حرية – (18/9/2022)
يعاني العراق نقصاً حاداً في الوحدات السكنية مع الغلاء المعيشي الذي تشهده بلاد الرافدين، إذ أجبر كثير من المواطنين على العيش في إيجارات وسط صعوبة شراء مسكن. ومع الأزمة التي انفجرت خلال السنوات الماضية بسبب العدد الهائل من السكان العراقيين وازديادهم سنة بعد أخرى وصل سعر المتر السكني الواحد في المناطق الشعبية إلى ألف دولار أميركي على رغم افتقارها لبعض الخدمات الأساسية.
أربعة ملايين وحدة
وأكدت رئيس هيئة الاستثمار سهى النجار حاجة البلاد إلى نحو أربعة ملايين وحدة سكنية لحل أزمة السكن في العراق. وقالت إن “الهيئة منحت 130 إجازة استثمار تقريباً خلال 2021″، لافتة إلى أن “العمل بدأ في عديد من المشاريع المتوقفة”. وأضافت في تصريح تلفزيوني أن “هناك 1800 إجازة بين الوهمي وشبه الوهمي”، مشيرة إلى أن “عدد المشاريع المتلكئة يتجاوز 500 مشروع”. وبينت أن “هيئة الاستثمار ولدت في فترة استشراء الفساد ومحاربو الإصلاح موجودون في كل قطاع ومجال”، مؤكدة أن “الضغوط السياسية مستمرة للحصول على الإجازات الاستثمارية”.
وقالت النجار “نواجه ضغوطاً سياسية كبيرة في شأن منح الأراضي”، منوهة إلى أن “العاصمة بغداد تعرضت لعشوائية في البناء، ونحتاج إلى ثلاثة أو أربعة ملايين وحدة سكنية لحل أزمة السكن، وأن الإجراءات التشديدية زادت من البيروقراطية، والمستثمر الحقيقي غير مستفيد من الإعفاءات”.
خسرت ملايين الدونمات
وأوضحت النجار أن البلاد “خسرت ملايين الدونمات جراء المشاريع الوهمية وشبه الوهمية، وأن الهيئة تسعى إلى تكرار تجربة مدينة بسماية السكنية”. وأكدت عدم امتلاكها سنداً قانونياً لفرض أسعار للوحدات السكنية على المستثمرين، كاشفة عن حراك حكومي لتعديل قانون الاستثمار، ومعلنة عن قرب تشكيل لجنة حكومية للنظر بالأراضي الممنوحة خلال 20 سنة الماضية.
وقالت إن “المشروعات السكنية في بغداد غير تابعة للهيئة، بالتالي لا يمكن فرض سلطة الهيئة عليها”. أضافت عند “منح إجازة استثمارية تتم محاسبة المستثمرين من حيث الكلفة والأسعار، وعند تقديم دراسة جدوى بالسعر يتم تثبيته في العقد ووضع غرامة في حال زيادة الأسعار، وبهذه الطريقة التنفيذية تتم السيطرة على الأسعار”. وأشارت إلى أن المشاريع التابعة لهيئة الاستثمار الوطنية قليلة، فضلاً عن أن “المشاريع الاستثمارية السابقة لم تكن وفق دراسة جدوى وهي التي تقوم برفع أسعار الوحدات السكنية، وأن الهيئة تعمل على تغيير قانون الاستثمار”.
تشكيل لجنة بمشاركة
وأوضحت رئيس هيئة الاستثمار الوطنية أنه سيتم تشكيل لجنة بمشاركة وزارة الإسكان ووزارة موارد الدولة والمالية والأمانة لمجلس الوزراء للنظر بالأراضي الممنوحة خلال 20 سنة الماضية، إذ لا يحق لأي جهة حكومية التدخل بأسعار الوحدات بحسب القانون الحالي، مشيرة إلى أن “مشكلة أسعار الوحدات هي نتيجة الفساد فاليوم حتى المواطن العادي لا يستطيع شراء وحدة سكنية بسبب ارتفاع الأسعار، والهيئة تعمل على تعديل قانون الاستثمار وتعجيل تنفيذ عدد من الفقرات، وفي مقدمتها آلية منح الأرض كونها أفسدت العملية الاستثمارية، وكذلك التسهيلات المقدمة للمستثمر قبل التنفيذ، مما أدى إلى تحويل الإجازة الاستثمارية إلى عملية سمسرة، مؤكدة أنه بعد توجيه رئيس مجلس الوزراء مصطفى الكاظمي بهذا الشأن تم سحب 200 مشروع، إضافة إلى فرض غرامات تأخيرية قد تصل إلى 10 في المئة من كلفة المشروع، وكذلك عدم تجديد الإجازات.
تتزايد بشكل سنوي
في المقابل أشار الباحث الاقتصادي نبيل جبار العلي إلى أن أعداد الأسر العراقية تتزايد بشكل سنوي بفعل التزايد السكاني، إذ كان عدد الأسر يقارب 3.25 مليون أسرة سنة 2002 وتضخم حتى وصل إلى أكثر من 8.25 مليون أسرة حالياً.
