حرية – (5/11/2022)
كثيرات يحرصن على نشر صورهن التي يغلب عليها طابع الإغراء يوميا بانتظار التعليقات والإعجابات… وهذا ما يقوله علم النفس
يوضع حب الظهور عادة في خانة السلوكات الطبيعية للإنسان، خصوصاً مع وجود وسائل التواصل الاجتماعي اليوم كونها ربما تزيد من معدلاته وتعزز تلك الرغبة في نشر الصور وانتظار الإعجابات والتعليقات الإيجابية.
لكن الأمور قد تكون مختلفة في علم النفس، إذ إنه ربما يصنف الأمر ضمن العقد النفسية والسلوكية الاجتماعية أحياناً، كما قد تكون له جذور في تكوين الفرد وتربيته والمحيط الاجتماعي، فيعتبر حب الظهور ولفت الأنظار حاجة نفسية غريزية لا تختلف كثيراً عن الحاجات البيولوجية الجسدية كالحاجة للأكل والشرب.
من حولنا أشخاص كثر اليوم متعطشون للفت الانتباه بأي وسيلة كانت من خلال الشكل الخارجي كالملابس غير المألوفة أحياناً أو من خلال الإطلالات الجريئة ربما، ومنها كثير مما نراه حالياً عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
يبدو ذلك شائعاً بشكل خاص بين المشاهير، تحديداً بعض النجمات والمؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي والعارضات، فكثيرات منهن يحرصن على نشر صورهن يومياً ويغلب عليها طابع الإغراء بانتظار التعليقات والإعجابات.
كما نلاحظ كثيرات ينشرن صورهن الجريئة غير آبهات بردود الفعل السلبية وبما تتركه إطلالاتهن هذه من أثر في من يشاهدها وما يأتي عليها من تعليقات، فيبدو وكأن الرغبة في لفت الأنظار تبقى أولوية بغض النظر عما إذا كانت ردود الفعل سلبية أو إيجابية، وما إذا كانت تعبر عن إعجاب أو نفور.
بين الجرأة والابتذال
ميريام كلينك من العارضات اللاتي اشتهرن بإطلالاتهن الجريئة والمثيرة للجدل ولم تأبه يوماً بردود الفعل عليها، كما صرحت مراراً وإن لم تكن الوحيدة حالياً التي تطل بصور تعتمد على الإغراء فكثيرات يتبعن الطريق نفسه.
وتؤكد كلينك أن إطلالاتها لا تخدش الحياء، موضحة أنها عارضة أزياء وتعرض الملابس الداخلية من سن مبكرة، كما أن والدتها أجنبية واعتمدت تربيتها على فكرة أن إظهار الجسد هو أمر عادي لا يدعو إلى الخجل، لذلك جسمها لا يشكل “عقدة” لها نظراً إلى تربيتها هذه والأجواء التي كانت سائدة في منزلها.
وتقول “في التربية الشرقية يعتبر إظهار الجسد عيباً والمرأة تخفيه، هذا ما لا يتطابق مع تربيتي، فالأمور تختلف بين الأجانب والعرب ولا بد من تقبل ذلك، بالنسبة لي المشكلة ليست في إظهار الجسم من عدمه، إنما في طريقة التصوير التي يمكن أن تكون مبتذلة وفي الفكر وسوء النوايا أيضاً”.
وتعتبر كلينك أن كثيرات يظهرن أجسامهن بطريقة مبتذلة بهدف لفت الأنظار وكسب المال، لكنها تختلف عنهن كونها من بيئة أجنبية وتصرفاتها تلقائية وليس لها أي خلفيات حتى توضع في الخانة ذاتها مع من لهن هذه السلوكات بغض النظر عن مسألة العري، فقد صورت إعلانات مع علامات عالمية من دون أن يكون فيها أي ابتذال ولا يمكن مقارنتها بالفتيات اللاتي لا يهدفن إلا إلى لفت الأنظار بأي وسيلة كانت.
وترى أن كل ما تفعله يتسم بالعفوية التامة بشكل لا يستدعي البحث عن أي خلفية له، أما تسليط الضوء على كل ما تفعله، فسببه أنها مشهورة، على حد قولها، وفي الوقت نفسه، لا تنكر أن نشر الصور على وسائل التواصل الاجتماعي من حين إلى آخر يهمها كما يهم أي شخص.
وتشير إلى أن كسب صورها الإعجابات وارتفاع أعداد متابعيها يرضي غرورها وأن المسألة لا تتخطى هذا الإطار وهي لا توضع في خانة من يعانين حب الظهور إلى حد مرضي، فالاهتمام يسعدها كما يسعد أي شخص آخر.
مرضية أحياناً
بعد أن أصبح نشر الصور الخاصة عبر وسائل التواصل الاجتماعي جزءاً لا يتجزأ من حياة الناس عامة، تشير الاختصاصية في المعالجة النفسية جيزال نادر إلى أن حب الظهور عبر وسائل التواصل الاجتماعي يتحول حالياً إلى أسلوب حياة، بل إلى هاجس لدى كثيرين.
من منظار علم النفس يرتبط الميل المفرط إلى هذا السلوك بنوع من النقص العاطفي وأحياناً بقلة التقدير للذات، “ليس هناك شعور بالوحدة أسوأ من عدم الشعور بالرضا عن النفس”، ربما تعكس هذه العبارة لمارك توين الواقع السائد في أيامنا الحالية وحقيقة ما يحصل مع كثيرين ممن يعانون قلة الثقة بالنفس وما يمكن أن يحدثه ذلك في الفرد حتى يقدم على سلوك يذهب فيه إلى أقصى الحدود.
