حرية – (9/8/2022)
أعلن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الإثنين، الثامن من أغسطس (آب)، أن الولايات المتحدة ترغب بـ”شراكة حقيقية” مع أفريقيا، مؤكداً أن بلاده لا ترغب في “تجاوز” نفوذ القوى العالمية الأخرى في القارة.
وقال بلينكن، خلال مؤتمر صحافي إلى جانب نظيرته الجنوب أفريقية ناليدي باندور، “نتطلع قبل كل شيء إلى شراكة حقيقية بين الولايات المتحدة وأفريقيا. لا نريد علاقة غير متوازنة”.
ووصل بلينكن، الأحد، إلى جنوب أفريقيا، المحطة الأولى من جولته في القارة الأفريقية التي من المقرر أن تضم كينشاسا وكيغالي وتستمر لغاية الخميس.
وقال في وقت لاحق خلال خطاب ألقاه بجامعة بريتوريا، إن “الولايات المتحدة لن تملي على أفريقيا خياراتها، ولا ينبغي لأي شخص آخر أن يقوم بذلك” مؤكداً أن “حق اتخاذ هذه الخيارات يعود للأفارقة وحدهم”.
وأضاف “غالباً ما تم التعامل مع الدول الأفريقية كأدوات لتقدم الدول الأخرى وليس باعتبارها معنية بتقدمها الخاص”.
وثيقة سياسية
في الوقت ذاته، كشفت واشنطن النقاب عن وثيقة سياسية تعلن عن إصلاح شامل لسياستها في أفريقيا جنوب الصحراء، حيث تنوي مواجهة الوجود الروسي والصيني وتطوير أساليب غير عسكرية ضد الإرهاب.
وتأتي الاستراتيجية الجديدة وسط انتقادات لعدم جدوى الدور الأميركي في الحرب العسكرية ضد الجماعات المتطرفة في أفريقيا. كما تأخذ في الاعتبار الأهمية الديموغرافية المتزايدة للقارة وثقلها في الأمم المتحدة، فضلاً عن مواردها الطبيعية الهائلة والفرص المتوفرة فيها.
تهدف الزيارة إلى محاولة تقريب جنوب أفريقيا دبلوماسياً من المعسكر الغربي والتصدي للنفوذ الروسي في القارة، وفق عديد من المتخصصين. كما تأتي بعد وقت قصير من زيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى أفريقيا في نهاية يوليو (تموز)، التي شملت الكونغو وأوغندا ومصر وإثيوبيا.
لكن بلينكن أكد، الإثنين، أن واشنطن لا ترى المنطقة على أنها “آخر مكان للمنافسة بين القوى العظمى”. وشدد على أن “هذه ليست الطريقة التي نرى بها الأشياء بشكل أساس. هذه ليست الطريقة التي سنعمل بها على تعزيز التزامنا هنا”. وأضاف، إن “التزامنا بشراكة أقوى مع أفريقيا لا يتعلق بمحاولة التفوق على أحد”.
مرتبة متأخرة
غالباً ما احتلت أفريقيا مرتبة متأخرة على سلم أولويات الولايات المتحدة، لكن الإدارة الأميركية تؤكد أنها تريد تغيير هذه الديناميكية. وقال بلينكن “اليوم ليس تتويجاً لشراكتنا، ولكنه بداية فصل جديد. الرئيس بايدن يتطلع إلى لقاء الرئيس (الجنوب أفريقي سيريل رامافوزا) في واشنطن الشهر المقبل”، قبل قمة أميركية-أفريقية من المقرر عقدها في 13 ديسمبر (كانون الأول) بواشنطن.
واختار بلينكن التوقف بجنوب أفريقيا في محطته الأولى، في ظل اعتمادها موقفاً محايداً من الحرب الروسية ضد أوكرانيا، ورفضها الانضمام إلى الدعوات الغربية لإدانة موسكو.
وفي هذا الصدد، أعربت باندور عن أسفها لخطابات “الترهيب المتعجرف” الصادرة عن دول عدة (أوروبية على وجه الخصوص) في ما يتعلق بموقف جنوب أفريقيا من الصراع، كما شكرت واشنطن على تجنبها هذه اللهجة.
بدوره، جدد بلينكن أسفه لانسحاب الصين أخيراً من الحوارات الثنائية المهمة حول المناخ في إطار التوتر حول تايوان، مشيراً خلال مؤتمر صحافي إلى قرار “مؤسف للغاية” و”يعاقب العالم بأسره”. وكان بلينكن قد شجب السبت في مانيلا “عدم التناسب التام” لرد الفعل الصيني.
