حرية – ( 22/12/2022)
“قليل من الحب كثير من العنف”، عبارة نستطيع بها أن نصف رد الفعل تجاه كل عمل فني يتناول أي سيرة ذاتية للنجوم والمشاهير، ومهما كان العمل محكماً ومبنياً على أحداث حقيقية أو شهادات حية أو حتى خطوط خيالية، نجد آلاف المعارضين، سواء من الورثة أو النقاد أو الجمهور نفسه.
وقد يكون الفنان بلا ورثة وحياته شديدة الغموض مثل النجمة الراحلة مارلين مونرو، ومع ذلك فإن هناك آلاف المعارضين لتقديم قصة حياتها بالطريقة التي تناولها فيلم “بلوند” ولعبت بطولته الكوبية آنا دي أرماس وشارك في إنتاجه براد بيت، وكتبه وأخرجه النيوزيلندي أندرو دومينيك، عن رواية لجويس كارول أوتسو، وعرض بمهرجان فينيسيا الأخير، كما يعرض على منصة “نتفليكس”، حيث أثيرت الانتقادات التي تصف الفيلم بتشويه النجمة الراحلة وإظهارها بطريقة توحي بأنها مختلة نفسياً، كما رصد الفيلم علاقات مارلين العاطفية بطريقة تسيء إليها لحد كبير، بحسب رؤية بعض النقاد والجمهور أيضاً.
ومهما كان الحرص في تقديم حياة أحد المشاهير، من ناحية الدقة أو حتى الخيال، فلا مناص من الهجوم الدائم، وسواء كانت أعمالاً عربية أو أجنبية، على رغم اختلاف مستوى التناول والجرأة بين الشرق والغرب في استنساخ شخصيات المشاهير فنياً.
تدخلات حتمية
عشرات الأعمال على مر التاريخ الفني تم تقديمها في الدراما والسينما العربية عن مشاهير ونجوم وسياسيين، وفي كل مرة يعلن عن بداية مشروع على هذه الشاكلة تبدأ العراقيل والتدخلات الحتمية، فيظهر الورثة الذين يهددون بالتوقيف أحياناً أو يعرضون التعاون مقابل شروط مادية وفنية، مثل التدخل في كل كبيرة وصغيرة، وإزاحة التفاصيل التي لا تروقهم، كما يصرون أحياناً على اختيار البطل الذي يجسد شخصية من يقربونه.
وقد تزيد التدخلات لتخرج العمل عن مساره المحايد وتظهره بشكل مهلهل في كثير من الأحيان. ومن أبرز الأعمال التي قدمت سيراً ذاتية لفنانين ومشاهير “ناصر 56″ عن الرئيس المصري جمال عبدالناصر و”أيام السادات” عن الرئيس أنور السادات، و”أم كلثوم” و”حليم” و”قلبي دليلي” عن قصة حياة ليلى مراد، و”أبو ضحكة جنان” عن حياة إسماعيل ياسين، و”الشحرورة” عن سيرة ذاتية للفنانة صباح، و”أسمهان”، و”السندريلا” عن سعاد حسني، و”فاروق” عن الملك فاروق، و”نزار قباني”، و”تحية كاريوكا”، و”الأيام” عن حياة الأديب طه حسين.
وهناك مشروعات أعلن عن نية تنفيذها عن مشاهير آخرين مثل الموسيقار بليغ حمدي وأحمد زكي ورشدي أباظة ومحمد فوزي وداليدا، لكنها لم تر النور حتى الآن.
صورة بيضاء
ما تشهده أعمال السير الذاتية من عراقيل ورفض تام لذكر حقائق عن النجم أو الشخص المؤثر ظاهرة تتجدد مع كل عمل فني، وحول أسباب تلك الظاهرة التي تتصاعد بلا توقف قالت الناقدة ماجدة خير الله، “دائماً ما أتساءل أمام أي عمل فني عن شخص مشهور: هل ذكر حقائق ومعلومات غير مثالية عنه ينتقص من قدره؟ هل يؤثر في المحتوى وانصراف الناس عنه؟”. وتضيف “الإجابة أنه للأسف في عالمنا العربي الناس يحبون أن يروا النجم أو الشخص الشهير بصورة بيضاء وكأنه ليس إنساناً، فطالما رحل يجب ألا نذكر أي مساوئ له، على رغم أن تقديم الشخصية على حقيقتها لا تنتقص أي شيء من أهمية الشخص أو قيمته”.
