حرية – (27/12/2022)
بالتوازي مع تسريع موسكو خطواتها لترتيب أولويات المرحلة المقبلة مع بيلاروسيا، الحليفة الرئيسية للروس في مواجهتها الحالية مع الغرب، بدا أن ردود الفعل الغاضبة في روسيا على تصريحات أميركية حول ضرورة «قطع رأس الكرملين» قد حملت إشارات تحذيرية مباشرة من انزلاق الموقف، نحو وضع وصفه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، بأنه «خطر».
وفي ثاني لقاء خلال الأسبوع الأخير، يجمع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو، بدا أن الطرفين نجحا في تجاوز عدد من الملفات الخلافية المطروحة على الطاولة، حول ملف الاندماج الكامل والتعاون في كل المجالات، بما في ذلك على الصعيد العسكري.
وأعرب لوكاشينكو، الثلاثاء، عن ارتياحه لنتائج اجتماع مطول عقد في ساعة متأخرة ليلة الثلاثاء مع بوتين، وقال إن الطرفين «ناقشا أمس كثيراً من القضايا». وجاء الاجتماع بعد مرور أيام قليلة على زيارة عمل قام بها بوتين إلى مينسك، وصفتها مصادر إعلامية بأنها تهدف إلى جذب الجارة الأقرب لروسيا، للانخراط مباشرة في الحرب الأوكرانية.
ومع أن الطرفين الروسي والبيلاروسي رفضا تلك التصريحات، وأعلنا أن خطواتهما المشتركة لا تقتصر على تعزيز التعاون العسكري؛ بل تمتد لتشمل المناحي الاقتصادية، ومسائل التكامل في إطار دولة الاتحاد بين البلدين؛ لكن القرارات التي أعلنت بعد ذلك دلت إلى توسيع التحضيرات المشتركة لاحتمال فتح جبهة جديدة على الحدود البيلاروسية الأوكرانية، بما في ذلك من خلال تعزيز القوات المشتركة على الحدود، ونشر مظلة دفاع صاروخي مشتركة، وتأكيد موسكو خطوات لإطلاق تدريبات للقوات البيلاروسية على استخدام أسلحة ومعدات حديثة.
وحمل اجتماع الرئيسين في وقت متأخر مساء الاثنين إشارات إلى وجود بعض النقاط التي تحتاج إلى توافق على أعلى المستويات. ولم يعلن الجانبان تفاصيل عن أجندة اللقاء؛ لكن لوكاشينكو قال إنه «يجب أن أقول إنه بالأمس ناقشنا كثيراً من القضايا؛ خصوصاً في الاقتصاد». وزاد أنه «تم الاتفاق أخيراً على كثير من القضايا، لقد تم وضع النقاط على الحروف». ووفقاً له، فإن حكومتَي روسيا وبيلاروسيا سوف «تستكملان التفاصيل».
في غضون ذلك، برزت ردود فعل روسية غاضبة على تصريحات مسؤولين عسكريين أميركيين، حملت تهديداً بـ«توجيه ضربة لقطع رأس الكرملين». ومع الحملة الإعلامية القوية على التصريحات، شدَّد وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، على خطورة الانزلاق نحو توسيع المواجهة، ورأى أن التصريحات «هي في الواقع تهديد بالتصفية الجسدية لرئيس الدولة الروسية».
وأضاف لافروف في حديث لوكالة أنباء «تاس» الحكومية، أن «واشنطن ذهبت أبعد من الجميع. هناك بعض المسؤولين من (البنتاغون) هددوا بتوجيه ضربة قطع الرأس إلى الكرملين. في الواقع، نحن نتحدث عن تهديد بالتصفية الجسدية لرئيس الدولة الروسية». وحذر من أنه «إذا قام شخص ما برعاية مثل هذه الأفكار، فعليه أن يفكر ملياً في العواقب المحتملة لمثل هذه الخطط».
وذكَّر الوزير الروسي بتصريحات سابقة لمسؤولين غربيين ألمحت إلى احتمال انزلاق الموقف نحو مواجهة نووية، وزاد: «يبدو أنهم تخلوا تماماً عن اللباقة. وكانت ليز تراس (رئيسة وزراء بريطانيا السابقة) قد أعلنت خلال مناظرة سبقت الانتخابات، أنها مستعدة تماماً لإصدار أمر بتوجيه ضربة نووية».
