حرية – (28/8/2022)
في يونيو/حزيران 2018 حل الرئيس النيجيري محمد البخاري ضيفاً على المغرب، فتم التوقيع على مجموعة اتفاقيات بين الرباط وأبوجا أهمها مشروع الغاز نيجيريا المغرب، الذي سينقل غاز إفريقيا إلى أوروبا.
وفي 31 يناير/كانون الثاني 2021، أجرى ملك المغرب والرئيس النيجيري مكالمة هاتفية أعلن عن فحواها في بيان للديوان الملكي، عبّر من خلاله قائدا البلدين عن عزمهما مواصلة وإنجاز المشاريع الاستراتيجية، وعلى رأسها خط الغاز بين البلدين.
ومع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية وتصدر أزمة الغاز الروسي للواجهة، بدأت دول الغرب تبحث عن بديل يعفيها من تهديدات موسكو، فأُعيد طرح مشروع الغاز نيجيريا المغرب.
ما هو مشروع الغاز نيجيريا المغرب؟
يُعد مشروع الغاز نيجيريا المغرب أطول أنبوب يمر منه الغاز في العالم، فسيمتد على طول 5660 كيلومتراً، وسيخترق دول بنين وتوغو وغانا وساحل العاج وليبيريا وسيراليون وغينيا وغينيا بيساو وغامبيا والسنغال وموريتانيا.
ويعتبر مشروع الغاز نيجيريا المغرب توسيعاً لمنشأة كانت تضخّ الغاز من جنوب نيجيريا إلى كل من البنين وتوغو وغانا منذ 2010.
وقال وزير الموارد البترولية النيجيري تيميبري سيلفا إن خط الأنابيب الذي يسعى المغرب ونيجيريا إلى تشييده، سيكون توسيعاً لمنشأة تضخّ الغاز من جنوب نيجيريا إلى بنين وتوغو وغانا منذ عام 2010.
مسؤول في “المكتب الوطني للهيدروكربورات” (حكومي)، سبق وصرح لـ”عربي بوست”، بأن “دراسة جدوى مشروع الغاز نيجيريا المغرب اختتمت بالقرار المشترك بين البلدين، للانطلاق إلى مراحل الدراسات الهندسية التفصيلية”.
وأضاف المتحدث أنه “إلى حدود الآن قُيِّمت عشرة مسارات تمرّ عبر دول المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا غير الساحلية التي يُمكن أن يمر منها مشروع غاز نيجيريا المغرب”.
وكشف المتحدث في تصريح سابق لـ”عربي بوست” أنه “تم اعتماد أربعة معايير لاختيار هذه المسارات، وهي: العامل الأمني، ومناطق أخذ الغاز والإمداد، والتكاليف، بالإضافة إلى التأثيرات المجتمعية والبيئية، الشيء الذي مكّن من تجميد المسار البحري كطريق أمثل”.
منافسة بين المغرب والجزائر
لا ينكر متتبع للشأن في شمال إفريقيا أن المغرب يسعى إلى تركيز يده في دول إفريقيا جنوب الصحراء، ومشروع الغاز نيجيريا المغرب سيكون داعمة أساسية للرباط لتربح على عدة أصعدة، كيف ذلك؟
بعد أن اختارت الجزائر أن تنهي عقد مشروع أنبوب الغاز “ميدغاز” الذي ينقل الغاز من صحراء الجزائر إلى أوروبا، ضاع على المغرب مصدر كان يمده بالغاز مقابل الأنبوب الذي كان يمر من أراضيه.
ورغم أن المغرب يقول إنه لم يتأثر من توقف تدفق الغاز الجزائري على أراضيه إلا أن الحقيقة تقول عكس ذلك، فالرباط تسعى لأن تبحث عن بديل لغاز جارتها، فأعادت إحياء مشروع الغاز نيجيريا المغرب الذي ترى فيه حلاً لها.