وقال العلي إن هذا التزايد في أعداد الأسر العراقية يحتاج إلى توسعة في عديد الوحدات السكنية، وهو ما لم تلتفت الحكومات إليه على رغم أهميته فزادت فجوة الطلب التي عوضت من خلال تقسيم العقارات والدور القائمة إلى عقارات أصغر فأصغر حتى شوهت ملامح المدن والأحياء وزاد الضغط على البنى التحتية المتهالكة وارتفعت أسعار العقارات لأضعاف عدة ولم توفر مناخاً أسرياً كريماً للعائلات القامعين في المساحات الضيقة والأماكن المزدحمة.
وبحسب الباحث الاقتصادي فمنذ سنوات قليلة توسعت فكرة التوجه نحو إقامة مشاريع استثمارية خاصة بالإسكان، خصوصاً مع توفر قانون استثمار يمنح المستثمرين كثيراً من المزايا والامتيازات، لا سيما تلك المتعلقة بمجانية الأرض، لكن تلك الخطوة لم تقدم حلاً واضحاً للأزمة، بل وقوبلت تلك المشاريع بالانتقادات الواسعة بسبب استغلال المستثمرين لحجم الطلب على العقارات، متسببين برفع الأسعار لأكثر من 300 في المئة عن معدلات الكلفة، أو أضعاف أكثر لبعض المجمعات التي تحظى بمكانة عقارية مرموقة.
وأشار إلى أنه لن تقدم خطوة التركيز على الاستثمارات السكنية حلاً للأزمة، بل قد تسهم في توفير جزء من الوحدات السكنية وتغطية جزء محدود من الفجوة، فالإحصاءات الرسمية تتحدث عن حاجة العراق لأكثر من مليوني وحدة سكنية في حين لن تغطي مجموع ما توفره تلك المجمعات أكثر من الآلاف عدة، أي إن محصلة الاستثمار السكني القائم قد لا يوفر أكثر من 5 – 10 في المئة من حجم العجز الكلي.
لا توجد بيئة استثمارية مناسبة
لكن الباحث السياسي علي البيدر فيعتقد أنه لا توجد بيئة استثمارية مناسبة في العراق، كون رأس المال جباناً يبحث عن الأمان، لذلك تجد معظم المشاريع الاستثمارية خصوصاً بمجال العقار هي في إقليم كردستان، مبيناً أن الاستثمار في السكن والعقار ثقافة حديثة على رأس المال العراقي الذي يخشى المجازفة.
وقال البيدر إن هناك كثيراً من المعوقات، منها الإجراءات البيروقراطية المكثفة، إضافة إلى عمليات الفساد والابتزاز من قبل المجاميع المسلحة، لافتاً إلى أن الدولة ليس لديها أي رؤية في تطوير هذا القطاع، ومن هنا يجب أن تعمل على جذب المستثمرين، ولا توجد إحصائيات دقيقة ورسمية حول عديد العراقيين الذين يعيشون في بيت ملك، لكن في بلد يتجاوز فيه الفقر 30 في المئة فأكيد أن نصفهم يعيشون كمستأجرين، خصوصاً شريحة الموظفين في مؤسسات الدولة. ورأى أن البناء العشوائي جعل المدن تفقد كثيراً من المساحات التي أصبحت كلفة إزالتها وتعويض أصحابها مكلفة جداً، وهي قضية أخرى تتعلق بالقروض الممنوحة للبناء ولا تكفي أو أنها تستغل في غير البناء.
الفجوة بين العرض والطلب
يعاني كثير من المواطنين العراقيين عدم امتلاكهم منزلاً، فيما يعيش بعضهم في منازل مستأجرة بأسعار لا تقل عن 300 دولاراً أميركياً، وينتقد الباحث الاقتصادي بسام رعد سياسات الإسكان التي لا تزال عاجزة عن ردم الفجوة بين العرض والطلب، وما زال العجز في قطاع الإسكان مرتفعاً ويقدر بثلاثة ملايين وحدة سكنية، إضافة إلى قلة الأراضي السكنية المخدومة القابلة للتوزيع والبناء.
وعلى رغم التوجه للاستثمار في هذا القطاع من خلال منح إجازات استثمارية لبناء مجمعات سكنية، فإن أسعار السكن في تلك المجمعات بلغت أرقاماً خيالية بالنسبة إلى الطبقة المتوسطة والفقيرة في حين أنها كان من المفروض أن تكون بأسعار معقولة وميسرة، بحسب رعد.
ولفت إلى أن ارتفاع أسعار العقارات بشكل كبير يفوق دخل المواطن العراقي انعكس بالسلب على الاستقرار المجتمعي، حيث إن ملكية العائلة للسكن تعزز الاستقرار الاجتماعي، كما أن الحق في السكن أحد أهم الحقوق الإنسانية، إذ تضعه المواثيق الدولية الحق في مصاف الحقوق الأساسية للإنسان.
وأوضح رعد أنه “بسبب عدم وجود رؤية استراتيجية واضحة لمواجهة وردم الفجوة الواسعة في قطاع الإسكان بين العرض القليل والطلب الكبير والمتصاعد بشكل مطرد بسبب النمو السكاني، إلا أن أزمة السكن ستتصاعد خلال السنوات المقبلة”.