حرية – (10/9/2022)
حذام زهور عدي
لم يعد أحدٌ يجادل بحقيقة الهيمنة الإيرانية على سوريا إلا حسن نصر الله، وإذا وضعنا جانبًا أعداد القتلى الذين يشيعون في إيران والمندوبين الإيرانيين الذين يفاوضون الثوار المحليين في كل منطقة تحاصرها قوات الأسد، يأتي الرد من تصريحات مسؤوليهم تارة باعتبار سوريا الولاية الإيرانية الـ35، وطورًا باحتلالهم دمشق كأحد العواصم العربية التي استولوا عليها.
لكن إذا كانت هيمنتهم على هذا القدر فلماذا يأتي الغزو الروسي؟ هل فشلت إيران مع ما استنفرته من مليشياتها المذهبية في إنهاء الحرب السورية بالرغم من التغطية الروسية السياسية في مجلس الأمن؟ أم أن قرب انهيار الأسد جعل روسيا تهرول لتأخذ حصتها من الكعكة السورية التي تعبت في إنضاجها؟ بعد أن فقدت الثقة بالحليفة إيران نتيجة الاتفاق النووي، أو ربما هناك تنسيق وتفاهم بينهما لإنقاذ الأسد بعد أن فاحت رائحة تدخل سعودي – تركي في سبيل إنهائه؟
آراء السياسيين حول دور روسيا وإيران
انقسم العرب والغرب في التحليل السياسي، إذ ينقل سركيس نعوم (صحفي وكاتب سياسي لبناني ينشر في جريدة النهار)، عن المراسلين الغربيين أن إيران ليست مسرورة من التدخل الروسي، وأن النظام السوري أعلمها بالأمر قبل تنفيذه بساعة، وبأنه ليس من مصلحة إيران وتابعها الأسد أن يتحولا إلى رهائن بيد بوتن.
ويرى المعارض السوري ميشيل كيلو أن من أهم الأهداف الروسية عزل موسكو عن بقية الدول الفاعلة في الحدث السوري، ويدعمه فايز سارة في قضية أن الدب الروسي يأكل عسل الملالي، بينما يسير راجح الخوري (كاتب لبناني ينشر في الشرق الأوسط) ونديم قطيش بهذا الاتجاه، ويتبعهما المحللان الإيرانيان محمد مدحجي وحسن هاشميان، اللذان وجدا أن هناك خلافًا أصبح أكثر وضوحًا بين إيران وروسيا بعد الاتفاق النووي، وتوافقهما الكاتبة الإسرائيلية آنشل بير، في مقالها المنشور بصحيفة هآرتس.
يعتمد ذلك التحليل على تصريح روحاني أولًا الذي ينفي التحالف للقضاء على الإرهاب وفق اقتراح روسيا، ويرى أن ذلك من مهمات شعوب المنطقة، وعلى اختلاف الأهداف والمصالح لكلٍ منهما ثانيًا، بل يذهب إلى إمكانية تخلي بوتين عن الإيرانيين في حال توصله إلى صفقة مرضية له، وبخاصة حول مصير الأسد.
لكنّ فريقًا آخر على رأسهم جمال خاشقجي (صحفي وإعلامي سعودي) الذي يرى أن من الجهل الاعتقاد بأن الوجود الروسي في سوريا سيكون على حساب إيران، وبأنه هناك اتفاق بينهما على تقاسم النفوذ في البلاد.
ويدخل آلاف المقاتلين العراقيين والإيرانيين سوريا يوميًا من أجل الإبقاء على الأسد وتجاوز اتفاق جنيف1، بحسب خاشقجي، معتمدين على خلط الأوراق مع الإرهاب وحماية الأقليات، ويؤيده عبد الوهاب بدرخان (كاتب ومحلل سياسي سوري)، إذ يرى أن سحق المعارضة المسلحة السورية والإبقاء على الأسد هدفان أساسيان لكليهما لا يسمحان إلا بالتنسيق بينهما وتعاونهما.
بدرخان قال إن خامنئي هو من طلب التدخل الروسي بعد فشله بتحقيق الانتصار على الثورة السورية، مرسلًا قاسم سليماني لتنسيق العمل العسكري، وتعهد مع الصين بالتغطية المالية للحملة مرددًا قول تابعه الأسد “الانتصار العسكري أولًا”، فالخوف من التدخل الإقليمي وانتصارات المعارضة وانهيار دفاعات الأسد، جعله يلح على إنجاز نصر حاسم وسريع.
آراء المدنيين السوريين
وللسوريين عبر صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي آراء مختلفة، فالأكثرية يرون التدخل الروسي احتلالًا وعدوانًا واضحًا يهدد سوريا الدولة والوطن والشعب، بينما يرى آخرون أنه يقرب إمكانية الحل السلمي ليس للتنسيق الذي يلوح بالأفق الأمريكي فحسب، وإنما لأن المصالح الغربية والخليجية والإقليمية تقتضي العمل الجدي من أجل حل هذه المعضلة قبل تهديد السلام العالمي.
ونقرأ عند آخرين بأنهم يفضلون الاحتلال الروسي على الإيراني، لأن المجتمع معه سيكون بمنأىً عن التشييع والتشرذم، والملفت للنظر أننا نجد مثل هذا الرأي في صفحات الموالين من الطائفة العلوية وغير الموالين من الطوائف الأخرى وإن كانوا أقلية.
إذن لاشك أن لدى الطرفين مصالح مشتركة، جعلتهما يتحالفان سابقًا ولاحقًا، أحدها الموقف شبه العدائي للولايات المتحدة الأمريكية وبخاصة قبل الاتفاق النووي الإيراني، وبينهما مصالح في آسيا الوسطى وبحر قزوين ذي الثروات الهائلة، ولكنهما ليستا متطابقتين تمامًا، فالغاز الإيراني قد ينافس الروسي إذا استطاعت إيران إيصاله إلى أوروبا عبر أنابيب تمر من سوريا إلى شرق المتوسط.
وليس من مصلحة روسيا استيلاء إيران على ثروات النفط والغاز المكتشفة على الشواطئ السورية، أو ترك قواعدها البحرية في اللاذقية وطرطوس تحت اليد الإيرانية التي قد تتعاون مع الغرب والأمريكان بعد الاتفاق النووي، ولا من مصلحتها ظهور دولة تتحكم من أفغانستان إلى البحر المتوسط، على تماس مع الحدود الجنوبية لروسيا ودول آسيا الوسطى التي تحوي نسبة من الشيعة بين سكانها. هذا بصرف النظر عما تطلبه روسيا ثمنًا لدعمها الأسد سياسيًا وعسكريًا بالأسلحة والمستشارين، والأهم هو الوجود الإسرائيلي الذي تتعهد روسيا كأمريكا بحمايته إلى الأبد.
ولأن إيران تعرف ذلك ارتبكت أول الأمر في الإعلان عن التنسيق الروسي – الإسرائيلي، وهذا سر الاختلاف بين تصريحي روحاني وحسن نصر الله، لكنها ما لبثت أن غضت بصرها وسمعها عنه، ووجدت أن الأولوية هي في دعم الأسد وسحق المعارضة، أما الأمور الأخرى فستبقى رهن قوة نفوذ أيٍ منهما فيما تبقى من الجيش السوري وأجهزة الأمن، وأيهما يُمسك بمفاتيح القرار ومفاصل القوة الأرضية.
وحتى ذلك الوقت سيبقى الشعب السوري والوطن ينزفان دماءً تصبغ القرن الحادي والعشرين بالحمرة القانية.