وتابعت خير الله، “الورثة هم حلقة الضعف في معظم الأعمال الفنية التي تخص المشاهير، فلا بد من الحصول على إذنهم، وإلا تعرض العمل للوقف مثلما حدث مع مسلسل العملاق الذي أخرجه يحيى العلمي في نهاية الثمانينيات عن حياة عباس العقاد، وجسد بطولته الفنان محمود مرسي، وتم عرض المسلسل مرة واحدة على القناة الأولى بالتلفزيون المصري، وعلى رغم أن العقاد لم يتزوج ولم يكن له أبناء، فإن ابن شقيقه تدخل واعتبر علاقة العقاد وحبه الفنانة مديحة يسري أمراً مسيئاً، بالتالي استطاع وقف عرض العمل”.
وتواصل، “في مسلسل أم كلثوم تجنب المؤلف الراحل محفوظ عبدالرحمن الصدام مع الورثة وقدم الشخصية بعيداً من الصراعات التي حدثت في الحقيقة، إرضاءً لهم، لكن بالقدر الفني الذي جعل العمل يخرج بصورة درامية متزنة. وتكرر الأمر مع مسلسلي العندليب، والسندريلا وواجه صناعهما حالة من الصراع مع الزمن للانتهاء من التصوير قبل الصدام مع الورثة الذي من شأنه وقف التصوير أو العرض”.
تقول خير الله إن “هذا الصراع تسبب في ضعف بعض الأعمال بشكل كبير، مثل مسلسل السندريلا الذي كان شديد الضعف درامياً وفنياً، وظهرت بطلته منى زكي وكأنها تقدم مشاهد منقولة من أهم أعمال سعاد حسني الفنية، دون التطرق للدراما والحكايات الحقيقية التي قد لا تروق الورثة أو بعض الأطراف المتشابكة في العلاقات مع الفنانة الراحلة”.
فاروق ونزار
وترى ماجدة خير الله أن مسلسلات “نزار قباني” و”فاروق” و”أسمهان” من أبرز الأعمال الفنية التي تعد استثناءً بعيداً من المبالغة أو التسطيح في التناول الفني والدرامي، قائلة “مسلسل فاروق الذي كتبت له السيناريو لميس جابر يعتبر أول مسلسل درامي يقدم صورة حقيقية ومن لحم ودم لشخصية الملك فاروق، وقد تكون مخالفة للتوقعات، لكنه جاء إنساناً طبيعياً له محاسن ومساوئ.
أما مسلسل “أسمهان” فقد تجاوز كل الحواجز وأبرزها شروط الورثة، وقدم العمل بشكل فني ودرامي وحقيقي في الوقت نفسه بشكل حقق حالة ممتعة للجمهور والنقاد، بخاصة أنه استطاع تقديم صورة فنية مميزة جداً ورؤية وعناصر مبهرة لدرجة أنه كان العمل الأبرز عام 2008.
حرية الإبداع
وأشارت ماجدة خير الله إلى أنه على الجانب الآخر من العالم، وبالتحديد في أوروبا وأميركا هناك حرية إبداع تتيح الاقتراب من أي مشروع أو سيرة ذاتية من دون خوف أو قلق من الورثة أو بعض الجهات، حتى لو كان العمل يتناول حقائق صادمة أو يعتبرها البعض مسيئة للشخصية، وهذا الانفتاح الكبير تسبب في تقديم أعمال سير ذاتية عظيمة جداً وراقية وملهمة مثل تقديم قصة حياة المطربة الفرنسية إديث بياف التي عانت طفولة تعيسة وفقيرة في أحد بيوت الدعارة بعد تخلي والدتها عنها، وجسدت الشخصية ماريون كوتيار في هذا الفيلم الذي حمل اسم “الحياة الوردية”، وحصلت عنه كوتيار على أوسكار أفضل ممثلة لعام 2007، وقدمت السينما العالمية أيضاً قصة حياة الفنان الكوميدي تشارلي شابلن، وتعرف الجمهور بكل جرأة على حياته القاسية ودخول أمه مصحة وهو في مرحلة الطفولة ومعاناته الشديدة في الفن والفقر.
