حرية – (2/10/2022)
على رغم انتشار آلات موسيقية عدة في السودان، إلا أن الطنبور حجز مكانة في وجدان الشعب السوداني لتميزه بمشاركته في جميع تفاصيل حياتهم، فنجده في الأفراح والأحزان والاحتفالات وحتى عند تأبين أحدهم.
وأسهم أهالي النوبة في بقائها وتطويرها لتتناسب مع أغنياتهم باللهجة النوبية، وتمكنت آلة الطنبور ذات الإيقاع المميز من جذب مستمعين كثر داخل السودان وخارجه، وانتشرت داخل السودان وشكلت تراث معظم سكان البلاد.
وفي هذا الصدد قال الباحث في التراث السوداني عبدالماجد السر إن “آلة الطنبور من أقدم الآلات الموسيقية، ويعود أصلها لبلاد فارس القديمة بحسب كتب التاريخ، ولكن وجدت آلة مرسومة في مواقع أثرية عدة في شمال السودان، دخلت السودان قادمة من أرض النوبة، إلا أن صوتها المميز والذي يجمع ما بين الحنين والشحن، جعل معظم سكان السودان يستخدمونها خصوصاً أنها من أشهر آلات العزف على السلم الخماسي”.
وعن سر خصوصية الآلة يتابع السر، “تشتهر الآلة بإيقاع الدليب، ومع ذلك تناسب كل الإيقاعات من مختلف أنحاء السودان مما ساعد في انتشارها”.
تفاصيلها وصناعتها
وتتكون آلة الطنبور من خمسة أوتار، وتميز بها السودانيون لأنها لا تعزف إلا السلم الخماسي وهو السلم الذي اشتهر به السودانيون ولم يغنوا بغيره.
بينما كانت الآلة الوحيدة والأولى في السودان بل في العالم أجمع، خصوصاً بعد أن طورها المصريون القدماء.
صانع آلة الطنبور خليفة قاسم قال إن “الآلة تتكون من قدح وعصى وجلد، ويتم نحت القدح من جذوع الأشجار مثل شجر الحراز أو الهجليج، ويتم استجلابه من غرب السودان أو شرقه وتختلف أصوات الأقداح بحسب حجمها، بينما تأتي الطبقة الثانية من جلود الأبقار ومن ثم العصا التي تشد عليه أوتار الطنبور”.
وعن تأثر الغرب بآلة الطنبور قال قاسم إن “الآلة انطلقت من كونها آلة عربية تقليدية إلى آلة يتم استخدامها في دول أوروبية عدة بالسلم الخماسي نفسه مع بعض الإضافات، إذ قام الموسيقار ياني بإدخالها على بعض مقطوعاته مما يدل على مدى تأثيرها على العالم أجمع”.
تأثير الآلة على السودانيين
أما عن تأثيرها على المجتمع السوداني فيرى أستاذ الموسيقى هاشم عادل أن “آلة الطنبور تحتل حيزاً كبيراً جداً في الساحة الفنية اليوم، وعلى رغم من أنها منسوبة لشمال السودان وخصوصاً منطقة الشايقية، إلا أنها حاضرة في كل القبائل السودانية، ولكن تستخدمها قبيلة الشوايقة بصورة أساس لتناغمها مع أغانيهم ولصوتها المؤثر، لأنهم يتغنون دائماً عن الحنين والوطن والأم والمشاعر بصورة أساس”.
وعن إسهامها في توحيد الشعب السوداني قال عادل إن “انتشار الآلة بهذه الطريقة جعلها أيقونة للشعب السوداني ومضرب مثل، ونجدها تحتل حيزاً كبيراً في قلوب السودانيين الذي يستخدمونها للتعبير عن كل ما يعتريهم، واستطاعت بدورها أن تقوم بإيصال الأغنيات بصورة أكثر وضوحاً وجمالاً، إذ نجد الفنانين الذين يستخدمون آلة الطنبور في المسرح هم الذين يملكون جمهوراً حساساً، ونشاهد بأعيننا كيف تتحول تلك المسارح لوصلة دموع وبكاء، ليس حزناً بل دلالة على عمق تأثير الإيقاع على الجمهور”.
السلم الخماسي
وعن ارتباط آلة الطنبور بالسلم الخماسي يرى عادل أن “السلم الخماسي هو سلم موسيقي من خمسة أصوات في كل طبقة صوتية انطلاقاً من جهة القرار، واشتهر في السودان والصومال وشمال أفريقيا عموماً، وارتبط ارتباطاً وثيقاً بآلة الطنبور التي استطاعت من خلاله أن تصنع لها حيزاً كبيراً في الموسيقى المصنوعة محلياً، ولأن السلم الخماسي نجده في اليونان أيضاً، نلاحظ جلياً ظهور آلة الطنبور هناك لأنها آلة سحرية لا يقدرها سوى مستخدمها”.
الطنبور وصموده في وجه التطور
ومع موجة التطور التي ضربت العالم أجمع وتخلي كثيرين عن عدد من الموروثات القديمة، نجد أن آلة الطنبور ربما تواجه مهددات خصوصاً مع انتشار الآلات الحديثة، وحرص الشباب على متابعة ما هو جديد والتخلي عن الأغنيات القديمة.
وفي هذا الصدد قال الباحث في التراث السوداني يحيي سليمان إن “آلة الطنبور على رغم قدمها إلا أنها ظلت صامدة في وجه التجديد والتطور، إذ إنها تتميز بقدرتها على التعبير عن المشاعر بصورة حقيقية وأكثر وضوحاً بعكس بقية الآلات، ونجد أن الحفلات الموسيقية التي يعزف فيها الفنان على الطنبور تكون من أكثر الحفلات التي تجذب الجماهير، إلا أن المخاوف الحقيقية تتمثل في عدم وجود أجيال جديدة قادرة على العزف عليها والمحافظة عليها، خصوصاً مع اندثار أي جهات تقوم بتعليم العزف على الآلة”.