حرية – (13/10/2022)
إضراب عمال مصافي النفط في فرنسا مستمر لليوم الـ17 على التوالي، وما من بوادر تلوح في الأفق على قرب انفراج الأزمة، فبعيد إعلان رئيسة الحكومة إليزابيث بورن الاستعانة بقانون الاستدعاء لكسر الإضراب، ردت نقابة الاتحاد العمالي العام بالدعوة إلى إضراب عام، معتبرة الخطوة بمثابة إعلان حرب. وسرعان ما انضمت مصفاة أخرى إلى الإضراب. ليبلغ بذلك عدد المصافي المضربة عن العمل ستة من أصل سبعة في البلاد.
رئيسة الحكومة لم تتأخر في تنفيذ تهديدها، حيث سلمت الشرطة بلاغات الاستدعاء لأربعة عمال في مجموعة “إكسون موبيل” يتولون مهمة فتح الصنابير في مصفاة “بور جيروم” في النورماندي، شمال شرق، بهدف تزويد منطقة “إيل دوفرانس” (باريس وضواحيها)، وهو قانون يحق للدولة الاستعانة به في حال أثرت حركة الإضراب على الأمن العام.
واعتبرت الوزيرة السابقة روزلين باشلو، عبر محطة “بي أف أم”، أن الشروط باتت مستوفاة، ما يخول الحكومة الاستعانة بهذا القانون.
وحيال ذلك أعلنت نقابة الاتحاد العمالي العام أنها ستتقدم بنقض هذا القرار، كونه يشكل خرقاً لحق الإضراب الذي يضمنه الدستور.
الرئيس يعلق
ومجموعة “إكسون موبيل”، كانت توصلت إلى اتفاق مع النقابتين اللتين تتمتعان بالغالبية، لكن الإضراب بقي مستمراً ما دفع رئيسة الحكومة للمطالبة إلى استدعاء العمال لتشغيل المصفاة.
وسادت حال من الفوضى والغضب في مختلف المناطق، حيث ضاق المواطنون ذرعاً من إمضاء ساعات طويلة في طوابير الانتظار للحصول على كمية محددة من الوقود، وأحياناً تغلق المحطة قبل أن يتمكن هؤلاء من الحصول أي كميات.
ويخشى من أن يؤثر الإضراب على حركة توزيع المواد الغذائية، حيث أعلن تجمع سائقي البرادات لنقل المواد الغذائية عن صعوبة الحصول على الوقود ما قد يرغمهم على التوقف. وكذلك بالنسبة للمزارعين وسائقي التاكسي وعدد من القطاعات.
الرئيس إيمانويل ماكرون الذي أدلى بمقابلة تلفزيونية للقناة الثانية هي الأولى منذ ثلاثة أشهر من حيث طول مدتها، اعتبر أن الإضراب عطل حركة البلاد، وأنه متضامن مع المواطن الذي يعاني مشكلة انقطاع الوقود. وصرح بأن الوضع سيعود إلى طبيعته خلال منتصف الأسبوع المقبل.
تصريح ماكرون ووجه بانتقادات حادة، بخاصة من ممثلي النقابات الذين اعتبروا أن الوضع ما زال متأزماً بين “توتال إينرجي” التي بلغت عائداتها في النصف الأول من عام 18 مليار يورو، والنقابتين ذات الأغلبية: الاتحاد العمالي العام، ونقابة القوى العاملة “أف أو”.
وعلق الرئيس ماكرون بالقول، إن “توتال” شركة خاصة ولا يمكن للدولة التدخل كثيراً. واعتبر أنها شاركت أرباحها مع أصحاب الأسهم لكنها لم تفكر في موظفيها. وأشار إلى أن “على الجانبين تحمل المسؤولية والعودة إلى الحوار”.
شروط “توتال”
يأخذ النقابيون على “توتال” اشتراطها حل الإضراب قبل بدء المفاوضات وهو ما لن يقبله العمال المضربون، حيث أعلن ممثل نقابة القوى العمالية (أف أو) حكيم بلوز، “ما من مفاوضات، وإدارة (توتال) لم تقدم أي عرض ولا يمكن الأخذ بأقوالها، والعمال مستمرون بالإضراب”.
وتطالب نقابة الاتحاد العمالي العام برفع الأجور بنسبة 10 في المئة لتعويض غلاء المعيشة، وتقاسم الأرباح الطائلة التي حققتها الشركة، كما تدعو للتوظيف ووقف صرف العمال إلى جانب الاستثمار.
واستنكر الأمين العام للحزب الشيوعي فابيان روسيل، في مقابلة نشرتها صحيفة “ليبراسيون”، المرتبات الدنيا التي يتقاضاها العمال في الشركات المتعاملة مع “توتال”، التي تبدأ دون الحد الأدنى للأجور.
فابيان بريفيه سان لان مندوب النقابة لدى “توتال إينرجي” في مصفاة “دونجيس” صرح لقناة “بي أف أم” بالقول، إن النقابة تعارض “فتح المشاورات بشرط استئناف العمل، والمطالب تتمحور حول رفع الأجور 10 في المئة والتوظيف والاستثمار”، مشيراً إلى أن “توتال” تواصل تسريح العمال للمنافسة، وتساءل عن مستقبل المصافي في ظل الشروط البيئية، كما تساءل عن استقلالية فرنسا وأوروبا في قطاع الطاقة.
دعوة لإضراب عام
استدعاء أربعة موظفين لا يمكن أن يحل المشكلة، فالقانون يؤطر شروط اللجوء إلى الاستدعاء، إذ يجب أن يكون لمدة محددة، وفي بقعة جغرافية محددة، ولأسباب طارئة، وليس لتسهيل الحياة اليومية للمواطنين التي تأثرت بفعل الإضراب. بحسب ماري الماسيان في “لوباريزيان”.
وفرنسا اعتادت على فصول طويلة من الإضرابات خلال الخريف، ويميل الرأي العام إلى كون الإضراب لا يؤثر على حياة المسؤولين بقدر ما يزيد من معاناة الطبقة الفقيرة والمتوسطة.
وبدأت نتائج الإضراب تنعكس على قطاعات واسعة من المزارعين وعمال النقل وتزويد المتاجر بالمواد الاستهلاكية والغذائية، أما الوصول إلى الاحتياط الاستراتيجي فيبقى للقطاعات الحساسة كالصحة والتعليم.
من هذا المنطلق جاء تصريح برونو لومير وزير الاقتصاد عبر إذاعة “فرانس إنفو”، إذ قال إنه “يقف إلى جانب الفرنسيين”.
وعلى الرغم من وجود إشارات إلى بوادر بداية المفاوضات بين النقابات وإدارة “توتال إينرجي”، فإن المباحثات قد تطول كونها لا تقتصر على رفع الأجور لتعويض غلاء المعيشة.
أمام هذا التأزم الذي يمكن أن يدوم لا يستبعد بعض المحللين أن تلجأ الحكومة إلى التزود بالوقود من الخارج عبر المرافئ المتعددة. وهناك دعوة لمسيرة عامة ضد غلاء المعيشة في 26 من الشهر الحالي.