدم سماعها أو رؤيتها لكلمة
جعل المرض كيلر صماء وعمياء عندما كانت طفلة قبل أن تتمكن من فهم الكلمات أو ما تصفه، ولكن بفضل العمل الرائد للمعلمة آن سوليفان لم تتعلم كيلر القراءة والكتابة فحسب، بل واصلت الدراسة حتى التخرج من الجامعة.
مصدر إلهام للعالم
كتبت كيلر كتاب السيرة الذاتية الأكثر مبيعا، وساهمت بكتابات في الصحف، وألقت الخطب، وقامت بجولة حول العالم لمناقشة كل شيء من حقوق المرأة إلى الطاقة الذرية، وكانت سفيرة للنوايا الحسنة للولايات المتحدة في اليابان عام 1948، كما التقت وألهمت شخصيات بارزة مثل المؤلف مارك توين، ومخترع الهاتف ألكسندر جراهام بيل، ووينستون تشرشل.
كانت ناشطة
أسهمت كتابات كيلر ونشاطها إسهاما كبيرا لزيادة الوعي بالإعاقة في جميع أنحاء العالم في وقت كان فيه الافتقار إلى الحقوق والمعاملة السيئة للأشخاص ذوي الإعاقة أمرا شائعا، فقد ساعدت الطريقة التي عاشت بها حياتها الأشخاص المعاقين في جميع أنحاء العالم.
وتم تقديم طفولة كيلر مع سوليفان في مسرحية ويليام جيبسون “ذي ميركل ووركر” أو صانعة المعجزات في عام 1959، والتي فازت بجائزة بوليتزر في عام 1960 وتم تحويلها بعد ذلك إلى فيلم سينمائي في عام 1962 فاز باثنتين من جوائز الأوسكار.
وعندما توفيت كيلر عن عمر يناهز 87 عاما في 1 يونيو من عام 1968، كُتب في نعيها “كان يمكنها أن ترى وتسمع بحدة استثنائية”.
وكانت هيلين كيلر قد قالت: “نادرا ما أفكر في حدودي وهي لا تجعلني حزينة أبدا، ربما تكون هناك لمسة من الشوق في بعض الأحيان، لكنها غامضة، مثل نسيم بين الزهور، تمر الرياح، والزهور راضية”.
وتواصل مؤسسة تحمل اسمها منذ عام 1915 تقديم العلاج للأمراض التي تسبب العمى وضعف البصر.
في عام 1964، قدم الرئيس ليندون جونسون لكيلر وسام الحرية الرئاسي تكريما لها كنموذج للشجاعة والتصميم.
لقد باتت كيلر رمزا عالميا للأطفال للتغلب على أي عقبة؛ وفي مبنى الكابيتول بالولايات المتحدة يوجد تمثال برونزي لكيلر وعمرها 7 سنوات عند مضخة المياه حيث تعلمت كلمتها الأولى.
وبينما تشير تقديرات منظمة الصحة العالمية إلى معاناة أكثر من مليار شخص، أي ما يقرب من 15 % من سكان العالم، من شكل أو آخر من أشكال الإعاقة تتذكر البشرية قصة هيلين كيلر لتنير الطريق أمام ذوي الهمم وتذكر الجميع أن الإعاقة الجسدية لا تمثل حائلا أمام قوة الإرادة والسعي الحقيقي لتحقيق النجاح.