حرية – (26/11/2022)
شربل صفير
في وقت تنذر الخلافات المتفاقمة بين الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني، المتهم بإحتكار السلطة في إقليم كردستان، بتصدع قد ينتهي إلى نظام الإدارتين الذي كان معمولاً به في السابق في الإقليم، وفق متابعين، وضعت الحكومة العراقية خطة نشر وحدات عسكرية على الحدود العراقية مع إيران وتركيا، مشيرة إلى التنسيق بين الجيش العراقي ووحدات بإستهداف الأحزاب المعارضة لهما في شمالي العراق.
ويأتي ذلك بموازاة حراك للبرلمان العراقي الذي عقد، الثلاثاء، جلسة مغلقة استضاف فيها قيادات عسكرية وأمنية رفيعة، لبحث الهجمات الإيرانية والتركية المتكررة على بلدات عراقية حدودية، ضمن إقليم كردستان ونينوى، والتي تصاعدت خلال الشهرين الماضيين، مخلفة ضحايا بين المواطنين العراقيين.
ما علاقة واشنطن ؟
وبعد يوم واحد من لقاء مغلق لرئيس إقليم كردستان العراق نيجيرفان البارزاني، مع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، بحث فيه بحسب بيان رسمي ملف الهجمات التركية والإيرانية المتواصلة داخل إقليم كردستان، رأى الكاتب الباحث في الشأن السياسي العراقي، قاسم بلشان التميمي في تصريح لـ “جسور”، أنّ اجتماع السوداني وبارزاني أتى ليضع الخطط والتكتيكات لمواجهة الإعتداءات المتكررة من قبل إيران وتركيا تحت ذريعة وجود عصابات مسلّحة عدائية للدولتين، وبإعتقاد التميمي فإستباحة الأراضي العراقية من قبل طهران وأنقرة جاء بسبب الخلافات الداخلية الموجودة في البيت العراقي العربي أو الكردي.
وطالب حكومتي بغداد وأربيل بوضع خلافاتهما جانبا والتوجّه بقلب واحد ويد واحدة لمواجهة التهديد والخطر الخارجي من قبل إيران وتركيا، وأشار إلى أنه في حال لم يتم إيجاد الحلول الفورية للتدخلات الخارجية فيجب صياغة اتفاقية بين حكومتي بغداد وأربيل تنصّ بشكل واضح وصريح على أنّ سيادة العراق مقدّسة، ويجب بالتالي أن يتّفق الجميع عليها، كما يتوجّب على حكومتي بغداد وأربيل وفق التميمي ترك خلافاتهما والتركيز نحو العدوّ الخارجي، فضلا عن إيجاد الثقة المتبادلة بين جميع الساسة في البلاد خصوصا بين حكومتي بغداد وإقليم كردستان، والتي ستساعد بشكل كبير إن وُجدت على حلّ جميع المشكلات الداخلية والخارجية.
في المقابل، رأى التميمي لـ “جسور” أنّ العراق يمكنه أن يفعّل اتفاقية الإطار الأمني الموقّعة مع الولايات المتحدة الأميركية في عهد حكومة نوري المالكي، والتي بموجبها ستتكفّل واشنطن بمساعدة بغداد في حال تعرضها لإعتداء خارجي.
“نوايا حسنة”
من جهته، رأى الباحث في الشأن السياسي العراقي، علي السامرائي، أن العلاقة بين الإقليم والمركز لم تخلو من نوايا حسنة يكّنها الطرفان للوصول إلى حلّ دائم ومتجذّر في ممارسة صلاحياتهما كما رسمها الدستور وأقرّتها سياسات الحكومات المتعاقبة على حد سواء بين الإدارتين، وهو ما سيحتّم التوصل إلى مستوى متقدم من تصفير الخلافات وفضّ الإشتباك بين حدود الصلاحيات وحسم القضايا العالقة، لا سيّما وأن العراق والمنطقة يتعرضان لتهديدات وتطورات عسكرية على خلفيّة الاحتجاجات والتظاهرات في إيران منذ أكثر من80 يوما، وأزمة تعقيد المشهد في تركيا بعد العملية الأخيرة في منطقة تقسيم وسط إسطنبول.
واللافت في هذه المرحلة، يقول السامرائي، إن التهديدات والاعتداءات العسكرية من قبل دول الجوار (أي تركيا وإيران) ضد الأراضي العراقية وسيادة البلد، وضعت الجميع (الاقليم والمركز) في مرمى واحد وتحت نيران متعددة، وهو ما ظهر جليا في نمط القرارات الأخيرة لمجلس الوزراء في إعادة تشكيل قوات الحدود البرية والتصدي للخروقات المتكررة “وان بدت خجولة ومن باب حفظ ماء الوجه” إلا أنها أشارت بقوة إلى تذمّر الطبقة السياسية من تداعياتها وتحمل نتائجها، وعدم التوصل إلى حل بشأنها، في ظل تنامي التذمّر الشعبي، من جراء سقوط ضحايا وأبرياء وتدمير ممتلكات ومنشآت لمواطنين لا علاقة لهم بتلك الخلافات.