وأشار أيضاً إلى مطالبة الرئيس الأوكراني من بلدان «الناتو»: «توجيه ضربات نووية وقائية إلى روسيا»، معتبراً أن «هذا أيضاً يتجاوز حدود ما هو مقبول». وخلص لافروف إلى أن «سياسة الغرب التي تستهدف احتواء روسيا خطيرة للغاية؛ وتنطوي على مخاطر الانزلاق إلى صدام مسلح مباشر بين القوى النووية». وزاد: «نحن من جانبنا على استعداد لمناقشة القضايا الأمنية، سواء الخاصة بالوضع في أوكرانيا، أو على المستوى الاستراتيجي الأوسع. دعونا ننتظر حتى تنضج واشنطن، لتدرك فشل مسارها الحالي، وتتأكد من عدم وجود بديل عن بناء علاقات معنا على أساس الاحترام المتبادل والمساواة، مع مراعاة إلزامية المصالح الروسية المشروعة».
وقال إن الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، بالإضافة إلى أوكرانيا، يريدون «هزيمة روسيا في ميدان المعركة من أجل تدميرها».
بدوره، قال الناطق الرئاسي الروسي دميتري بيسكوف، إن روسيا «لن تجري مفاوضات بناء على شروط الآخرين». وزاد أن موسكو انطلقت في دعواتها للحوار «من شروطنا والتفكير السليم».
وجاء حديث بيسكوف رداً على تصريحات وزير الخارجية الأوكراني دميتري كوليبا، الذي قال إن السلطات الأوكرانية تسعى لعقد «قمة سلام» في الأمم المتحدة، مع أمينها العام أنطونيو غوتيريش، بصفة الوسيط المحتمل.
وقال كوليبا في تصريح لوكالة أنباء «أسوشييتد برس»، الاثنين، إنه «راضٍ تماماً» عن نتائج زيارة الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي إلى واشنطن الأسبوع الماضي، وكشف عن أن الحكومة الأميركية وضعت خطة خاصة لتجهيز بطارية صواريخ «باتريوت» للتشغيل في بلاده، خلال أقل من 6 أشهر. وأشار كوليبا إلى أن أوكرانيا «ستقوم بكل ما في وسعها للفوز بالحرب في 2023»، مضيفاً: «تنتهي كل حرب بطريقة دبلوماسية. تنتهي كل حرب نتيجة إجراءات تتخذ في ساحة المعركة، وعلى طاولة المفاوضات».
ورداً على سؤال حول ما إذا كانت موسكو ستُدعى لحضور «قمة السلام» في فبراير (شباط)، قال إنه «يجب أولاً إجراء محاكمات جرائم الحرب في محكمة دولية».
وفي تعليق روسي آخر، قال نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل غالوزين، إن موسكو لا ترفض مقترح التسوية السياسية للنزاع في أوكرانيا، ولكن ليس على أساس الشروط التي تطرحها كييف حالياً. وقال غالوزين في مقابلة مع وكالة أنباء «تاس»: «إن القصور التام في قرارات وأفعال نظام كييف الحالي الذي يشتهر سياسيوه بعدم التزامهم وعدم أهليتهم للتفاوض، أمر واضح تماماً».
وأضاف نائب وزير الخارجية: «على الرغم من أن روسيا لا ترفض خيار المفاوضات والتسوية السياسية للنزاع، فإنّنا لن نتحدث عن الشروط التي طرحتها القيادة الأوكرانية. كل شيء يعتمد الآن فقط على استعداد كييف والقيمين الغربيين لحل سياسي دبلوماسي حقيقي للأزمة». كما وصف غالوزين بالأمر «غير المقبول على الإطلاق»، ما وصفها بـ«مبادرات السلام التي يطلقها الرئيس الأوكراني، والتي بموجب تنفيذها يزعم أنه مستعد لعقد هدنة مع روسيا».
وكان زيلينسكي قد اقترح «مبادرة حسن نية»، تقوم على سحب القوات الروسية من «الأراضي الأوكرانية» بحلول عيد الميلاد. ووصف غالوزين الاقتراح بـ«الأمر السخيف».