حرية – (5/11/2022)
في محطة هي الثانية التي يلتقي فيها البابا فرنسيس المسيحيين الكاثوليك، حضر قرابة ثلاثين ألف شخص قداس السبت في استاد البحرين الوطني. وتوافدت منذ ساعات الصباح الأولى، عائلات مع أطفالها ومسنون ورجال دين كانوا قد سجلوا أسمائهم منذ أسابيع لحضور القداس “من أجل العدل والسلام”.
ويأتي قداس السبت بعدما اقتصرت أغلب محطات زيارة منذ وصوله الخميس على لقاءات رسمية، فيما ترأس لقاء مسكونيا وصلاة من أجل السلام في كاتدرائية سيدة العرب، حيث استقبله مئات المؤمنين من المسيحيين الكاثوليك العاملين في المملكة بالتصفيق والدموع.
منذ ساعات الصباح الأولى، تجمع قرابة ثلاثين ألف شخص السبت في استاد البحرين الوطني، حضروا بحماسة للمشاركة في قداس يترأسه البابا فرنسيس، في ثالث يوم من زيارته إلى المملكة الخليجية.
وتوزع المشاركون المنحدرون بغالبيتهم من دول آسيوية على مقاعد ملعب البحرين الوطني، المنشأة الرياضية الأكبر في المملكة والواقعة في منطقة الرفاع. وتوافدت عائلات مع أطفالها ومسنون ورجال دين كانوا قد سجلوا أسمائهم منذ أسابيع لحضور القداس “من أجل العدل والسلام” الذي يبدأ عند الساعة الثامنة والنصف (5,30 ت غ).
وقالت فيلومينا أبرانش (46 عاما) وهي هندية تقيم في البحرين وتعمل كمتطوعة في تنظيم فعاليات القداس “نحن هنا منذ الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، لم ننم” موضحة “نحن متحمسون للغاية لفكرة لقاء البابا”. مضيفة “جميع الناس يرغبون برؤية البابا، إنه حلم.. يمثل البابا قبل كل شيء السلام في العالم وهذا ما نحتاج إليه في هذه اللحظة”.
والقداس السبت هو ثاني محطة يلتقي فيها البابا فرنسيس المسيحيين الكاثوليك، بعد محطة أولى مساء الجمعة في كاتدرائية سيدة العرب، الكنيسة الكاثوليكية الأكبر في الخليج، التي دخلها على وقع التصفيق والدموع.
وعلى الكراسي في باحة الملعب وعلى مقاعد مدرجاته التي تبلغ قدرتها الاستيعابية 25 ألف شخص، وضع المنظمون أكياسا بلاستيكية بداخلها قبعة تحمل شعار الزيارة، إضافة الى كتاب صلوات والعلم البابوي من بين اشياء أخرى.
وقالت مارغريت حيدة (63 عاما) وهي مسيحية من البحرين “استضافة البابا فرنسيس هي الحدث الأعظم في هذه السنة”. وتابعت “تذهب الناس عادة إلى إيطاليا لرؤية البابا وقد لا توفّق في ذلك. لكنني رأيته في الكنيسة أمس وسأراه اليوم. أعتبر نفسي محظوظة لانني تمكنت أمس من الإمساك بيده وأخذ بركته”.
ويلقي البابا خلال القداس كلمة باللغة الإسبانية، هي الخامسة له منذ وصوله الى البحرين. ويدخل البابا إلى الملعب على متن السيارة البابوية التي يستخدمها خلال زياراته الخارجية. ومنذ وصوله الى البحرين، يستخدم البابا البالغ من العمر 85 عاما كرسيا متحركا وعصا للتنقل، بسبب آلام مزمنة في الركبة يعاني منها مؤخراً وتعيق حركته.
وأقامت البحرين البالغ تعداد سكانها 1,4 مليون نسمة وهي من الدول التي تحترم حرية العبادة، علاقات دبلوماسية مع الفاتيكان في العام 2000. ويقطنها نحو ثمانين ألف مسيحي كاثوليكي، هم عمال من الهند والفيليبين بشكل أساسي.
“الكتل المتعارضة”
خلال اليوم الثاني من زيارته إلى البحرين، ندد البابا فرنسيس، بمنطق “الكتل المتعارضة” بين الشرق والغرب والتي تجعل العالم في “توازن هش”، مؤكدا إصراره على خيار الحوار كبديل عن “المواجهة”.