إنما هنا لا بد من التمييز ما بين حب الظهور عبر إطلالات عادية بانتظار ما يمكن نيله من إعجابات وتلك الجريئة التي تعتمد على الإغراء ونراها بكثرة حالياً عبر وسائل التواصل الاجتماعي في حسابات شابات، سواء كن من المشاهير أو لا.
فتقتصر منشوراتهن على صور فيها كثير من الإغراء أو أنهن يركزن على الإباحية المفرطة لزيادة عدد المشاهدات والمتابعين والإعجابات والتعليقات، وأصبح هذا النوع من السلوك رائجاً ومتداولاً بكثرة بحيث باتت الفتيات مقتنعات تقريباً بأنهن لن يحصدن الإعجابات إذا لم يعتمدن هذا السلوك ويركزن على إطلالات مماثلة.
وفق ما توضح نادر، ربما يكون وراء هذا النوع من “الاستعراض” احتمال وجود الشخصية الهستريونية، وهو نوع من الاضطراب في الشخصية يتميز بمستوى مبالغ فيه من العاطفية وعدم استقرار عاطفي مع حاجة زائدة إلى الاهتمام وسلوكات مغرية، وتشير إلى أن هذا النوع من الأشخاص يشعر بالحاجة للاهتمام وجذب انتباه الآخرين والتباهي والإغواء، وسواء كانوا من الشابات أو الشبان، يسعون بكل بساطة وراء تعاطف الآخرين، فيصبح الإغواء حاجة ملحة للشخص المصاب بهذا الاضطراب العاطفي، فيما لا يشعر بالارتياح في المواقف التي لا يكون فيها مركز اهتمام الآخرين.
هذا، فيما يكون السلوك الإغوائي غير المناسب أو المواقف الاستفزازية أساساً في تفاعله مع الآخرين ويكون تعبيره العاطفي سطحياً وغير مستقر، ويستخدم الشخص المعني مظهره بشكل منتظم لجذب الانتباه، بينما تحمل طريقته في التحدث كثيراً من الأنانية مع مبالغة في التعبير العاطفي.
في الوقت ذاته، بحسب نادر، لا بد من توضيح أن ليس كل من ينشر هذا النوع من الصور يعاني الاضطراب في الشخصية، لكن في حال نشر صور مماثلة بانتظام وبشكل متكرر مع التركيز كثيراً على ذلك، ثمة احتمال بأن يعاني هذا الشخص الاضطراب، كما يمكن أن تكون بعض سمات هذه الشخصية موجودة لدى آخرين أيضاً.
مما يبدو واضحاً أن كثيرات من الفتيات يملن حالياً إلى هذا الاتجاه بنشر الصور التي فيها إغراء بسبب تأثير وسائل التواصل الاجتماعي ورواج فكرة أن السير في الاتجاه ذاته يساعد على نيل مزيد من الإعجابات ويزيد عدد المتابعين ويمكن كسب مزيد من المال.
وتوضح نادر “الأسوأ أننا بتنا نشهد قبولاً لهذا النوع من الإطلالات والسلوكات وكأن العين اعتادت عليه، حتى إن أزواجاً يصورون مع زوجاتهم فيديوهات أو يلتقطون صوراً فيها إغراء وإباحية بهدف الشهرة ولفت الأنظار وزيادة عدد المتابعين أو لجني مزيد من المال” وترى أنه من “المفاجئ أن يزداد رواج هذا النوع من السلوكات غير السليمة التي لا تهدف إلا إلى لفت النظر وحصد الإعجابات”.
الشخصية والتربية
في المقابل للمعالجة النفسية نور واكيم رأي مختلف إذ تشير إلى أن علم النفس ينظر إلى هذا السلوك، كما لأي شيء آخر من دون الجزم، بحيث لا يمكن الحكم على الجميع بطريقة متساوية، فلكل فرد شخصية معينة ويأتي المحيط والتربية والخبرات التي يمر بها لتحدد بشكل أوضح هذه الشخصية التي لديه.
وتقول واكيم “يتأثر السلوك بالخبرات والتربية ولا يمكن إطلاق أحكام على جميع الأشخاص الذين لهم هذا السلوك بطريقة متساوية، بما أن سلوك كل شخص، أياً كانت طبيعته، سواء كان انعزالياً أو مغامراً أو لديه حب الظهور، يتشكل من مزيج من خبراته في الحياة وتربيته ومن شخصيته، بالتالي لا يمكن الجزم بأن أحد الأشخاص يعاني نقصاً معيناً كالنقص العاطفي أو لديه مشكلة نفسية معينة إذا أظهر سلوكاً مختلفاً، وفي هذا الموضوع ليست هناك قاعدة تطبق على الجميع”.
سواء كان هذا السلوك يخفي وراءه اضطراباً نفسياً أو كان ينتج من عناصر ترتبط بالمحيط والتربية، يبدو رواجه الزائد حالياً مثيراً للقلق، بخاصة أن ثمة اتجاهاً لأن يتحول إلى القاعدة مما يزيد من تقبل الناس له والإقبال عليه أكثر في ما بعد.
كارين اليان ضاهر