حرية – (26/7/2022)
تندلع حرائق الغابات في جميع أنحاء العالم مشكلة مخاطر جديدة على الكوكب ومحققة رقماً قياسياً جديداً كل عام، إذ تعد الحرائق واحدة من أكثر المهددات البيئية مباغتة والمرافقة لارتفاع درجات الحرارة وسوء التعامل مع الطبيعة، وهذا في وقت ما زال البشر فيه عاجزين عن إيجاد حل سريع وفعال لمعضلة تلتهم بنهم مساحات شاسعة كانت قبل دقائق جنة تزهو بالحياة والاخضرار، تعززها وتسهم في نشاطها وزيادة وتيرتها أزمة المناخ المتصاعدة.
وعلى الرغم من الأدوات والطرق المتوفرة إلا أن النيران ما زالت تستعصي على أحدث التقنيات وعندما تبدأ لا أحد يعلم أين تنتهي، والسؤال، كيف لم يستطع الإنسان حتى اليوم تطويع اكتشافه الثوري الأقدم؟ وما دور التكنولوجيا في هذه المعضلة التي تتفاقم وتزداد تبعاتها كل عام؟
شبكة معقدة
تكمن خطورة حرائق الغابات والمراعي في مدى تأثيرها في المناظر الطبيعية والتنوع البيولوجي والزراعة وحتى المناخ، إذ تنفث حرائق النباتات هذه الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي، إضافة إلى إسهامها في الملوثات الصناعية وحرق الوقود الأحفوري.
والعلم مطالب اليوم بإيجاد تقنيات فعالة في رصد ومكافحة الحرائق، والتحرك السريع لإنقاذ الأرواح والممتلكات، فالحقيقة أنه قد مضى أكثر من 50 عاماً على آخر عملية تطوير فعلية لتقنيات جديدة لمكافحة الحرائق، كما أن علوم التنبؤ واستشراف الحرائق قبل حدوثها مازالت بدائية وفي حالة ركود من دون أي تحديثات جديدة.
وتعد القدرة على التنبؤ بالمكان الذي قد يتغير فيه نشاط الحريق أمراً أساسياً لمعرفة كيفية تأثير هذا النشاط في البيئة والمجتمع، وهي عملية تتطلب فهماً عميقا لأسباب الحرائق التي تشكل شبكة معقدة تؤثر بشكل مباشر في خط سير وتصاعد الحريق، كالبيئة نفسها بتضاريسها وطبيعة نباتاتها والطقس والبنية الاجتماعية والتحتية، فتبدأ الحرائق لأسباب تتعلق بالطقس مثل الصواعق والعوامل المتعلقة بالبشر مثل الزراعة وإدارة النظام البيئي والممارسات الأخرى في استخدام الأراضي، ثم تنمو وتنتشر بناء على الظروف الجوية مثل الرطوبة النسبية ودرجة الحرارة وسرعة الرياح وحالة الغطاء النباتي مثل رطوبة التربة وأنواع النباتات المتوفرة.
عبر التاريخ
حوالى عام 200 قبل الميلاد، اخترعت مضخة يدوية من قبل كتيسبيوس السكندري (أبو علم النيوماتيكا- علم خواص الغازات)، الذي وضع الإرهاصات الأولى لعلم ما سمي بالهواء المضغوط واستخداماته الميكانيكية المتعددة في المضخات وفي تكنيك عمل المدافع، المضخة كانت قادرة على إيصال الماء إلى النار.
أما في عهد الرومان فقد استخدمت سلسلة من الدلاء بحيث يمرر الدلو من يد إلى يد لتوصيل المياه إلى النار، ومن ثم في العصور الوسطى بدأ استخدام “النوافير” أو رذاذ الماء لرش المياه على الحرائق، تعمل طريقة البخ هذه عمل مضخة الهواء الخاصة بنفخ إطارات الدراجات وقد استخدمت هذه الطريقة في إخماد حريق لندن العظيم عام 1666.
وفي عام 1723 سجلت براءة اختراع أول مطفأة حريق في إنجلترا من قبل عالم الكيمياء أمبروز غودفري، ويعتقد أنها استخدمت في ما بعد في إخماد حريق عام 1729 في لندن، ليأتي بعد ذلك الكابتن البريطاني جورج ويليام مانبي بالنسخة الأولى من مطفأة الحريق المضغوطة المحمولة عام 1819، التي تألفت من إناء نحاسي بسعة 3 غالونات (13.6 لتر) من محلول رماد اللؤلؤ أو كربونات البوتاسيوم، موضوعاً تحت ضغط هواء عال.
