حرية – (19/9/2022)
حماية الممتلكات الثقافية واحدة من أهم التحديات التي تتعرض لها الدول الواقعة في الحرب
في واحدة من المبادرات الهادفة لحماية التراث الثقافي في أوكرانيا جراء القصف الروسي التي استهدفت آلياته العسكرية عديداً من المواقع التاريخية والأثرية تقدمت أوكرانيا بطلب إلى “اليونسكو” لإدراج مدينة أوديسا على قائمة التراث العالمي.
وأوديسا ثالث أكبر مدن أوكرانيا بعد كييف وخاركيف، وتبعد عن العاصمة بنحو 450 كيلو متراً إلى الجنوب، وهي مركز سياحي واقتصادي في البلاد ويطل ميناؤها الرئيس على البحر الأسود.
وزير الثقافة والإعلام الأوكراني أوليكساندر تكاشينكو أعلن خلال اجتماع له مع أودري أزولاي المديرة العامة لـ”اليونسكو” بمقر المنظمة في باريس، أن بلاده تعتزم تقديم طلب لإدراج مدينة أوديسا في قائمة “اليونسكو” للتراث العالمي.
من جانبها، حشدت “اليونسكو” مجموعة من الخبراء الدوليين لتقديم الدعم التقني لأوكرانيا كي يتسنى للدول الأعضاء في لجنة التراث العالمي النظر في طلب الترشيح ودراسته على وجه السرعة بهدف إدراج الموقع في قائمة التراث العالمي المعرض للخطر، وإضافة إلى أوديسا سترفع توصية بإدراج مواقع في كل من مدينتي كييف ولفيف في القائمة ذاتها، نظراً للمخاوف التي تحيط بها جراء القصف الروسي .
أحد المواقع الأثرية المهمة في أوكرانيا
تعد أوديسا واحدة من أهم المواقع الأثرية في أوكرانيا، وهي لا تبعد إلا بضع عشرات من الكيلو مترات عن خط المواجهة ووقعت فيها أضرار لمواقع أثرية، ففي يوليو (تموز) دمرت أجزاء من نوافذ وسقف متحف أوديسا للفنون الجميلة الذي دشن في عام 1899 ويعد من أهم المتاحف في البلاد، ومن المتاحف المهمة أيضاً في المدينة متحف أوديسا الذي يرجع إلى عام 1825، وهو أحد أقدم المتاحف الأوكرانية على الإطلاق ويضم حالياً نحو 170 ألف قطعة أثرية، يعكس جزء منها حضارات لدول مختلفة، بينها اليونان وروما وقبرص، كما يشمل المتحف مجموعة آثار مصرية نادرة تقدرها الدراسات بنحو 400 إلى 800 قطعة أثرية.
ماذا تعني إضافة منطقة للتراث العالمي؟
بدأت فكرة إضافة مناطق بعينها إلى قائمة التراث العالمي مع اتفاقية حماية التراث الثقافي والطبيعي، التي تم التوقيع عليها خلال المؤتمر العام لـ”اليونسكو” المنعقد في الـ 16 من نوفمبر (تشرين الثاني) 1972، ويهدف البرنامج إلى الحفاظ على المواقع ذات الأهمية الخاصة للجنس البشري سواء أكانت ثقافية أو طبيعية، ومن خلال هذه الاتفاقية تحصل المواقع المدرجة في هذا البرنامج على مساعدات مالية تحت شروط معينة وتكون تحت بؤرة الاهتمام باعتبارها تراثاً إنسانياً.
ومواقع التراث العالمي المسجلة تكون ملكاً للدولة التي تقع ضمن حدودها، ولكنه تحصل على اهتمام من المجتمع الدولي للتأكد من حمايتها والحفاظ عليها للأجيال المقبلة، لعل أبرزها أهرام الجيزة، ومنطقة البتراء في الأردن، وسور الصين العظيم، ودار أوبرا سيدني في أستراليا، والكرملين والساحة الحمراء في روسيا، وقصر وستمنستر في إنجلترا، وغيرها كثير من المواقع في جميع أنحاء العالم.
مناطق التراث العالمي السبع في أوكرانيا
إلى جانب سعي أوكرانيا لضم أوديسا لمناطق التراث العالمي فإنها بالفعل تضم سبعة مواقع مسجلة في قائمة “اليونسكو”، هي كاتدرائية سانت صوفيا ذات القبة الذهبية في كييف، وقوس ستروف الجيوديزي، وغابات الزان في منطقة الكاربات، وكنيسة كييف بيتشيرسكا لافرا، والكنائس الخشبية في جبال الكاربات، ومنطقة خيرسونيس والمركز التاريخي في منطقة لفيف، وطبقاً للتقارير فلم يتأثر أي منها حتى الآن.
