حرية – (22/11/2022)
بدت ممرضة نشيطة، وحنونة، وكريمة أيضاً؛ ولكن، خلف هذه الشخصية اللطيفة، كانت إيمي آرتشر غيليغان تخفي في الواقع شخصيتها الحقيقية: المرأة المجرمة التي لا تتردد في قتل ضحاياها بالسُّم، بهدف السرقة، حتى ولو تعلّق الأمر بزوجها.
وُلدت إيمي آرتشر في شهر أكتوبر/تشرين الأول من سنة 1868 ببلدة “ميلتون”، في ضواحي مدينة ليتشفيلد بولاية كونيتيكت الأمريكية، وكانت الطفلة الثامنة -من 10 أبناء- لوالدَيها جيمس دوغان وماري كينيدي.
درست إيمي بمدرسة بلدتها الصغيرة، ثم واصلت تعليمها بمدينة نيو بريتن، ولكنها لم تصل إلى المستوى الجامعي واكتفت بتكوين متخصص لتصبح ممرضة.
في الـ29 من عمرها، تزوجت إيمي بجيمس آرتشر مطلع العام 1897، وأنجبا طفلةً في شهر ديسمبر/كانون الأول من السنة ذاتها، أطلقا عليها اسم “ماري جونيور”.
كان جيمس مُتخصصاً هو الآخر في مجال التمريض، وقد حصل في العام 1901 -رفقة زوجته إيمي- على عملٍ مشترك للتكفل بالسيد جون سيمور، مُسنّ أرمل، فانتقلا للعيش معه في منزله بمدينة نيونغتون.
الصدفة في إنشاء دار للمسنين
توفي سيمور بعد 3 سنوات عام 1904، فكانت لحظةً حاسمة في تاريخ عائلة آرتشر، خصوصاً إيمي؛ عندما تحوّل المنزل -من قِبل الورثة- إلى مكانٍ مخصّص للأشخاص المُسنّين.
وقد سُمح للزوجين، جيمس وإيمي آرتشر، بالبقاء فيه وتقديم الرعاية للمُقيمين، مقابل راتبٍ شهري، على أن يدفعا الإيجار لعائلة سيمور. وقد أدارا المنزل تحت اسم “دار رعاية الأخت إيمي لكبار السن”.
كسب الزوجان آرتشر خبرةً كبيرة في رعاية المُسنّين؛ ولذلك فإنّهما لم يجدا أي صعوبة في فتح دارٍ جديدة، عندما قررت عائلة سيمور بيع منزلها في العام 1907.
فانتقل الزوجان للعيش في مدينة ويندسور بولاية كونيتيكت، واشتريا -بفضل المال الذي ادّخراه- منزلاً، ثم حوّلاه إلى “دار آرتشر للمُسنّين والعجزة”.
بعد ثلاث سنوات، توفي جيمس آرتشر بسبب مرضٍ بالكُلى؛ فحصلت أرملته إيمي على مبلغٍ مالي كبير نسبياً من شركة التأمين، ما سمح لها بمواصلة تسيير دار الرعاية الخاصة بالعائلة.
في أواخر العام 1913، تزوجت إيمي آرتشر للمرة الثانية من رجلٍ غني يُدعى مايكل غيليغان. كان أرملاً وله 4 أبناء في سنّ الرشد، ولكنه توفي بعد نحو 3 أشهر فقط من زواجه من إيمي، يوم 20 فبراير/شباط 1914، نتيجة تعرّضه لمشكلة في عملية الهضم.
هذه المرة، حصلت على مبلغٍ مالي كبير من شركة التأمين؛ كما ترك زوجها الثاني أيضاً وصيةً، ومنح إيمي كل ميراثه -عقارات وأموالاً- لوحدها دون أولاده.
شكوك شقيقة إحدى الضحايا قادت إلى الحقيقة
امتلكت “دار آرتشر للمسنين والعجزة” سمعةً جيدة. ففي سنواتها الأولى، كان يحظى المقيمون فيها برعايةٍ جيدة من قِبل جيمس وإيمي آرتشر. وبين عامَي 1907 و1910، لم يمت سوى 12 مُقيماً.
ووفقاً لموقع Çaminteresse الفرنسي، فإنّ كبار السن كانوا يفضلون الإقامة بدار آرتشر بسبب لطف “الأخت إيمي”، كما كان يُطلِق عليها سكان المنطقة. علاوةً على أن مصاريف الإقامة لم تكن باهظة على الشخص الواحد (تُقدّر بألف دولار مدى الحياة) مقارنةً بدور العجزة الآخرين.
لكن بعدما فارق السيد جيمس آرثر الحياة، ولما تكفلت إيمي آرتشر وحدها بتسيير متطلبات الدار، ارتفع عدد الوفيات بشكلٍ ملحوظٍ؛ ما أدخل الشكوك تدريجياً في نفوس عائلات المُسنّين الذين ماتوا في الدار.