الحلول المقترحة
وعن الحلول التي يمكن طرحها في هذه المرحلة الحسّاسة، يقول السامرائي إنها تكمن في تدويل تلك الخروقات كما حصل ويحصل في مناطق عدة، وتدخل دولي يحمي شعب العراق وأراضيه، وينهي تلك الخروقات بالقوة، ولمجلس الامن الدولي سابقة في ذلك عندما أقرّ حدود “خطي العرض والطول 23/36إبّان العقوبات الإقتصادية والحصار على العراق في عقد التسعينيات من القرن الماضي، والوقت الحالي وإن كان استثنائيا وفق السامرائي، طرق باب مجلس الامن الدولي وجهة حيوية ومصيرية ستؤثر بشكل ما على فكر وروح استباحة الحمى العراقية، والاستهانة بها.
السوداني إلى طهران
دبلوماسياً، من المفترض أن يقوم السوداني بزيارة قريبة إلى طهران وأنقرة لبحث الملف مع المسؤولين فيها، وإيجاد الحلول المناسبة.
وقال النائب عن تحالف “الفتح” (جزء من الإطار التنسيقي)، معين الكاظمي، في اتصال مع “جسور” إنّ “ما يحصل داخل الأراضي العراقية من استهداف عسكري بحجة وجود أحزاب معارضة لكل من إيران وتركيا، أمر غير مقبول”.
وأكد أنّ “زيارات السوداني المقبلة تشمل إيران وتركيا، من أجل معالجة هذه المشكلة، وتكون للعراق جهود حثيثة لمنع تواجد حركات توصف بأنها إرهابية على أراضيه”. وأضاف أنّ “ذلك الإجراء يجب أن يواجه من قبل إيران وتركيا بإحترام سيادة العراق”، مؤكداً أنّ “تسوية هذا الملف بحاجة إلى تفاهم جدي وحقيقي، واستعداد عراقي لمنع تحرك الجماعات المناهضة لكل من إيران وتركيا على أراضيه”.
في المقابل، أعلن قائد القوات البرية في الحرس الثوري الإيراني إرسال وحدات مدرّعة وقوات خاصة إلى مناطق كردية بهدف “منع تسلّل إرهابيين” من العراق المجاور. وقال الجنرال محمد باكبور إن “بعض الوحدات المدرعة والقوات الخاصة التابعة للقوات البرية تتجه حاليا إلى المحافظات الحدودية في غرب وشمال غرب البلاد”، والهدف منع تسلل الجماعات الإرهابية التابعة للجماعات الانفصالية المتمركزة في إقليم شمال العراق”.
وفي هذا الإطار، يقول الكاظمي لـ “جسور”، إنّ إيران حريصة على سلامة حدودها وعدم تدفّق الإرهابيين داخل طهران خصوصا وأن هناك دولا كبرى تدعم هذا التدخل سواء من الحدود العراقية أو من حدود أفغانستان وباكستان وغيرها تحاول محاصرة إيران والأخيرة تسعى لمواجهة هذه التحديات.
وفي بغداد، تفيد معلومات من مصادر داخل “الإطار التنسيقي” بأن قادة الإطار التنسيقي بحثوا مع رئيس الحكومة محمد شياع السوداني أسلوب حل الخلافات مع أربيل، وبسبب تقاطع الرؤى فضّل الجميع استخدام عبارة “مظلة الدستور العراقي بوصفها مفتاحاً لتأجيل الملف، وهو ما كرره السوداني في بياناته الرسمية.
وفي هذا الشأن، يرى الكاظمي لـ “جسور” أنّ تحالف “إدارة الدولة” الذي شكّل الحكومة وانتخب رئيساً للجمهورية في 27 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، فيه توافقات مسبقة وسيكون له الدور الأساس في التوصّل إلى قناعات واتفاقات تحسم هذه الخلاقات بين بغداد وأربيل.
ويبدو أن الاجتماع بين السوداني وبارزاني منح الكرد وقتاً مستقطَعاً من الهجمات الإيرانية على إقليم كردستان، وليس بالضرورة أن يتوصلا إلى حل سريع خلال هذه المرحلة، في حين يبدو أنها زيارة لإخماد حرائق سياسية في بغداد، تأخذ شكل هجمات صاروخية في أربيل.
طهران تبرّر!
وكانت إيران برّرت في وقت سابق قصفها للجماعات الكردية الإيرانية المعارضة في كردستان العراق بالتشديد في رسالة إلى مجلس الأمن الدولي على عدم وجود “خيار آخر” لديها لحماية نفسها من “جماعات إرهابية”. وتتّهم إيران هذه المجموعات بشنّ هجمات على أراضيها بالتسلل انطلاقا من العراق، وكذلك بتأجيج الاحتجاجات، التي تشهدها الجمهورية الإسلامية منذ وفاة الشابة مهسا أميني في الـ 16 سبتمبر/ أيلول.