وبعدما اقتصرت محطات زيارته منذ وصوله الخميس على لقاءات رسمية، ترأس البابا لقاء مسكونيا وصلاة من أجل السلام في كاتدرائية سيدة العرب، الكنيسة الكاثوليكية الأكبر في منطقة الخليج، حيث استقبله مئات المؤمنين من المسيحيين الكاثوليك العاملين في المملكة بالتصفيق والدموع.
وتعتبر هذه الزيارة التاريخية، هي الثانية للحبر الأعظم إلى شبه الجزيرة العربية منذ رحلته التاريخية إلى الإمارات عام 2019. وجاءت في إطار ملتقى البحرين للحوار “الشرق والغرب من أجل التعايش الإنساني”، الذي حضره قرابة مئتي شخص من مسؤولين ورجال دين بارزين من الشرق الأوسط.
في كلمة ألقاها في ختام الملتقى خلال حفل أقيم في ميدان صرح الشهيد في قصر الصخير الملكي بحضور العاهل البحريني الملك حمد بن عيسى آل خليفة وشيخ الأزهر الإمام أحمد الطيب، قال البابا فرنسيس إن “عددا قليلا” من أصحاب النفوذ يخوضون صراعا من أجل “المصالح الخاصة، يحيون اللغات القديمة ويعيدون رسم مناطق النفوذ والكتل المتعارضة”.
وتابع “للأسف الشرق والغرب يشبهان بصورة متزايدة بحرين متخاصمين، لكن نحن هنا معا لأننا عازمون على الإبحار في البحر نفسه واختيارنا هو طريق اللقاء بدلا من طريق المواجهة، وطريق الحوار الذي يشير إليه هذا المنتدى”.
ونبه البابا مما وصفه بأنه “سيناريو مأساوي”. وقال “نلعب بالنار وبالصواريخ والقذائف وبأسلحة تسبب البكاء والموت ونغطي البيت المشترك بالرماد والكراهية”.
ويذكر أن البابا يكرر انتقاده للنزاعات التي تغزو العالم واللجوء الى لغة السلاح والتهديد باستخدام السلاح النووي، على وقع الغزو الروسي لأوكرانيا الذي دخل شهره التاسع ويعارضه بشدة.
في كلمة ألقاها في مسجد القصر الملكي بعد ظهر الجمعة، شدد البابا فرنسيس على أن “إله السلام لا يقود أبدا إلى الحرب” منددا بالذين “يؤمنون بأساليب القوة ويدعمون العنف والحرب وتجارة السلاح وتجارة الموت” في إشارة ضمنية الى بطريرك الارثوذكس الروس كيريل، الداعم لغزو روسيا لأوكرانيا.
“التقاء فكرين”
والتقى البابا، الذي يستخدم كرسيا متحركا للتنقل وعصا بسبب آلام مزمنة في الركبة، شيخ الأزهر في اجتماع مغلق بعد ظهر الجمعة. ووقع الرجلان عام 2019 في أبوظبي وثيقة تاريخية حول الأخوة الإنسانية.
وقالت عضو مجلس الشورى في البحرين هالة رمزي فايز، إن اللقاء بينهما “يمثل التقاء فكرين لإرساء أسس السلام ومبادىء التعايش السلمي بين مختلف الطوائف والحضارات”. وتابعت “إنها زيارة تاريخية لمملكة البحرين، نعتز بها جداً كمسيحيين لا في مملكة البحرين فحسب وإنما في المنطقة كلها”.
وفي كلمته أمام “مجلس الحكماء المسلمين”، بسط البابا يده مجددا للحوار. وقال “جئت إليكم مؤمناً بالله وأخاً وحاج سلام. جئت إليكم لنسير معاً”.
وبينما يحمل البابا فرنسيس راية الحوار مع الإسلام، وجّه شيخ الأزهر في ختام ملتقى البحرين نداء الى علماء الطائفة الشيعية لعقد حوار إسلامي-إسلامي، يصار خلاله إلى نبذ “الفتنة والنزاع الطائفي”، في وقت تشهد دول عدة في المنطقة وحول العالم توترات على خلفية مذهبية.