إجراءات “اليونسكو” لدعم أوديسا
بالتزامن مع طلب أوكرانيا أعلنت المديرة العامة لـ”اليونسكو” خلال الاجتماع ذاته، أن المنظمة تعتزم تعزيز الدعم الذي تقدمه إلى مدينة أوديسا من خلال مجموعة من الإجراءات، تتمثل في تمويل إصلاح الأضرار التي لحقت بمتحف أوديسا للفنون الجميلة ومتحف أوديسا للفن الحديث منذ اندلاع الحرب، وستتولى المنظمة أيضاً تعيين موظفين جدد وتفريغهم لحماية المجموعات، إضافة إلى تقديم الدعم لرقمنة ما لا يقل عن 1000 عمل فني في أوديسا، وكذلك المجموعة الوثائقية لمحفوظات المدينة من خلال تزويد المؤسسة بالمعدات التقنية اللازمة.
إضافة إلى تزويد الإدارة الإقليمية في أوديسا بمعدات جديدة من أجل حماية الممتلكات الثقافية في المواقع، وستزود مديرية الثقافة والأديان وحماية التراث المعماري بألواح حماية وأكياس رمل وأجهزة إطفاء الحريق وأقمشة مقاومة للحريق وأقنعة واقية من الغازات، لضمان إمكان مواصلة العمل الجاري منذ اليوم الأول لاندلاع الحرب من أجل ترميم الآثار والمنحوتات العامة واستعادتها.
واقترحت المديرة العامة لـ”اليونسكو” أن تدعم المنظمة إقامة مركز ثقافي لـ”اليونسكو” في المدينة ليكون محفلاً يلتقي فيه الفنانون ويتشاركون الخبرات، ومنبراً لتنظيم الدورات التدريبية وغيرها من الأنشطة والفعاليات، وخصصت بالفعل ميزانية تصل إلى 1.5 مليون دولار أميركي لافتتاح هذا المركز وتشغيله إبان الأشهر الأولى من افتتاحه.
اتفاقيات دولية لحماية التراث
اتفاقيات دولية وقعت عليها معظم الدول للحفاظ على الآثار وحماية الإرث الثقافي للعالم، ومن أبرزها “اتفاقية اليونسكو لحماية التراث العالمي الثقافي والطبيعي” لعام 1972، وهي من أهم المعاهدات المعترف بها عالمياً، فقد وقعت عليها 193 دولة بينها روسيا، إضافة إلى “ميثاق فينيسيا” الذي تم التوقيع عليه عام 1964، وغيرهما من المعاهدات والمواثيق التي تسعى إلى الحفاظ على الآثار باعتبارها إرثاً ثقافياً لا ينبغي الاعتداء عليه في حالة الحروب والنزاعات المسلحة.
وفي بداية القصف الروسي لأوكرانيا ومع بدء استهداف بعض الأماكن التاريخية والأثرية كانت المديرة العامة لـ”اليونسكو” أشارت إلى أن التحدي الأول يتمثل في تحديد مواقع التراث الثقافي والآثار بعناية، والتذكير بطبيعتها وبأنها مناطق محمية بموجب القانون الدولي والعمل على تمييز المواقع الثقافية وتمييزها بشعار “الدرع الأزرق” لاتفاقية لاهاي لعام 1954، في شأن حماية الممتلكات الثقافية حال نزاع مسلح لتفادي إلحاق الأضرار المتعمدة أو العرضية بها إذا وقع قصف على المكان.
وكانت منظمة “اليونسكو” في يونيو (حزيران) الماضي أصدرت تقريراً عن المواقع الثقافية التي استهدفت، وأظهرت عمليات التقييم التي أجراها خبراء المنظمة أن هناك 152 موقعاً ثقافياً تعرضت للدمار الكلي أو الجزئي بسبب المعارك، وتشمل هذه المواقع 70 مبنى دينياً و30 مبنى تاريخياً و18 مركزاً ثقافياً، و15 معلماً أثرياً و12 متحفاً وسبع مكتبات، وهذا الرقم طبقاً للإحصاءات الأحدث ازداد بصورة أكبر تكاد تصل إلى الضعف مما يتطلب إجراءً عاجلاً للحد من وقوع خسائر أكبر.