حرية – (24/8/2022)
سلط تقرير نشرته وكالة “رويترز” الضوء على تفاصيل زيارة قائد فيلق القدس الإيراني إسماعيل قاآني إلى منزل زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، من أجل مناقشة، مستقبل السياسة العراقية ودور إيران المهيمن فيها” بسحب تعبير الوكالة الدولية.
ووفق التقرير الذي نشرته “رويترز”، الأربعاء، (24 آب 2022) فإن اللقاء كان في منزل الصدر، والطرف الثاني فيه كان قائد فيلق القدس، جناح الحرس الثوري الإيراني المسؤول عن العمليات العسكرية والاستخباراتية خارج الحدود الذي يستخدمه نظام الحكم في طهران لبسط هيمنته في الخارج، وهو المكلف من قِبل طهران بالحفاظ على نفوذها في العراق.
ادناه جزء من نص تقرير:
حسب أربعة مسؤولين عراقيين وإيرانيين مطلعين على تفاصيل المقابلة التي استغرقت نصف الساعة بمدينة النجف، استقبل الصدر القائد الإيراني بـ”جفاء واضح”.
كان يضع مقتدى الصدر على كتفيه كوفية الجنوب العراقي بلونيها الأبيض والأسود ويضع عباءة بنيّة، في هيئة محلية متعمدة تتناقض مع الثياب السوداء بالكامل والعمامة التي يعتمرها عادة في المناسبات العامة.
كان ملبس الصدر، حسبما قال المسؤولون، ينقل رسالة سياسية قومية خلاصتها: العراق، كدولة عربية ذات سيادة، سيشق طريقه بنفسه، دون تدخلات من جارته الإيرانية، على الرغم من الروابط الطائفية بين البلدين.
تحدى الصدر القائد الإيراني بحسب أحد المسؤولين وقال: “ما علاقة السياسة العراقية بكم؟… لا نريدكم أن تتدخلوا”.
بينما لم ترد الحكومة الإيرانية على طلبات أُرسلت إلى وزارة خارجيتها ووفدها في الأمم المتحدة للحصول على تعليق. كما لم يرد مكتب الصدر على أسئلة من “رويترز”.
كان مقتدى الصدر، حسبما ذكر المسؤولون، يغمره شعور بالثقة بعد سلسلة من المكاسب السياسية حققها تحالفه العراقي الناشئ (إنقاذ وطن) أمام إيران وأنصاره العراقيين الذين يرون طهران أفضل حليف.
الجنرال قاآني انتظر الاجتماع لأشهر
كان القائد الإيراني متوجساً، حسبما ذكر المطلعون على تفاصيل الزيارة. وظل يسعى إلى الاجتماع لأشهر، ودأب على زيارة العراق، وفي مرة صلى علانية عند قبر والد الصدر.
نقل المسؤولون الإيرانيون عن قاآني قوله إنه إذا ضم مقتدى الصدر حلفاء طهران إلى أي ائتلاف، فستعتبر إيران الصدر الشخصية السياسية الرئيسية بالعراق.
ظل الصدر ثابتاً، وشدد في تغريدة عقب الاجتماع على التزامه بحكومة خالية من التدخل الأجنبي. وقال في الرسالة الخطية التي نُقلت بالمسح الضوئي على تويتر: “لا شرقية ولا غربية.. حكومة أغلبية وطنية”.
خيبة أمل مقتدى الصدر
ما كان من جهود مقتدى الصدر للتصدي لمناورات إيران ودحرها إلا أن دفعتها ووكلاءها إلى شن هجوم مضاد سياسياً وعسكرياً، بما في ذلك توجيه ضربات صاروخية إلى حلفاء محتملين كان الصدر يتودد إليهم: هم الأكراد في شمال العراق والمسؤولون في دولة الإمارات.
بلغت خيبة الأمل من مقتدى الصدر مبلغها بسبب جمود الوضع والضغط الإيراني حتى أنه أمر في يونيو/حزيران نواب تياره في البرلمان البالغ عددهم 73 نائباً، أي ما يقرب من ربع أعضاء البرلمان، بالانسحاب من المجلس. وفي يوليو/تموز وأغسطس/آب، قاد الآلاف من أنصاره في اعتصام طويل بالمجلس.
