حرية – (15/9/2022)
شهدت مدينة رأس العين السورية الواقعة في ريف محافظة الحسكة، في الساعات الماضية، جريمة قتل “وحشية” راح ضحيتها طفلٌ عراقي يدعى “ياسين رعد المحمود”، وبينما اتهم ناشطون و”المرصد السوري لحقوق الإنسان” مقاتل في تشكيل عسكري محلي بالوقوف وراءها، نفى الأخير ذلك.
وتُحسب “رأس العين” على منطقة “نبع السلام” التي يسيطر عليها تحالف “الجيش الوطني السوري” المعارض، وقد أشعلت هذه الجريمة، حسب نشطاء حالة من الغليان الشعبي، منذ الساعات الأولى من صباح يوم الخميس، في ظل مطالب بـ”إعدام الفاعل”.
ويعيش “المحمود” في المدينة مع أمه، منذ سنوات، وهو طالب في “معهد صلاح الدين” التابع لمنظمة “هيئة الإغاثة الإنسانية التركية” (ıhh)، وكان “محبوبا ودائما ما يشارك في المظاهرات الشعبية في رأس العين”، وفق الناشط الإعلامي، عبد الباسط أحمد.
ويقول أحمد الموجود في رأس العين والمطلع على الحادثة لموقع “الحرة” إنه وجد مقتولا ليلة الأربعاء في منزل مهجور خلف المسكن الذي يقيم فيه مع أمه وجده وأخوته، وذلك بعدما انفقد التواصل معه منذ يومين.
ويضيف الناشط أن تقرير الطب الشرعي في المنطقة وبعد العثور على الجثة أثبت تعرضها لممارسات “تعذيب وضرب واغتصاب”، قبل أن يفقد الطفل حياته، إثر تعرضه لضربات على الرأس بأداة حادة.
وهذه المعلومات أكدها أيضا الصحفي، علي النجار، المقيم في رأس العين، مشيرا في حديث لموقع “الحرة” إلى أن “الطفل ياسين كان مقيما في رأس العين مع 3 من أخواته وأمه التي تعمل في بيع الخبز بإحدى حارات المدينة”.
وبينما تباينت الروايات المتعلقة بـ”مرتكب الجريمة” بعد الكشف عنها، إلا أنها تقاطعت باسمه، وأنه ينحدر من منطقة ريف حماة، ووصل إلى رأس العين للإقامة قبل عشرة أيام.
وقال “المرصد السوري لحقوق الإنسان” إن “الجريمة ارتكبها أحد عناصر فصائل الجيش الوطني الموالي لتركيا”، مضيفا: “حيث قام المدعو مصطفى سلامة، وهو عنصر بفصيل صقور الشمال التابع للجيش الوطني، باختطاف الطفل ياسين، والاعتداء عليه جنسيا وجسديا، ومن ثم قتله بدم بارد ورميه أمام منزله”.
لكن الفصيل المذكور نفى أن يكون مرتكب الجريمة ضمن صفوفه، وذلك في تعليق قائده حسن خيرية على أسئلة طرحها موقع “الحرة” عبر تطبيق المراسلة “واتسآب”.
وقال خيرية: “القاتل كان مسجونا عند حزب العمال الكردستاني وخرج من هناك قبل أسبوع وجاء للإقامة في رأس العين. بعد وصوله إلى المدينة سكن في حارة قريبة على المقرات التي تتبع لنا”.
وأضاف القيادي: “من نفذ الجريمة ليس عسكريا. هو مدني. عناصرنا من أقدمت على اعتقاله بعد الكشف عن قتل الطفل ياسين، ومن ثم سلموه لفرع الشرطة العسكرية”.
وإلى جانب الروايتين انتشرت رواية ثالثة، حيث نشر تجمع لأهالي المنطقة التي ينحدر منها القاتل بيانا جاء فيه أن الأخير “وبعد وصوله إلى رأس العين منذ عشرة أيام قام أحد أبناء مدينتا بإيوائه (يدعى الشيخ نجيب) ريثما يتم التواصل مع عائلته، وإيصاله إلى منطقة درع الفرات في ريف حلب”.
و”الشيخ نجيب” هو إحدى الشخصيات المحسوبة على فصيل “لواء صقور الشمال”، الذي اتهمه “المرصد السوري لحقوق الإنسان”، ونشطاء إعلاميون آخرون من المنطقة أيضا.
وأضاف البيان: “المجرم قام بارتكاب الجريمة، وتم إلقاء القبض عليه لاحقا من جانب الشرطة العسكرية”.
“من ياسين إلى جوى”
وبات هذا النوع من الجرائم يتكرر باضطراد في سوريا، على اختلاف مناطق النفوذ التي تسيطر عليها جهات عسكرية وسياسية مختلفة.
وقبل أقل من شهر هزّت جريمة قتل “بشعة” مدينة حمص الخاضعة لسيطرة النظام السوري، إذ راح ضحيتها الطفلة جوى استانبولي، بعدما فقدت لأيام، ليتم العثور على جثتها في مكب للنفايات.
