حرية – (17/82022)
هل تخيّلت سجنًا مبنياً بين أشجار الغابات ولا يراقب المساجين في كلّ حالاتهم؟ بل إنّ المساجين أنفسهم لا يهربون منه رغم أنّ الفرصة متاحة لذلك. سجن “هالدن” في النرويج هو أحد أفضل السجون في العالم؛ إذ صمّمه مهندسوه على شكل فندق!
هالدن.. السجن الأكثر إنسانية
افتتح سجن هالدن سنة 2010، وهو ثاني أكبر سجن في النرويج، يعتمد على نظام إعادة تأهيل السجناء، عن طريق فتح المجال لتعليمهم الحِرَف أو الدراسة خلال فترة سجنهم.
وصلت تكلفة بناء هذا السجن 252 مليون دولار، وعلى مساحة 300 ألف متر مربع، يتسع لأكثر من 250 سجيناً، وقد افتتحه بشكل رسمي ملك النرويج هارالد الخامس.
يشار لسجن هالدن على أنه الأكثر إنسانية في العالم، فلا أحد يفكر في الهروب منه، على الرغم أنه بُني وسط الغابة والأشجار حيث تسهل عملية الركض والاختباء بينها، لكن لا أحد يفعل ذلك.
إذ إن الفكرة وراء بناء سجن هالدن جاءت من أجل مساعدة السجناء على الاندماج في المجتمع بعد انتهاء فترة عقوبتهم الحبسية، التي تصل أقصاها إلى 21 سنة، حسب قانون الحكومة النرويجية، التي تتبع مبدأ التوجيه في النظام الجنائي للبلاد، باعتبار أن النظام القمعي غير نافع، ولن يتمكن من تحويل المجرمين إلى مواطنين صالحين خلال فترة حبسهم.
وحسب ما ذكره تقرير لموقع “TIME”، تصل نسبة الأشخاص الذين يعودون إلى السجن في النرويج بعد سنتين من إطلاق سراحهم إلى 20%، فيما تصل النسبة إلى ما يقارب 60% في الولايات المتحدة الأمريكية، على الرغم من أن هؤلاء السجناء يعتبرون من بين الأخطر، فأغلبهم من المغتصبين والقتلة والمتحرشين بالأطفال، ومرتكبي جرائم المخدرات، الأمر الذي يبرز نجاح هذه السياسة التي تتبعها النرويج من أجل إعادة تأهيل السجناء، وضمهم إلى المجتمع من جديد.
غرف فندقية وأسوار من خشب
صمم المهندسون سجن هالدن بطريقةٍ مميزة، لتكون الأشجار وأجواء الطبيعة جزءاً من فضاءاته، كما أن الزنزانات تبدو شبيهة بغرف الفنادق، حيث تحتوي على سرير وثلاجة صغيرة ورف كتب وتلفزيون ومكتب، بالإضافة إلى حمام خاص مع دش ومرحاض ومغسلة.
كما أنه تم تصميم نوافذ الزنزانات بطريقة عمودية، لكي تسمح بدخول أشعة الشمس إلى الغرف، فيما تشترك كل 12 زنزانة في مطبخ مُجهَّز، وصالة ألعاب فيديو.
ومن بين المرافق أيضاً، هناك ستوديو موسيقي مجهز، وحديقة، وغرفة لممارسة الشعائر الدينية، وصالة رياضية، ومكتبة، وغرفة كمبيوتر، وقاعة لزيارة العائلة.
ويوجد داخل مبنى مدرسة السجن بقالة تحمل اسم “العدالة”؛ إذ يتمكَّن السجناء من شراء كل ما يحتاجونه هناك، وتحضير الطعام لأنفسهم في حال أرادوا ذلك.
وتم اعتماد تقسيم الفضاءات الداخلية للسجن بألوان طلاء مختلفة، لفصل مناطق المعيشة عن المدرسة، وعن فضاءات العمل، وتم تزيين جدران الفناء برسومات لفنان تشكيلي شهير من النرويج.
فكرة تصميم الفضاء الخارجي للسجن جاءت ليكون شبيهاً بالحياة خارجه، ويشعر السجناء أنهم جزء من المجتمع حتى خلال فترة قضاء عقوبتهم الحبسية.
وعوض الفولاذ، تم بناء أسوار السجن من الطوب وخشب الصنوبر، كون هذا الأخير يرمز إلى إعادة التأهيل والنمو، كما أن التصميم العام لجميع المرافق جاء بهدف تجنب الضغوط النفسية والصراعات بين الأشخاص.
كما أن سجن هالدن يتوفر على عدة وحدات من بينها وحدة منفصلة خاصة بالسجناء الذين يحتاجون إلى إشراف طبي دقيق، ووحدة أخرى تركز على تعافي السجناء من الإدمان، إضافة إلى مركز خاص لتعلم اللغة الإنجليزية، إضافة إلى النرويجية، من أجل التواصل في السجن، ابتداءً من سنة 2015.
زنزانات من دون كاميرات وحراس من دون أسلحة
أمّا فيما يخص نظام المراقبة، فإن السجن لا يتوفر على كاميرات في عدة مرافق، وهي الزنزانات، وممرات الزنازين، والغرف المشتركة، والفصول الدراسية، ومعظم ورش العمل.
وعلى الرغم من أن هذه المرافق غير مراقبة، إلا أن نسبة العنف والمشاجرات بين السجناء تعتبر قليلة جداً مقارنة بباقي السجون، وفي حال حدوثها، يتم إشراك المتشاجرين في جلسات صلح تحت إشراف موظفي السجن، وفي حال فشل هذه الجلسات يتم حينها اللجوء إلى حل الحبس الانفرادي.
كما يتم تقديم استبيانات للسجناء بشكل دوري، تسألهم عن كيفية تحسين خدمات السجن خلال فترة وجودهم فيه.
ومن أجل شعور السجناء بقدر أكبر من الأمان، وكذلك تمكين سهولة اندماجهم، يتجول الحراس وبقية الموظفين دون أسلحة داخل السجن، لأن وجودها على مرأى العين من الممكن أن يشكل نوعاً من الخوف لدى السجين.
وعلى عكس ما هو معروف في بقية السجون، هناك علاقة إنسانية تربط بين السجناء والحراس، من خلال اجتماعهم على طاولة الإفطار، أو شرب كوب من القهوة، أو من أجل لعب كرة السلة، أو حتى للحديث في مواضيع خاصة في إطار غير رسمي.
إذ يتلقى فريق عمل سجن هالدن دورات تدريبية خاصة تصل مدتها إلى عامين قبل الالتحاق بالعمل، من بينهم المعلمون والعاملون في مجال الرعاية الصحية والمدربون الشخصيون والحراس، من بينهم نساء.
كما يتم تدريب هؤلاء الموظفين على مبدأ فلسفة “الأمن الديناميكي”، المبنية على دراسة نفسية الإنسان والتعامل معه من خلالها، الأمر الذي يشجع الموظفين والسجناء على تطوير العلاقات الشخصية فيما بينهم.