حرية – (24/11/2022)
انتقد معهد “واشنطن” الامريكي، الدعوات العراقية لـ”تغيير” النظام السياسي وتعديل الدستور من اجل تحويله الى نظام رئاسي، متسائلا عما اذا النظام البرلماني القائم هو بالفعل السبب في فشل استقرار العراق.
واعتبر المعهد الأمريكي في تقرير، ان ما يجري الآن في العراق كنظام سياسي لا علاقة له بالنظام الذي حدده دستور العام 2005، وانما ما هو “نظام ودولة موازية” انشأته الأحزاب السياسية الطائفية، ليتوافق مع مصالحها.
شماعة النظام البرلماني
واشار الى انه منذ التصويت على الدستور العراقي عام 2005، سارع الكثيرون لإلقاء اللوم على النظام البرلماني “غير الفعال” كونه السبب وراء جميع الأزمات التي يمر بها العراق، مضيفا ان هذه الانتقادات برزت مؤخرا بعدما قام أنصار التيار الصدري باقتحام مبنى مجلس النواب والاعتصام فيه ومطالبة مقتدى الصدر بتغيير الدستور والنظام السياسي.
وتابع التقرير ان هذه الدعوة تلتها بيانات ومواقف مماثلة من قوى عديدة منها “عصائب أهل الحق” بزعامة قيس الخزعلي والتي جددت الحديث عن ضرورة اعتماد النظام الرئاسي، حيث وصفت هذا النظام بـ”المناسب للعراق” وقال النائب السابق القيادي في الحركة نعيم العبودي وزير التعليم العالي والبحث العلمي الحالي في تدوينة له، “إن إصلاح النظام السياسي، صار مطلبًا أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى”.
واوضح ان دعوة تشكيل نظام رئاسي أو شبه رئاسي في العراق ليست فريدة من نوعها، فقد سبق وأطلقها الشيخ قيس الخزعلي في العام 2012، وكذلك دعت حركة “امتداد” المنبثقة عن الحراك الشعبي الشبابي في العام 2019، إلى تغيير نظام الحكم في العراق من برلماني إلى رئاسي أو شبه رئاسي للخروج من الأزمة السياسية الراهنة التي تعصف بالبلاد.
وقالت حركة “امتداد” في بيان، إن من أهم المبادئ التي اعتمدتها الحركة منذ تأسيسها هي: تعديل الدستور، وتغيير شكل النظام إلى رئاسة أو شبه رئاسي، كما ترى الحركة أن تغيير النظام هو أحد أهم أهدافها الرئيسية كحزب ناشئ، مبررة ذلك بأن انتخاب الرئيس من قبل الشعب بشكل مباشر يمكن أن ينهي نظام المحاصصة الذي صار يعرقل أي حركة إصلاحية في العراق.
مفارقة غريبة
إلا أن التقرير الأمريكي اعتبر أن المفارقة الغريبة في هذا الموضوع هو أن الطرفين المتنازعين في العراق يرون أن النظام هو سبب الفشل الحكومي في العراق.
واشار الى انه رغم تضمن دستور 2005 القائم العديد من الأبواب، ومنها المبادئ الأساسية، وشكل الدولة، والحكومة، والحقوق والحريات العامة، والسياسية، وحرية المجتمع، والحريات الفكرية، والسلطات الثلاث الاتحادية والهيئات المستقلة، وسلطات الأقاليم والمحافظات، فإن هناك شخصيات مثل الخزعلي ترى أن السبب الرئيسي وراء فشل الأحزاب السياسة هو النظام وليس أداء الأحزاب، كما أن لدى الخزعلي قناعة بحق الشيعة في التفرد بالسلطة وذلك لكونهم المكون الأكبر في البلاد.
واضاف انه عند تحليل السياسة في العراق في حقبة ما بعد العام 2003، فإنه يجب على المراقبين أن يسألوا أنفسهم: هل حقا النظام البرلماني هو سبب فشل استقرار العراق؟.
نظام ودولة موازية
واضاف التقرير ان المتابع للشأن العراقي والعملية السياسية هناك بعد أحداث العام 2003، وسقوط النظام السابق سيدرك أن ما يتم التعامل به كنظام سياسي في العراق ليس ذاك النظام الذي حدد دستور العراق لسنة 2005، لأن الموجود اليوم هو نظام ودولة موازية، حيث عملت الأحزاب السياسية الطائفية على إنتاج نظام يتوافق مع مصالحهم بعيدا عن مصالح الشعب، وهو ما جعل من الدستور العراقي شيئا هامشيا ومجموعة من إجراءات شكلية وليس أكثر.
وبالاضافة الى ذلك، ذكر التقرير ان العادات السياسية و”التقاليد” التي أرستها القوى السياسية المختلفة في العراق، تتخطى تلك الإجراءات الدستورية بغية الإبقاء على النخبة في السلطة.