واختتم الحبر الأعظم اليوم الثاني من زيارته بترؤسه لقاء مسكونياً في كاتدرائية سيدة العرب في العوالي التي جرى افتتاحها عام 2021، بحضور المئات من المصلين، غالبيتهم من العمال الوافدين الى المملكة.
ودخل البابا على كرسيه المتحرك الى الكاتدرائية على وقع التصفيق، في أول لقاء بين رأس الكنيسة الكاثوليكية والمسيحيين المقيمين في البحرين. ولم يتمالك كثر دموعهم من شدة تأثرهم ورفع كثر هواتفهم لتوثيق الذكرى.
وقالت شارما (45 عاماً) التي انتقلت من موطنها الفليبين قبل نحو عقدين الى البحرين، حيث تعمل في مجال العقارات، لوكالة فرانس برس “إنه شعور رائع، أشعر أنني محظوظة لرؤيته شخصيًا ولوجودي اليوم هنا في هذا الحدث”. مضيفة أنه بينما لم تتمكن من حبس دموعها “إنه لأمر يحصل لمرة واحدة في العمر، خصوصا بالنسبة لي إذ أعمل في البحرين منذ 18 عاماً”.
وشارك في الصلاة المسكونية داخل الكاتدرائية الحديثة الطراز، عدد من رجال الدين الممثلين لطوائف مسيحية عدة، شارك عدد منهم في ملتقى البحرين للحوار. وتلا رجال الدين صلوات من أجل السلام بلغات عدّة.
وهذه الزيارة التاسعة والثلاثين للبابا الى الخارج منذ انتخابه على سدّة الكرسي الرسولي عام 2013، إذ شملت جولاته أكثر من عشر دول ذات غالبية مسلمة، بينها الأردن وتركيا ومصر وبنغلادش والعراق.
“مؤسسات مساءلة”
وتأتي زيارة البابا على وقع انتقادات منظمات حقوقية للبحرين إزاء سياسة التمييز التي تطال ناشطين ومعارضين سياسيين في البلاد التي شهدت اضطرابات في أعقاب تظاهرات مطالبة بتغيير نظام الحكم في 2011.
ودعت تسع منظمات حقوقية بينها هيومن رايتس ووتش الثلاثاء البابا فرنسيس إلى الضغط على السلطات لـ”إلغاء عقوبة الإعدام، والتحقيق بجدية في مزاعم التعذيب وانتهاكات الحق في محاكمة عادلة”. ووجهت عائلات 12 محكوما بالإعدام الخميس إليه رسالة حثته على طلب تخفيف الأحكام بحق أبنائها.
وكان البابا شدد في خطابه الأول الخميس أمام كبار المسؤولين ودبلوماسيين، على أهمية ألا يكون هناك “تمييز ولا تُنتهك حقوق الانسان الأساسية، بل يتم تعزيزها”. وأضاف “أفكر قبل كل شيء في الحق في الحياة، ضرورة ضمانه دائماً، حتى عند فرض العقوبات على البعض، حتى هؤلاء لا يمكن القضاء على حياتهم”، في إشارة ضمنية الى عقوبة الإعدام.
في 2017، نفذت البحرين أول عملية إعدام بعد سبع سنوات من إعدام آخر شخص. ومنذ ذلك الحين، أعدمت ستة أشخاص، بعضهم على خلفية قضايا ترتبط بالاضطرابات التي شهدتها البلاد في 2011. وهناك 26 شخصا محكوم عليهم بالإعدام. وتنفي السلطات البحرينية الانتقادات ذات الطابع الحقوقي التي تطالها.
وقال وزير المالية والاقتصاد الوطني الشيخ سلمان بن خليفة آل خليفة لوكالة فرانس برس الجمعة “لدى البحرين مبادرات هامة للغاية في ما يتعلق بإصلاح العدالة الجنائية وهناك قنوات واضحة للغاية يمكن لأي من المدعيين التقدم بتظلماتهم لديها، ثمة مؤسسات مسائلة راسخة في المملكة”.
وتعليقا على تأكيد البابا على “الحق في الحياة”، قال المسؤول البحريني إن “إشارة قداسة البابا في خطابه كانت مرجعية عامة يمكن طرحها في بلدان تمثل ستين في المئة من سكان العالم”. وتشيد السلطات البحرينية بمضامين خطابات البابا فرنسيس منذ وصوله.