وتتزامن زيارة بلينكن مع تصاعد التنافس الجيوسياسي بين القوى العظمى في العالم منذ بداية الحرب ضد أوكرانيا في فبراير (شباط). وكانت جنوب أفريقيا واحدة من 17 دولة أفريقية امتنعت عن التصويت في الأمم المتحدة للتنديد بالهجوم الروسي.
كما تأتي بعد أسبوعين من قيام وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بجولة في أربع دول أفريقية انتقد خلالها الغرب لتدخله في شؤون أفريقيا. كما استغل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون جولة في أفريقيا في الوقت نفسه تقريباً لاتهام روسيا بتعمد التسبب في أزمة غذاء عالمية.
الصين وروسيا
وتأتي الاستراتيجية الأميركية الجديدة التي تأخذ في الاعتبار الأهمية السكانية المتزايدة لأفريقيا وثقلها في الأمم المتحدة، إضافة إلى مواردها الطبيعية الهائلة وفرصها في وقت يؤكد بعضهم على أن تركيز الولايات المتحدة على محاربة الجماعات المتطرفة في أفريقيا عسكرياً لم يحصد نتائج كبيرة.
تؤكد الوثيقة أن “للولايات المتحدة مصلحة كبيرة في ضمان إبقاء المنطقة مفتوحة ومتاحة للجميع، وأن الحكومات والشعوب يمكنها بنفسها اتخاذ خياراتها السياسية”.
وأضافت أن “مجتمعات مفتوحة تميل عموماً إلى العمل بالتنسيق مع الولايات المتحدة وجذب مزيد من التبادلات التجارية والاستثمارات الأميركية ومواجهة الأنشطة الضارة لجمهورية الصين الشعبية وروسيا والجهات الأجنبية الأخرى”.
الوثيقة التي تحمل عنوان “استراتيجية الولايات المتحدة تجاه أفريقيا جنوب الصحراء” تعرض بالتفصيل أربعة أهداف تمتد لخمس سنوات، دعم المجتمعات المفتوحة وتقديم مكاسب ديمقراطية وأمنية والعمل على الانتعاش بعد الجائحة وإتاحة الفرص الاقتصادية ودعم الحفاظ على المناخ والتكيف معه والتحول المنصف للطاقة.
بلينكن ووزيرة خارجية جنوب أفريقيا ناليدي باندور
تشير الوثيقة الأميركية إلى ادعاءات البيت الأبيض ضد بكين وموسكو في أفريقيا. وتعتبر أن بكين تتصرف فيها وكأنها “ساحة لتحدي النظام الدولي القائم على قواعد ولتعزيز مصالحها التجارية والجيوسياسية الخالصة، ولإضعاف علاقات الولايات المتحدة مع الشعوب والحكومات الأفريقية”.
أما بالنسبة إلى روسيا، فهي “ترى أن المنطقة تمثل بيئة مستباحة للشركات شبه الحكومية والعسكرية الخاصة، وغالباً ما تخلق حالة من عدم الاستقرار لكسب مزايا استراتيجية ومالية”، وفقاً للوثيقة الأميركية التي تشير أيضاً إلى استخدام “المعلومات المضللة”.
وبينما يعبر نحو 70 في المئة من الأفارقة عن دعمهم الحازم للديمقراطية، فإن عدد ما يسمى الدول الحرة تقلص إلى ثمانية وهو رقم لم يكن منخفضاً إلى هذا الحد منذ 30 عاماً.
الاستبداد والانقلابات العسكرية
تقترح الوثيقة بذل جهود متزايدة “لوقف الموجة الأخيرة من الاستبداد والانقلابات العسكرية من خلال العمل مع الحلفاء والشركاء في المنطقة للرد على التقهقر الديمقراطي وعلى انتهاكات حقوق الإنسان”.
وأضافت أن الولايات المتحدة ستستخدم “قدراتها الأحادية”، أي العسكرية، ضد أهداف إرهابية “فقط عندما يكون ذلك قانونياً وحيث يكون التهديد أكثر حدة”.
والهدف من ذلك هو إعطاء الأولوية “للمقاربات التي يقودها المدنيون حيثما يكون ذلك ممكناً وفعالاً”. وغالباً ما كان اهتمام الولايات المتحدة بأفريقيا لا يطغى على أولوياتها، وتأمل الإدارة الأميركية في تغيير سياستها.