مخاوف من إراقة الدماء في العراق
تثير حَميّة مقتدى الصدر قلق الكثيرين ممن يخشون أن يؤجج التوتر الحالي مزيداً من القلاقل وربما مزيداً من العنف داخل العراق وفي أنحاء الشرق الأوسط.
في تصريحات لـ”رويترز”، قالت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في العراق جينين هينيس-بلاسخارت: “إذا كنا نريد الاستقرار في الشرق الأوسط، فلن يتحقق هذا طالما تعتمل الاضطرابات العامة والمنافسات على السلطة في العراق، الذي سيصبح بعد ذلك ساحة للمنافسات الإقليمية”.
قال قائد في أحد الفصائل المتحالفة مع إيران في جنوب العراق عن اجتماع فبراير/شباط: “الصدر يمكن أن يقودنا إلى حرب شيعية على الشيعة”.
لفهم أفضل لحالة عدم الاستقرار التي تجتاح العراق، تحدثت “رويترز” إلى أكثر من 40 من المسؤولين العراقيين والإيرانيين والسياسيين والدبلوماسيين الأجانب والسكان المحليين. وتحدث بعض المسؤولين، بمن فيهم من وصفوا الاجتماع بين مقتدى الصدر وقاآني، شريطة عدم الكشف عن هويتهم.
كما راجعت وكالة الأنباء عشرات الوثائق الحكومية التي تتناول بالتفصيل قرارات قضائية والإنفاق الحكومي وتحقيقات الفساد، وتحركت في أنحاء الجنوب الفقير حيث يسكن معظم المواطنين الشيعة، وحيث يقول سكان إن الأزمة في تفاقم من المشكلات المتجذرة مع الكسب غير المشروع والإهمال المؤسسي.
قال وليد الدهامات، وهو مدرس في بلدة العمارة الجنوبية الفقيرة وشقيق ناشط محلي قتله مسلحون مجهولون في 2019: “تدور معركة سياسية في بغداد، ونحن عالقون وسطها”.
“توقعوا الكثير من المصاعب”
قبل أن يجتمع الصدر وقاآني، قرر بعض حلفاء إيران التعبير عن استيائهم من أي تحرك يتم بعيداً عن طهران.
في الثاني من فبراير/شباط، شن فصيل غير معروف مقره جنوب العراق ضربات بطائرات مسيرة على العاصمة الإماراتية أبوظبي.
قال الفصيل الذي يحمل اسم (ألوية الوعد الحق) إن الضربات جاءت رداً على تدخل الإمارات في العراق واليمن الذي يشهد حرباً أهلية مشتعلة بين وكلاء إقليميين في مقدمتهم السعودية وإيران.
بينما قالت الإمارات حينئذ إنها اعترضت الضربات. لكن الهجوم أصاب الإماراتيين بالفزع، بحسب مسؤول حكومي عراقي ودبلوماسي غربي واثنين من قادة السنة العراقيين الذين عملوا مع مبعوثي الإمارات في محادثات الائتلاف. وأرسلت الإمارات مسؤولين إلى طهران وبغداد لتهدئة التوتر.
أشار الجبوري، الزعيم السني الذي شارك في جهود تشكيل حكومة، إلى أن التزام الإماراتيين تذبذب تجاه الصدر. واجتمع الصدر وقاآني في الأسبوع التالي.
قال عدد من مستشاريه لـ”رويترز” بعد ثلاثة أيام من المقابلة التي شابها التوتر، إن مقتدى الصدر استدعى مساعديه لمنزله. وأضافوا أنه كان محبطاً بشكل واضح بسبب تصاعد التوتر، بل إنه عاد للتدخين، وهي عادة قديمة كان قد أقلع عنها ولم يمارسها قط في الأماكن العامة.
كما قال أحد المستشارين، الذي تطابقت روايته حول الاجتماع مع روايتي اثنين آخرين من كبار التيار الصدري على دراية بالاجتماع: “لقد أخبر سماحة السيد الحضور بالتالي: خصومنا الآن ليس فقط من يعارض حكومة أغلبية وطنية، بل خصمنا أيضاً الآن هو الدولة الجارة لذلك توقعوا الكثير من المصاعب والعقبات في الأيام القادمة، وعلينا جميعاً أن نتوكل على الله لمواجهة الضغوطات الهائلة المسلطة علينا الآن وفي الأيام القادمة”.