واشار الى انه منذ تأسيس الدستور والتصويت عليه، فضلت القوى السياسية أن تسلك مسارات أخرى بعيده عما حدده الدستور، بل تمسكت بقوانين الأنظمة الاستبدادية السابقة.
النظام الموازي الفعلي
وذكر معهد “واشنطن” ان تدهور البنية الدستورية في العراق وتهميش الأحزاب السياسية للقوانين الرئيسية، اصبح أمرا مثيرا للقلق بشكل خاص، خاصة بعد أن عملت بعض الأحزاب السياسية على تهميش الدستور والقوانين المكملة له مثل قانون النفط والغاز (المادة 110) وقانون إدارة المنافذ الحدودية والعشرات من المواد الاخرى من أجل ضمان مصالحهم ومكانتهم في السلطة.
فوضى إدارية
واعتبر التقرير ان ذلك ادى الى خلق فوضى إدارية في البلاد وخلق أزمات وخلافات طويلة الأمد بين الحكومة الاتحادية وإقليم كوردستان حول كيفية الإدارة ووارداتها.
ولفت التقرير الى فشل الأحزاب السياسية العراقية في الالتزام بالشروط الدستورية المهمة مثل المادة 38 من الدستور التي أكدت على الحريات الأساسية مثل حرية التعبير وحرية التجمع السلمي والتظاهر السلمي.
وتابع ان الأحزاب السياسية القائمة فضلت الإرث الديكتاتوري على الدستور الجديد ولم تعمل على تشريع قوانين تتعلق بتلك الحقوق، بل تمسكت عوضا عن ذلك، بالقوانين الدكتاتورية مثل المادة 228 من قانون العقوبات العراقي لسنة 1969 والتي من شأنها تكميم الأفواه وتقويض حرية التعبير.
“دولة مشوهة”
عملت الأحزاب السياسة أيضا على إنتاج دولة فيدرالية “مشوهة” عبر بوابة القضاء، فعوضا عن العمل كوسيط غير منحاز بين الأحزاب والكيانات الفيدرالية، أصبح نظام المحاكم الفيدرالية مجرد امتداد لمصالح الأحزاب ولديناميات طائفية مفسدة.
ورأى التقرير انه بعد ان تم التلاعب بالدستور من قبل الاحزاب السياسية، صارت السلطة القضائية تفسر مواد الدستور وفقا لمصالحها.
وأورد التقرير امثلة على ذلك كتفسير القضاء للمادة 73 والمتعلقة بمفهوم “الكتلة الأكبر”، حيث سبق لهذا المفهوم أن أثار خلافا كبيرا في الانتخابات البرلمانية في العام 2010 بين الكتلة الفائزة الأولى، كتلة العراقية التابعة لإياد علاوي (91 مقعدا)، والكتلة الفائزة الثانية، كتلة دولة القانون لنوري المالكي (89 مقعدا)، فرغم حصول علاوي على المقاعد الأكثر إلا أن المحكمة الاتحادية، وبضغط من المالكي، فسرت الكتلة الأكبر على أنها الكتلة التي تتشكل داخل البرلمان، وشكّل المالكي الحكومة حينها، وفاز بولاية ثانية، وهو ما ادى إلى تغيير المسار الديمقراطي في البلاد والإضرار به.
تفكيك النظام الموازي
وختم التقرير بالقول انه برغم ان الدستور لم يتم منحه فرصة حقيقية للتطبيق على ارض الواقع، الا انه ما يزال امام الحكومة فرصة لتحقق نجاحاً أكبر في هذا الشأن من خلال التطبيق الدقيق للدستور والالتزام الصادق بأحكامه، والعمل على إلغاء التعديلات الجذرية التي حدثت في النظام السياسي.
وتابع قائلا انه برغم ان مطلب تشكيل نظام رئاسي قد يكون مطلبا واقعيا وذلك في ضوء السياق العراقي الحالي، الا انه من المهم أن نفهم أن دستور عام 2005 لم يتم تجريبه بعد، وبالتأكيد لا يوجد مبرر للسياسيين والناشطين للدعوة لإلغائه.
وخلص التقرير الى القول ان النظام القائم حاليا هو “نظام ودولة موازية، أحدهما أنتجته الأحزاب وقامت بالتلاعب به على مر السنين بعيدا عن القانون ووفقا لمصالحها”.
واضاف انه فيما تلقي الاحزاب اللوم على الهيكل الحكومي، فإن السلطات لم تحرك ساكنا، وانما سعت وراء مكاسب حزبية وشخصية على حساب كرامة وطنهم ومواطنيهم.
ودعا التقرير جميع الجهات المختصة مثل المحكمة الاتحادية العليا والبرلمان، من اجل العمل على تفكيك النظام الموازي مع الحفاظ على الدستور العراقي نفسه وإبعاده عن الأهواء والمصالح الضيقة لسياسات الأحزاب الطائفية.