لكن الجزائر ترى أن مشروع الغاز نيجيريا المغرب كان في الأصل جزائرياً، والخطوة المغربية جاءت لإجهاض خط أنبوب الغاز العابر للصحراء بين الجزائر ونيجيريا، في الوقت الذي ينفي فيه المغرب وجود أي منافسة على المشروع مع جارته الشرقية.
ووقعت الجزائر في 2002 اتفاقية إنشاء مشروع أنبوب غاز نيجيريا الصحراء سيتم بموجبه نقل الغاز النيجيري إلى أوروبا عبر الجزائر، إلا أن هذه الأخيرة ماطالت في التنفيذ خوفاً من المنافسة مع غازها الذي تُصدر جزءاً مهماً منه إلى أوروبا.
ويمتد أنبوب الغاز العابر للصحراء من نيجيريا إلى النيجر ثم الجزائر، لتصدير الغاز إلى السوق الأوروبية، ويبلغ طوله نحو 4128 كيلومتراً، ويستهدف نقل 30 مليار متر مكعب من الغاز النيجيري سنوياً نحو أوروبا.
ويعتبر أنبوب غاز نيجيريا الصحراء الأقرب إلى الواقع في التنفيذ؛ نظراً لأن الجزائر تتوفر على بنية تحتية جاهزة لنقل الغاز فوق أراضيها، كما أن الغاز النيجيري يحتاج فقط أن يمر عبر بنين والجزائر ليصل أوروبا.
من أين سيأتي التمويل؟
سيحتاج مشروع الغاز نيجيريا المغرب إلى قيمة استثمارية حددت في 25 مليار دولار، مولت منها الأوبك 14.3 مليون دولار المرحلة الثانية من دراسة المشروع، والتي تعتبر بالنسبة للمغرب قطعة من الذهب.
وقبل سنوات كانت الدول الكبرى في العالم تتهرب من تمويل أنابيب الغاز القادمة من نيجيريا نظراً لكثرة العرض حينها، فالغاز الروسي كان محتكراً للأسواق وملبياً احتياجات الغرب، لكن اليوم أوروبا تريد أن تقلل تبعيتها لموسكو وتبحث عن بديل لغازها.
وكشف وزير النفط النيجيري تيمبري سيلفا أن بلاده تتوفر على أكثر من 206 تريليونات قدم مكعبة من احتياطي الغاز الطبيعي، واحتياطي غير مؤكّد يبلغ 600 تريليون قدم مكعبة تريد نقله إلى أوروبا عبر شمال إفريقيا.
وقال المتحدث إن بلاده والمغرب ما زالا يسعيان للحصول على أموال لتمويل مشروع خط أنابيب ضخم لنقل الغاز النيجيري إلى شمال إفريقيا ثم إلى أوروبا، بما أن نيجيريا هي الأولى في إفريقيا في هذا المجال والسابعة في العالم.
وأعلنت وزيرة الاقتصاد والمالية نادية فتاح في 29 أبريل/نيسان 2022 أن المغرب وقع وثيقة قضائية متعلقة بتمويل المرحلة الثانية من دراسات الجدوى قبل الشروع في تنفيذ مشروع غاز نيجيريا المغرب.
الوزير النيجيري قال إن الروس زاروا مكتبه الأسبوع الأخير من شهر أبريل/نيسان 2022 وقدموا له عرض تمويل أنبوب الغاز، وهناك مقترحات أخرى عالمية إلا أن نيجيريا التي تعتبر عوضاً في منظمة الأوبك لم تحسم بعد قضية التمويل.
وأمام التحدي المالي، فأمام المستثمرين المحتملين للمشروع القبول بالوضع الأمني في المنطقة، فنيجيريا التي سينطلق منها الغاز تنشط فيها مجموعة بوكوحرام الإرهابية، كما أن الصحراء المغربية في نظر القانون الدولي منطقة متنازع عنها.
بالإضافة إلى أن العديد من الدول التي يعبر عليها خط الغاز على غرار ساحل العاج وتوغو وغانا وغينيا بيساو، لديها توترات أمنية متواترة في الكثير من الأحيان.