حرية – (23/11/2022)
باسنت موسى
الكأبة والحزن واليأس وحوش ناهشة للروح تواجه الإنسان فتطرحه أرضًا، بحيث يصبح حى بلا حياة حقيقية بلا طعم للأشياء بلا أحلام بلا فرحة بلا أمل بلا شعور سوى بالألم.
الألم الذي يعتصر النفس ويجعلها تصرخ معلنة إما الاستسلام للوحوش الضارية الناهشة فيها أو الصراخ، وتتعدد أنواع الصراخ وأشكاله من الصراخ الداخلي مرورًا بالصوت المسموع نهاية بالانتحار النفسي أو الجسدي، إلا أن أقوى تلك الصرخات أو الصرخة المُنقذة هي تلك التي توجه للخالق لله. الله قادر على لمس النفس المتألمة بالكأبة والحزن واليأس ليخفف ألامها بوسيلة العلم والمعرفة وأليات تطوير وتغيير الفكر.
فالله يلمس نفوسنا المتألمة عبر وسائلنا البشرية لتطوير عقولنا وفهم طبيعة حياتنا، أي أن المساعدة الإلهية المستجيبة لصرختك المتألمة لا تمر دون إرادتك ووعيك وتحركك لتغيير الألم وفهم أسبابه والتكيف معها ومعالجتها متى كانت لك القدرة على ذلك.
كلما جريت من الوحش يجري وراءك بصورة وسرعة أكبر لالتهام أكبر قدر من نفسك، ولهذا الهروب تحت غطاء الضحكة والصخب الغير مفهوم أو مبرر لا يعكس قدر مواجهتك للوحش بقدر ما يؤكد استسلامك لغرس أسنانه داخلك.
عليك أنت تنظر لعين الوحش عينًا بعين لتقول له: “أهلا بك لمحت رائحتك الفتاكة القاتلة وأعرف بأنك جئت لتكسر نفسي وتحطم جسدي”. سأهادنك بسياستي الخاصة وبمعونة العلم ويد الله الماثلة بالعلم والمعرفة للمواجهة مع ذلك الوحش المفترس ندًا بند بقوة الانتصار وبسلاح المعرفة والمواجهة. فليس عيبًا أن تعيش حزنك العيب كل العيب أن تكون عارف بموطن الألم ومُصر على تجاهله وعدم الاعتراف به لعلاجه.
لكل أب وأم لا تسلموا أبنائكم منذ طفولتهم لوحوش الكأبة واليأس والحزن، بتأنيبهم المستمر والتقليل المستمر من شأنهم، وترهيبهم بسطوة المجتمع والدين وسلطتكم عليهم. الوحش الذي تسلموا أطفالكم له وهم صغار يزرع بداخلهم شجرة الألم التي قد يستطيعوا كبارًا إقتلاعها أو قد لا يستطيعوا فينتهى بهم الحال “منتحرين” نفسيًا أو جسديًا، والنهايتين في غاية الفزع إلا أننا لا نخشى سوى تلك الجسدية، ذلك لأنها تضعنا تحت الضوء وتكشف عوراتنا الفكرية ونحن غالبيتنا ليس ضد الذبول إنما ضد إعلان ذلك الذبول.
عادة لا نشعر بوجع المحترق نفسيًا لكن يفزعنا فقط أن يشتم أحدهم الرائحة. لكل أب وأم أنتم المصدر الأول لكل شيء بحياة أبنائكم.
علموهم أن الخطأ ليس نهاية الكون فليس للكون نهاية طالما هناك حياة حقيقية.
علموهم بأنهم يستحقوا التقدير والأحترام والحب لا لإنجاز يصنعوه إنما لكونهم أولاً إنسان.
علموهم ألا يعتادوا الأذى ممن حولهم كما إنكم تقدموا لهم ذلك الأذى بمعاييركم التي لا تنتهي نحو الأفضل والأحسن والأجمل والأروع وما إلى ذلك من عبارات تصلح لتقييم الماكينات وليس الأبناء. فكل إنسان مميز بذاته هناك شيء ما يميزه غير بصمته ولا يميز غيره وإلا يكون الله خلق نسخ مكررة في صورة “بشر” وهو الغير ممكن من كلي الفهم.
العالم رغم قساوته إلا أنه ليس بقسوة أب وأم قرروا أن يجعلوا أبنائهم فريسة لوحش الكأبة والعزلة والحزن واليأس، ومن لا يُدرك مسؤولية أن يأتي بإنسان للحياة أن يمتنع عن الإنجاب وتوريد نفوس تستحق الحياة لوحوش لا ترحم ولا تعرف سوى لون واحد “الأسود الداكن” ورائحة “الموت”