حرية – (14/9/2022)
زاد الإقبال على اللعبة بشكل واسع مع حال الإغلاق التي شهدتها كثير من الدول بعد تفشي الجائحة
توصف بأنها لعبة الحرب بين فكرتين، ساحتها الرقعة وجنودها القطع وقادتها اللاعبون، وتسلتزم موهبة عالية وتركيزاً كلياً وذهناً يقظاً وواعياً، تلك هي لعبة الشطرنج، ولا يمكن أن يبدأها لاعب بتحريك القطع ارتجالاً، فللعبة قواعد واستراتيجيات وخطط تحدد تحرك البيادق والرخ والحصان والفيل والوزير لحماية الملك من التهديد.
تعتمد لعبة الشطرنج على لوحة مقسمة إلى أربعة وستين مربعاً يتداخل فيها اللونان الأبيض والأسود، ويتنافس في اللعبة شخصان فقط لكل منهما ستة عشر حجراً بأشكال مختلفة، يحركها بمختلف الاتجاهات ضمن قوانين محددة، وهذه الأحجار مقسمة إلى ثمانية جنود أو ما يعرف بالبيادق وحصانين وفيلين وقلعتين ووزيرين وملك واحد لكل منهما، ويتصارع الفريقان بغية تحقيق الهدف، وهو محاصرة ملك الخصم وإسقاطه.
تدعي كثير من الدول بأن حضاراتها أول من عرف الشطرنج، وتشير الدراسات الأثرية إلى أن سكان وادي الرافدين عرفوا لعبة الشطرنج في العصر السومري، حيث عثر المنقبون في مدينة أور على لوحة تشبه رقعة الشطرنج تعود إلى الألف الثالث قبل الميلاد. وفي الحضارة المصرية عثر في مقبرة توت عنخ آمون عام 1930 على رقعة شطرنج صفت عليها قطع اللعب، وهذا دليل على أن الفراعنة عرفوا الشطرنج منذ 1400 قبل الميلاد.
ازدهرت لعبة الشطرنج في العصر العباسي، وأول لاعب مشهور في هذا العصر هو أبو حافظ الشطرنجي، الشاعر في بلاط هارون الرشيد، وكان الخليفة المأمون من كبار هواة الشطرنج، ويذكر أنه قال “غريب حقاً أنني أحكم العالم من نهر الهندوس في الشرق حتى جبال الأندلس في الغرب ولا أستطيع أن أتدبر الأمر مع 32 قطعة على رقعة شطرنج طولها شبران وعرضها شبران”.
كما أن أبو بكر الصولي، المولود في بغداد ودرس الحديث والفقة واللغة والأدب والشعر والتاريخ، كان يشتهر بمهارته في لعبة الشطرنج، وقد هيأت له براعته الفائقة في إتقانها أن يصبح واحداً من أهم روادها في زمانه، حتى قيل إنه من صنع اللعبة لمهارته فيها.
الهروب إلى الرقعة
زاد الإقبال على لعبة الشطرنج بشكل واسع مع حال الإغلاق التي شهدتها كثير من الدول بعد تفشي جائحة كورونا، ويوضح اللاعب المدرب الدولي طلال حمودة أن لعبة الشطرنج من الألعاب الذهنية التي تجعل من يمارسها يتعلق بها بشكل كبير، وتأثيرها ينعكس إيجاباً على شخصيته، إذ تساعد على زيادة التركيز وتنمية مهارت حل المشكلات وإدارة الوقت.
حمودة هو مؤسس “أكاديمية الشطرنج العربي” عام 2019، وهي أول أكاديمية عربية للعبة على الإنترنت، وتضم أكثر من 30 ألف مشترك بمختلف المستويات.
يوضح حمودة أن الهدف الأساس من إنشاء الأكاديمية هو “عمل منصة تساعد المهتمين من لاعبين وهواة على إيجاد مصدر لتطوير مهاراتهم من خلال تقديم دروس وورشات عمل في الشطرنج، وكذلك حصص تدريبية جماعية وفردية بالتعاون مع نخبة من اللاعبين”.
يرى حمودة أنه على الرغم من وجود الألعاب الإلكترونية وتنوعها فإن ذلك لم يؤثر في شعبية اللعبة، بل على العكس أصبحت بديلاً لكثير من الألعاب.
ويوضح أن اللعبة مختلفة تماماً عن الألعاب الأخرى، إذ تمتلك الميزة الفريدة التي تخول لها التطور والاستمرار في ظل الانتشار الواسع للألعاب الإلكترونية، إضافة إلى أنه يمكن لعب الشطرنج إلكترونياً شأن بقية الألعاب التي تمارس عبر الإنترنت، كما يمكن إقامة البطولات التي تجمع لاعبين ولاعبات حول العالم للعب في اللحظة ذاتها.
حرب افتراضية
يرى أمير الرئيسي، رئيس “الأكاديمية العالمية العمانية للشطرنج”، أن “انتشار لعبة الشطرنج إلكترونياً أسهم في زيادة عدد الراغبين بتعلمها وقد اتضح هذا أثناء جائحة كورونا، فقد كانت تقام بطولات ودورات وتدريبات من طريق روابط الشطرنج”.
في السياق نفسه، يوضح اللاعب والمدرب الدولي طلال حمودة أن تطوير مهارة لاعب الشطرنج يأتي من خلال التدريب والدراسة والممارسة ووجود مدربين ذوي خبرة وباع في اللعبة لمعرفة نقاط القوة والضعف عند اللاعبين.
لكنه يرى أن المحركات التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي أسهمت كثيراً في تطوير نظريات الشطرنج القديمة ومهارات اللاعبين من خلال مساعدتهم في تحليل المباريات والنقلات ومعرفة أفضلها في مختلف المواقف، كما أن هذه التطبيقات أسهمت في انتشار اللعبة وزيادة عدد ممارسيها.