تطور إطفاء النار
وفي عام 1904، اخترع ألكسندر لوران المطفأة باستخدام الرغوة الكيماوية، وبعده بحوالى ثمانية أعوام بدأ استخدام مطفأة “CTC” أو رباعي كلوريد الكربون (سائل شائع الاستخدام في طفايات الحريق لمكافحة الحرائق الصغيرة) واشتهر استخدامها في السيارات على مدار الستين عاماً التالية، إذ كانت مناسبة للحرائق السائلة والكهربائية، لكن البخار والنواتج الثانوية للاحتراق شديدة السمية وقد حدثت حالات وفاة عند استخدامها في الأماكن الضيقة.
ومن ثم شهدت أواخر القرن التاسع عشر اختراع مطفأة حمض الصودا، وفي منتصف القرن العشرين ظهر النوع الحديث من طفايات الحريق باستخدام عوامل إطفاء مختلفة.
طريقة غير تقليدية
الواضح بعد هذه الجولة أن طرق إطفاء الحريق الأساسية اعتمدت تاريخياً على تقنيات محددة، كتبريد الحرائق بتخفيض حرارة المادة المشتعلة باستخدام الماء، أو خنقها عبر تغطيتها بحاجز يمنع وصول الأوكسجين إلى المادة، أو تجويعها بالحد من كمية المادة القابلة للاشتعال، أو إيقاف التفاعل الكيماوي المتسلسل باستخدام حبيبات بودرة بعض المواد المخصصة لإطفاء الحريق، وباستخدام مواد مألوفة مثل الماء والرغوة والبودرة الكيماوية والغازات الخاملة كثاني أكسيد الكربون أو الهالوجينات.
ولكن في عام 2015، مهد المخترعان الشابان فيت تران وسيث روبرتسون الطريق لتكنولوجيا جديدة، بتطويرهما نموذجاً أولياً لجهاز إطفاء للحرائق يعتمد بشكل أساس على الموجات الصوتية، تحديداً الترددات بين 30-60 HZ، وسموا جهازهم التجريبي “المطفأة الصوتية”، واضعين وراءهم ومتجاهلين الأساليب التقليدية التي تحتاج كثيراً من المواد الكيماوية الضارة بالبيئة والبشر والكائنات بشكل عام، اختراع يصفه الشابان بأنه عبقري، وعلى الرغم من أنه يبدو بسيطًا إلا أنه في الواقع معقد للغاية.
آلية العمل
تقوم هذه التقنية على فصل مثلث الاحتراق المكون من ثلاثة عناصر، الحرارة والوقود والأوكسجين التي تساعد على إبقاء الاشتعال مستمراً، تعمل المطفأة على توليد تيار صوتي من مكبر صوت “استريو”، ثم تضخم هذا الصوت بواسطة قمع يقوم بإطلاق موجات صوتية، بحيث يتم توجيه الصوت إلى المكان المستهدف، فمن خلال هذه التقنية يتم دفع الأوكسجين للخارج مرة بعد مرة، بينما يحاول الأوكسجين العودة حتى يتم فصله بشكل كامل عن مصدر الاشتعال.
لقيت الفكرة اهتماماً واسعاً من قبل الأفراد والمؤسسات، على الرغم من أنها قوبلت في البداية بكثير من التشكيك بخاصة وأن تطبيقات هذه التقنية لم تحظ بالنجاح في السنوات السبع السابقة، لكن المختلف في هذا الاختراع هو توصلهم إلى تردد الصوت الصحيح، إذ يدعي الشابان أن نغمات الصوت العميقة bass تولد مزيداً من الطاقة، التي بإمكانها عند توجيهها باتجاه النار، إبعاد الأوكسجين المسهم في إشعال النار لتخمد مباشرة.
يذكر أن هذه التقنية تحتاج إلى اختبارات على نطاق واسع، فالمطفأة لم يتم حتى الآن تطويرها وإنتاجها بكميات كبيرة، والشابان اللذان قررا اتباع “نهج إديسون” يواصلان العمل على تعديل النموذج الأولي الخاص بهما.
نيرمين علي