حرية – (5/10/2022)
لعل وجبة الدجاج المقلي من بين ألذ الوجبات التي تلقى شعبيةً كبيرةً في مختلف أنحاء العالم خلال عصرنا الحالي، خاصةً عندما تختلط طراوتها الداخلية بالقرمشة الخارجية الغنية بالبهارات والمُنكّهات التي تُميزها عن باقي الوجبات.
هذه الوجبة لم تكن في البداية كما هي عليه الآن، حيث اشتهرت في البداية في الصين قبل قرابة 10 آلاف سنة، ومن ثم انتقلت تدريجياً إلى أن وصلت إلى الولايات المتحدة، لتصبح فيما بعد على شكلها الحالي.
من مصر القديمة إلى الولايات المتحدة
حسب روايات عديدة بدأ تدجين الدجاج بداية بالقارة الآسيوية، وتحديداً في الصين، ومن ثم اشتهر في إفريقيا، التي منها شقَّت وجبة الدجاج المقلي طريقها إلى مصر القديمة، حيث تفنن المصريون القدماء في طرق طهيه، حيث أثبتت بعض الرسوم الفرعونية أن الدجاج المقلي كان أحد أهم الوجبات التي اعتمد عليها العبيد عند بناء الأهرامات.
اشتهر الدجاج المقلي في المنطقة إلى أن وصل إلى اليونانيين، الذين بدورهم أضافوا لمستهم الخاصة في طرق طهيه، وأسهموا في نشره ببقية دول البحر الأبيض المتوسط، حتى وصوله إلى الجزر البريطانية واسكتلندا، الذين أحبوا نكهته مقلياً، مقارنة مع شويه أو سلقه على الطريقة البريطانية المتعارف عليها في ذلك الوقت.
استمرت الوجبة في الانتشار إلى حين وصولها إلى الولايات المتحدة الأمريكية عن طريق العبيد الأفارقة، الذين كانوا يقلون الدجاج، لكن لا يوجد دليل على أنهم أول من قام بوضعه داخل التتبيلة الحالية للدجاج المقلي، حسب مجلة “The Atlantic” الأمريكية.
الدجاج المقلي طعام الفقراء
بعد وصول الأفارقة، ضمن إطار العبوديّة، إلى الولايات المتحدة، وانتشار قلي الدجاج، بعدما كانت تربية المواشي والخنازير ممنوعة على الفقراء والعبيد، بدأت تظهر طرق مختلفة في قليه وطهيه.
خلال القرن التاسع عشر ارتبط قلي الدجاج بنمطية سيئة، حيث وَصَف كتابٌ نُشر خلال ذلك القرن الفقراء بأنهم في حال منعوا من الدجاج سينقرضون، كوسيلة للحد من الفقر في تلك الحقبة، استمرت هذه النمطية إلى بداية القرن العشرين، حين عرض فيلم Birth of a Nation مشاهد عنصرية تحذر من انتخاب ذوي البشرة السمراء؛ متحجّجين بأكلهم للدجاج المقلي الموصوف في الفيلم بـ”البشع”.
استمر الحال على ما هو عليه حتى أقدمت بعض النساء الإفريقيات، في مدينة “غوردونسفيل”، بولاية فيرجينيا الأمريكية، على إعداد وجبات الدجاج المقلي وبيعها للمسافرين في محطات القطار لتحسين دخلهم الشهري، لتبدأ قصة شهرة الوجبة وتهافُت المسافرين عليها، إلى أن لقبت المدينة بـ”عاصمة الدجاج المقلي العالمية”.
وجبة “العبيد” التي وصلت للعالمية
بعدما انتشرت طرق قلي الدجاج في معظم الولايات الأمريكية ولم تعد تقتصر على الأفارقة والفقراء فقط، ليقرر أحد الأمريكيين يدعى ساندرز “مؤسس شركة كنتاكي” البالغ من العمر 60 سنة فتح محطة للوقود في ولاية كنتاكي الأمريكية، بعدما فشل في بيع قطع الدجاج في أماكن أخرى.
خلال عمله بالمحطة قام بتحضير وجبات الدجاج المقلي، التي كان يبيعها للمسافرين المارين بالمحطة، تلك الوجبات لقيت إقبالاً كبيراً، وكانت أحد أهم مداخيل المحطة، وأصبح الطلب عليها يرتفع يوماً بعد يوم، ليحظى صاحبها بلقب كولونيل شرفي، بسبب خدمته للمجتمع، وتقديراً لعمله الحر، من قِبل حاكم ولاية كنتاكي سنة 1935.
بعد بلوغه 65 سنة سافر ساندرز في البلاد ليبيع وصفة الدجاج المقلي الخاصة به، وأعطى الحق في استخدام اسم “دجاج كنتاكي المقلي Kentucky Fried Chicken” للمطاعم، وذلك مقابل رسوم امتياز قدرها خمسة سنتات عن كل قطعة دجاج مباعة.
بدأ يظهر بالبدلة البيضاء، التي تمثل جزءاً من صورة الكولونيل التي رسمها لنفسه، ثم باع شركته بحلول عام 1964، بعد أن أصبحت تمتلك 600 عقد امتياز، لتصبح اليوم إحدى أشهر شركات وجبات الدجاج المقلي في العالم.
نجحت الشركة في إيصال وجبة الدجاج المقلي من جنوب الولايات المتحدة إلى العالم بأسره، رغم أن أصوله تعود إلى دول أخرى كما سبق وذكرنا في التقرير، ليصبح الدجاج المقلي المقتصر على الطبقة الفقيرة ظاهرة عالمية، وتأكله كل الطبقات الاجتماعية.
كما تفنَّنت شركات أخرى بعد كنتاكي في قلي الدجاج عبر إضافة بهارات خاصة أو مكونات معروفة في بلدانها، كسلاسل الدجاج المقلي الكورية “Pollo Campero”، وغيرها الكثير من الشركات المتخصصة في بيع الدجاج المقلي في مختلف أنحاء العالم.