حرية – (17/82022)
د. هيثم حميد مطلك المنصور
بعد ان شهد العراق توسعا كبيرا في انتاجه النفطي وارتفاع اقيام صادراته منه وتحقيق فائض الأرصدة المالية العامة والأرصدة الخارجية منذ عام 2021 والى الان، لايزال صاحب القرار مترددا في اجراء اي خطوة من شانها الشروع في الاصلاحات الهيكلية العاجلة في مسار النمو والاستقرار، فعلى الرغم من اقرار قانون الامن الغذائي فانه لايزال مقيدا في التنفيذ لاسباب كثيرة لسنا في صددها، مما يعيق حركة اعادة ضخ الاموال النفطية في مسارها الصحيح ، وذلك لوجود العديد من العوامل التي تعترض اي عملية او قرار يستهدف هذين الهدفين، من أخطرها على اداء وتوازن القطاعات في الاقتصاد الكلي، هشاشة بنية الاقتصاد العراقي.
المقصود بالهشاشة عدم تنوع مصادر الدخل في قطاعات الاقتصاد الكلي، اذ يمكن تشخيص هذه الهشاشة في واقع الاقتصادي العراقي انها تخضع لعوامل عدة، من بين اهمها على الصعيد الحالي، عامل التجاذبات والصراعات السياسية لتشكيل الحكومة والتي نشات منها العديد من المشاكل المالية من اخطرها عدم اقرار الموازنة، وعوامل تراكمية تتعلق بطبيعة الواقع الاقتصادي ذاته والاشكاليات المتعلقة بانخفاض قدرته على الانتاج والتصدير وتكوين التراكم الراسمالي التقليدي غير النفطي ، لصالح سيطرة القطاع النفطي على عملية توليد الدخل بسبب عدم قدرة قطاع الاعمال والسوق المالية على جذب الاستثمارات والقيام بها بالشكل اللازم منذ 2003 وحتى الان ، بسبب مايعانيه القطاعان من مشاكل كثيرة من ابرزها عدم فاعلية السوق النقدية لتوليد قيم اقتصادية حقيقية، وعامل مزاحمة القطاع الحكومي للقطاع الخاص، ما ادى الى انخفاض قدرة الاخيرعلى اقامة وجذب الاستثمارات اللازمة للنهوض بقاعدة انتاجية متنوعة يمكنها الحد من دفوعات الدولار الاستيرادية التي تغطي معظم مبالغها المالية من الانفاق الحكومي، تسببت في تآكل القدرة الانتاجية والتنافسية للبلد، واضعفت اداة مهمة من ادوات السياسة المالية في اقتصاد السوق وهي الضرائب، مما راكم من ضغوط التضخم وخفض من قدرة السياسة على استيعاب ارتفاعاته المستمرة ، لذا فان فاعلية اداء السياسة الاقتصادية يتأرجح بين هذه العوامل، فضلا عن العديد من العوامل غير الاقتصادية تتصل بواقع الادارة من اخطرها الفساد الاداري المستشري في مفاصل المؤسسات العامة والخاصة لاسباب كثيرة من اهمها غياب تنفيذ القانون والبيروقراطية والمحسوبية والمنسوبية ، كذلك العوامل غير الاقتصادية التي تتصل بطبيعة المجتمع ومؤسساته المختلفة وسلوكيات افراده التي تعمل على خفض قيمة عائد راس المال ونشاط الاستثمار الخاص.
كل هذه العوامل تعمل بشكل متظافر على تشويه مسار بلوغ الاهداف العامة للسياسة الاقتصادية بمفهومها الشامل، وفي ظل غياب الإصلاحات الهيكلية في القطاع الحقيقي ستظل الهشاشة الاقتصادية ومسبباتها الكثيرة عائقا حقيقيا لقدرة الاقتصاد العراقي على استيعاب إمكانات النمو والاستقرار.