قبل ذلك أيضا وبصورة متكررة، رصدت عدة تقارير تزايد حالات اختطاف الأطفال من قبل عصابات مجهولة في سوريا، مع استمرار تردي الأوضاع الأمنية والاقتصادية.
كما رصدت جرائم خطف وقتل “وحشي” بحق الأطفال، وهو ما حدث بحق الطفلة “فاطمة الحمادي” وابن عمها “خالد” في فبراير 2022 بمحافظة إدلب، إذ خطفا وقتلا، وأرسلت جثثهما إلى ذويهما كـ”هدية”.
ولطالما أعلنت منظمة الطفولة التابعة للأمم المتحدة (يونيسف) أن “ملايين الأطفال السوريين يعيشون في خوف وحاجة وعدم يقين، سواء في داخل سوريا أو في دول الجوار”.
وجاء في بيان لها، في مايو الماضي، أن “أكثر من 6.5 مليون طفل في سوريا يحتاجون إلى المساعدة، وهو أعلى رقم جرى تسجيله منذ بداية الأزمة السورية المستمرة منذ أكثر من 11 عاما”.
ولا تزال نهاية الأزمة في سوريا “بعيدة المنال”، حسب المديرة الإقليمية لليونيسف، أديل خضر التي ذكرت أنه “في الأشهر الثلاثة الأولى من هذا العام فقط، قُتِل وأُصيب 213 طفلا في سوريا”. كما أوضحت أنه جرى التحقق من مقتل وإصابة أكثر من 13 ألف طفل منذ بداية الأزمة في العام 2011 .
“جريمة غير عادية”
في غضون ذلك دفعت التفاصيل الصادمة التي انتشرت عقب الكشف عن مقتل الطفل العراقي “محمود” نشطاء وأهالٍ لتنظيم مظاهرات شعبية أمام مقر “الشرطة العسكرية” في رأس العين، مطالبين بضرورة “إعدام القاتل”.
ونشر ناشطون وصحفيون فيديوهات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أظهرت جزءا من المظاهرات، وأجواء تشييع الطفل، والذي انتشرت صور لجثته عقب مقتله، بينما يعتذر موقع “الحرة” عن عدم نشرها لحساسيتها.
واعتبر الصحفي السوري، مصعب الأشقر في تغريدة عبر “تويتر” أن “جريمة الطفل ياسين دليل آخر على فوضى السلاح وانتشار الجريمة على يد من يفترض أنهم مدافعين عن الإنسان والوطن”.
وقالت الناشطة الإعلامية، كوثر كشكوش: “عنا فنون الأذى والانتهاك سوبّر! لدرجة بتصفن كيف هدول البشر عايشين بيناتنا ما بتقدر تصنفهن لا حيوانات ولا وحوش ولا مريضين. شي أبشع بكتير من القذارة. طفل يتم اغتصابه وقتله ورميه أمام بيته”.
بدوره يضيف الباحث السوري، وائل علوان أنه “لا يمكن اعتبار جريمة مقتل الطفل ياسين عادية أو جريمة ناجمة عن فعل فردي كما يحصل حتى في المجتمعات المستقرة؛ حيث ظروف الجريمة وحال المجني عليه يجعلها جريمة ناتجة عن أزمات أمنية ومجتمعية حادة”.
ومثل هذه الجرائم “تتوفر أسبابها وظروفها في جميع المناطق في سوريا مع اختلاف نسبي فيما بينها، حيث تحصل باستمرار انتهاكات وجرائم في جميع المناطق، فيما ترتبط بالفوضى الأمنية والمجتمعية وبنتائج وضع ما بعد الحرب وقبل التعافي”.
وتحدث علوان لموقع “الحرة” عن أسباب عامة يلاحظ أنها الدافع والمحرض للحجم الكبير والبشاعة غير الطبيعية لهذه الانتهاكات والجرائم، من بينها “الفوضى الأمنية المستمرة بكافة أشكالها”، ضعف المؤسسات القضائية والمؤسسات الأمنية وعدم قدرتها على الضبط والمحاسبة، الفساد المستشري في المؤسسات القضائية والأمنية بشكل كبير.
إضافة إلى “انتشار تعاطي المخدرات والحشيش والاتجار الواسع بهما، وضعف بنية الأجهزة الحكومية والسلطات المركزية وعجزها عن معالجة الفساد في المؤسسات القضائية والأمنية”.
ويشير الباحث أن هناك أسباب أخرى أيضا مثل “استمرار حالة المجموعات الأمنية والعسكرية غير المنضبطة وغير الخاضعة لسلطات مركزية”، وآثار الحرب المستمرة في تفكك المجتمعات وعدم القدرة على ترميم الحوامل المجتمعية التي انهارت، بينما “لا توجد قدرة لمنظمات المجتمع المدني على تشكيل حالة رقابية أو حالة توجيه وتأثير على سلطات الأمر الواقع”.