مصر تتصدر
تعد مصر أكثر الدول العربية امتلاكاً للاعبين الذين يحملون ألقاباً دولية في الشطرنج، إذ تتصدر القائمة بـ80 لاعباً، وبعدها الجزائر بـ74 لاعباً، وهذه الألقاب تمنح بناء على التصنيف الدولي، إضافة إلى النتائج في المسابقات والبطولات العالمية.
وتصنف الألقاب الدولية في الشطرنج كما يذكر طلال حمودة من الأدنى إلى الأعلى، وهي بالترتيب “أستاذ مرشح” ويرمز له بـ(CM)، و”أستاذ اتحادي” (FM)، و”أستاذ دولي” (IM)، وفي القمة “أستاذ دولي كبير” (GM)، أما الألقاب الخاصة بالسيدات فيسبقها حرف (W).
رئيس “الأكاديمية العالمية العمانية للشطرنج” يوضح أن الأبطال العرب حققوا مراكز متقدمة في هذه اللعبة، ومنهم باسم أمين من مصر، وهو بطل العرب للرجال ثلات مرات وبطل أفريقيا للرجال خمس مرات، كما أنه حاز برونزية بطولة العالم للشباب، وهو أول لاعب عربي وأفريقي يتخطى تصنيف (2700) في التاريخ، كما تحظى مصر أيضاً باللاعب أحمد عدلي، بطل العالم للشباب وبطل أفريقيا.
ويوضح أن الإمارات العربية المتحدة تضم لاعباً ضمن قائمة أفضل مئة لاعب في العالم، هو سالم عبد الرحمن الذي يحتل المركز 64 بتصنيف دولي (2677).
الاتحادات العربية
لا تحظى لعبة الشطرنج بالاهتمام الذي تحظى به الألعاب الأخرى مثل كرة القدم أو الألعاب الأولمبية، وفي هذا السياق يوضح رئيس “الأكاديمية العمانية” أن سلطنة عمان انضمت إلى “الاتحاد الدولي” عام 2014، لكن لا يوجد في السلطنة اتحاد للشطرنج، حيث تقوم لجنة معنية بالمهمة، ويتمنى إنشاء اتحاد للعبة في السلطنة ليقوم بمهمة التطوير المتقدم لنشاط الشطرنج، وليقدم خدمات أكثر وأفضل.
يرى اللاعب والمدرب الدولي طلال حمودة أن لعبة الشطرنج لا تحظى باهتمام كاف من الاتحادات العربية مقارنة مع ألعاب أخرى، والسبب يعود من وجهة نظره إلى عدم وجود تغطية إعلامية ودعم مادي للعبة.
يقول حمودة إن الاتحادات العربية بحاجة إلى وضع استراتيجيات وخطط فعالة لتطوير اللعبة والعمل على نشرها بشكل أوسع من خلال توفير دعم مادي وإدخال اللعبة ضمن المنهج الدراسي للطلاب لأن هذا سيساعد على اكتشاف المواهب في مختلف الفئات العمرية، كما يجب الاستمرار في صقل وتطوير هذه المواهب من خلال الاتحادات والأندية المختلفة.
في العراق، تأسس “اتحاد الشطرنج” عام 1971، وكانت له مشاركات عربية ودولية ولاعبون مصنفون عالمياً ضمن “الاتحاد الدولي للشطرنج”، وتصنف الأندية هناك وفق ثلاث فئات “الممتازة، والدرجة الأولى، والدرجة الثانية”.
يوضح رئيس “اتحاد الشطرنج” العراقي ظافر عبد الأمير الجبوري، أن عدم الاهتمام بالألعاب الفردية أثر في تطور رياضة الشطرنج، فليس هناك اهتمام حكومي بالألعاب الفردية وبالذات غير الأولمبية، ما أثر بشكل سلبي في تطور اللعبة في العراق.
على الصعيد اليمني، يشير فادي بجاش وهو أستاذ ومدرب وطني ومنظم بطولات دولي في “الاتحاد الدولي للشطرنج”، إلى أنه على الرغم من وجود لاعبين يمنيين مصنفين عالمياً مثل بشير القديمي (2400)، فإن هناك تقصيراً في الاهتمام باللعبة، لا سيما في ظل الحرب المستمرة، فلعبة الشطرنج “تتطلب دعماً أقوى من الحالي من وزارة الرياضة وفتح مراكز شطرنج خاصة وإقامة بطولات بشكل مستمر”.
استراتيجيات متجددة
يجمع المدربون وهواة لعبة الشطرنج على أن هذه اللعبة لا يمكن لمن يواظب عليها أن يتسلل إليه الملل مثل الألعاب الأخرى، فالشطرنج رياضة ذهنية متجددة، ويوضح أمير الرئيسي أن “جمال اللعبة يكمن في خططها الاستراتيجية التي لا تنتهي، بالتالي فإنها تجعل الأفكار والعقول مبدعة ومتجددة”. ويقول فادي بجاش إن “الشطرنج حياة، فاللعبة تتجدد باستمرار والاحتمالات فيها لا نهائية”. أما طلال حودة، فيؤكد أن الاحتمالات اللانهائية للشطرنج تجعل منها عالماً قابلاً للتطور والتحديث المستمر”.
“الثقة بالنفس والصبر والانضباط” سلوكيات يرى رواد لعبة الشطرنح أنها تتحق من خلال تحريك القطع، ولعل هذا ما يحتاج إليه الشباب في العالم العربي الذين يعيشون في دول مضطربة سياسياً وأمنياً واقتصادياً.