ووفقاً لموسوعة Murderpedia، فقد توفي 48 مُقيماً داخل “دار آرتشر للمُسنّين والعجزة” في الفترة ما بين 1911 إلى 1917؛ ومن بينهم رجلٌ يُدعي فرانكلين أندروز، كان يبدو بصحةٍ جيدة، قبل مفارقته الحياة بشكلٍ مفاجئ.
الشرطة تجاهلت الشكوك في البداية
ففي صباح يوم 29 مايو/أيار 1914 كان يهتم السيد أندروز بحديقة دار آرتشر كعادته، لكن صحته تدهورت فجأة وتوفي في مساء اليوم نفسه. ووفقاً للطب الشرعي، فقد حدثت الوفاة بسبب “قرحة في المعدة”.
علمت شقيقة السيد فرانكلين أندروز، نيللي بيرس، أن السيدة إيمي آرتشر غيليغان كانت تضغط على أخيها من أجل تسليمها المال. فساورها الشكّ، لا سيما بعد ارتفاع عدد الوفيات في الدار، لمُسنّين كانوا قد دفعوا أموالاً كثيرة لصاحبتها، قبل وفاتهم بأيامٍ قليلة.
نقلت السيدة بيرس شكوكها إلى وكيل النيابة الخاص بمدينة ويندسور، حيث تتواجد “دار آرتشر للمسنين والعجزة”، لكنه تجاهلها؛ فلجأت إلى الصحافة المحلية لعرض قصتها.
وفي 9 مايو/أيار 1916، نشرت جريدة Hartford Courant المقال الأول -من سلسلة مقالات- حول “مصنع القتل”، بحسب ما وصفته الجريدة المتخصصة في قصص الجرائم الكبرى.
سلسلة المقالات تلك لفتت انتباه الشرطة المحلية بعد أشهرٍ من بداية نشرها، التي فتحت تحقيقاً خاصاً دام حوالي سنة كاملة، لكنه أفضى إلى نتائج مهمة في نهاية المطاف.
فبعد تشريح جثتَي السيّدين غيليغان (الزوج الثاني لإيمي آرتشر) وأندروز -إضافةً إلى ثلاثة آخرين- تبيّن أن جميعهم ماتوا نتيجة التسمّم، سواء بواسطة “الزرنيخ”، أو من خلال “الإستركنين”.
إيمي آرتشر.. ماتت في مستشفى المجانين
بالتزامن، شهدت مجموعة من تجار البلدة أن السيدة إيمي آرتشر غيليغان اعتادت أن تشتري كميةً كبيرة من مادة “الإستركنين”، بحجة قتل الفئران، كما أظهرت تحقيقات الشرطة أن وصية السيد غيليغان كانت مزوّرة، وكُتبت بخط زوجته ماري.
أُلقي القبض على إيمي آرتشر غيليغان، وجرت محاكمتها بتهمة قتل الرجال الخمسة، في ظلّ غياب أي أدلة تُدينها في الوفيات المشبوهة الأخرى، التي حدثت في دار المسنين التي أدارتها بمفردها منذ وفاة زوجها الأول في سنة 1910، إلى غاية توقيفها في 1917.
نجح محامي إيمي آرتشر في تقليص عدد التهم الموجّهة إليها إلى واحدةٍ فقط، وهي قتل السيد فرانكلين أندروز، فتمّت إدانتها رسمياً يوم 18 يونيو/حزيران 1917 بارتكاب تلك الجريمة، وحُكم عليها بعقوبة الإعدام.
طعن محامي آرتشر بالحُكم، لتُعاد محاكمتها للمرة الثانية في العام 1919، وتدّعي خلالها أنها تعاني من الجنون، كما شهدت إبنتها ماري آرتشر أن والدتها كانت مُدمنة على تناول مادة المورفين.
تم تقليص العقوبة، بعد المحاكمة الجديدة، إلى السجن المؤبد؛ ثم حُوّلت في سنة 1924 إلى مستشفى كونتيكت للأمراض العقلية؛ حيث عاشت بقية حياتها حتى وفاتها يوم 23 أبريل/نيسان 1962.
قصة هذه المجرمة المتسلسلة ألهمت العديد من الروائيين وفناني المسرح والسينما، فأُنتجت أفلام عدة عن حياتها، على غرار فيلم Arsenic and Old Lace للمنتج والمخرج السينمائي الأمريكي -الإيطالي فرانك كابرا.كما صدرت روايات عدة حول قصة السيدة آرتشر، لعلّ أبرزها The Murder Factory (عام 2016) وThe Devil’s Rooming House (عام 2011).