اللعنة
الناقد جمال عبدالقادر يرى أن الفن العربي لم يحالفه الحظ بشكل كبير في تقديم أعمال فنية جيدة عن سير ذاتية لنجوم أو ساسة أو مشاهير راحلين، بل اعتبرها البعض لعنة تصيب نجوم العمل، حيث أصيبت منى زكي بحالة اكتئاب شديدة بعد الهجوم عليها عقب تجسيد شخصية سعاد حسني في مسلسل “السندريلا”، واختفى شادي شامل بعد عدم الترحيب به في شخصية حليم بمسلسل “العندليب”، وكذلك لم تقدم كارول سماحة أي عمل فني بعد مسلسلها “الشحرورة” عن قصة حياة صباح، والأمثلة كثيرة جداً على لعنات أصابت من قدموا أدوار البطولة في سير ذاتية.
وربما المستوى الرديء الذي طغى على معظم الأعمال الفنية عن قصص حياة المشاهير بسبب الخوف من الورثة أو تحكم الجمهور أو التحسب لهاجس القضايا والمشكلات، جعل الحصيلة الجيدة من تلك الأعمال نادرة جداً، ومنها مسلسل “أم كلثوم” و”فاروق” و”أسمهان” وفيلم “السادات” و”ناصر 56 ” ومسلسل “نزار قباني”، ونحن في انتظار مسلسل عن نجيب الريحاني، وهو “الضاحك الباكي”، تحت قيادة مخرج كبير هو محمد فاضل، لكن الحكم على المحتوى ما زال مبكراً حتى يعرض بالكامل.
رفض على قيد الحياة
وأضاف عبدالقادر أن ما حدث في الأعمال السابقة جعل معظم النجوم يرفضون وهم على قيد الحياة أن يتم التطرق لقصة حياتهم، حيث رفضت نادية لطفي ومديحة يسري وهما على قيد الحياة تناول حياتهما بأي شكل من الأشكال.
وكذلك فعلت نبيلة عبيد ونادية الجندي وميرفت أمين ونجاة، وجميعهن الآن يرفضن بشكل قاطع وينبهن على عدم استخدام حياتهن بعد وفاتهن، فمثلاً نبيلة عبيد أكدت أنها حكت في لقاءات تلفزيونية عن تفاصيل حياتها، ومن أراد معرفة شيء عنها فعليه مشاهدة الحديث منها في البرامج وليس من خلال عمل تمثيلي لا تعرف عنه شيئاً، وفي الغالب لن يقدمها بشكل جيد.
أعمال منتظرة
وفي الوقت الذي ما زال هناك هجوم ضار على فيلم “شقراء” الذي تناول قصة عن حياة مارلين مونرو، فالعالم مستمر في تقديم سير ذاتية مهمة، ومنها فيلم “مايسترو” الذي يجسد من خلاله برادلي كوبر سيرة ومسيرة الموسيقار الأميركي ليونارد برنستاين الذي حصد عشرات الجوائز بينها إيمي وغرامي، وفارق الحياة في عام 1990.
ومن أكثر الأفلام المنتظرة كذلك فيلم “Freuds Last Session”، ويقدم فيه النجم العالمي أنتوني هوبكنز شخصية عالم النفس الرائد سيغموند فرويد الذي توفي نهاية الثلاثينيات من القرن الماضي.
وستقدم النجمة روني مارا شخصية نجمة السينما الراحلة أودري هيبورن في فيلم يخرجه لوكا جوادانيينو، ويستعد توم هولاند لتقديم قصة حياة أسطورة الرقص الأميركي فريد أستير الذي فارق الحياة عام 1987، وعمل مذيعاً ومدرب رقص وممثلاً ومغنياً.