حرية – (19/1/2023)
شربل صفير
شكّل عام 2022 واحدًا من أسوأ الأعوام على حرية الصحافة وسلامة الصحافيين حول العالم، وذلك بعدما سجّل أرقامًا قياسية لم ترصدها المؤشرات منذ نحو 30 عامًا، وفق تقارير منظّمات حقوقية ومهنية في هذا الشأن.
وسجّلت انتهاكات بارزة العام الماضي، اتخذت طابعا أكثر تطرفًا، تمثلت في اغتيال صحافيين، واعتقال أعداد كبيرة منهم، فضلا عن الملاحقة والتهديد والترهيب التي باتت نهجًا معتمدًا أكثر من كونها حالات متفرقة أو فردية، فيما كانت منطقة الشرق الأوسط، الساحة الأوسع لهذه الممارسات، ولاسيما الدول العربية وتحديدًا إيران التي احتلت مراتب متأخرة جدًا في المؤشرات المتعلقة بحرية الصحافة.
مضايقات وتهديدات
وتُمثل تغطية واحدة من أكبر القصص الإخبارية العالمية في الوقت الحالي تحديًا مستمرًا للصحافيين في خدمة بي بي سي فارسي، الذين لا يُسمح لهم بدخول البلاد، ويعانون من مضايقات يومية، وتتعرض عائلاتهم في الوطن للترهيب.
ويتطلب ذلك من صحافيي بي بي سي فارسي العمل على مدار الساعة، لكن تغطية الأحداث في طهران ليست مجرد تحدٍ لوجستي، بل له أيضًا عواقب شخصية خطيرة، فالمضايقات التي تمارسها الحكومة الإيرانية لها عواقب على حياة الصحافيين.
فقد أصدرت وزارة الخارجية الإيرانية في أكتوبر/تشرين الأول من عام 2022، بيانًا أدرجت فيه بي بي سي فارسي في قائمة الأفراد والمنظّمات التي تفرض عليها عقوبات بسبب ما وصفتها بأعمالها المتعمدة في دعم الإرهاب، والتحريض على العنف وخطاب الكراهية وانتهاك حقوق الإنسان.
وتلقى صحافيّو بي بي سي فارسي تهديدات عبر الإنترنت بالقتل وتهديدات بارتكاب أعمال عنف مروعة، وآلاف التعليقات المسيئة المنسّقة.
وأكّد أفراد عائلاتهم في إيران أيضًا تعرّضهم لمضايقات متزايدة وشديدة، بما في ذلك استدعاءهم للاستجواب والتهديد بسبب عمل أفراد من أسرهم في بي بي سي.
وتشهد إيران تظاهرات واسعة منذ سبتمبر/أيلول الماضي، إذ أشعل مصرع مهسا أميني، البالغة من العمر 22 عاما، في الحجز احتجاجات حاشدة ضد فرض الحجاب والقيود الأخرى مما أدّى إلى إطلاق دعوات لتغيير النظام.
واقع مترد
وفي منتصف ديسمبر/أيلول الماضي، كشف تقرير صادر عن “لجنة حماية الصحافيين”(CPJ) أن عدد الصحافيين السجناء في العالم بلغ أعلى رقم على امتداد السنوات الثلاثين الماضية، ووصل إلى 363 صحافيًا، بحلول الأول من ديسمبر/أيلول عام 2022، مما يمثّل رقمًا قياسيًا ويشكّل زيادة بنسبة 20 في المئة عن عام 2021.
هذا الواقع المتردّي لحرية الصحافة في الدول العربية والعالم عمومًا، يدفع المراقبين للقلق حول ما قد يحمله العام 2023، لاسيما وأن المسار انحداري خلال السنوات الماضية، فيما المؤشّرات السياسية والاقتصادية تشير إلى مزيد من الأزمات على صعيد العالم.
وفي هذا السياق، يشير المتحدث الإعلامي باسم منظمة “سكايز – عيون سمير قصير”، جاد شحرور، إلى أنّ وجود قاعدة في الشرق الأوسط تربط بين الاستقرار الأمني للبلاد بموضوع الحريات الصحفية وحرية التعبير.
ويضيف في اتصال مع “جسور”: “كل الأنظمة القمعية تضع هذه المعادلة، على قاعدة الإيحاء بأنها ليست أنظمة قمعية بل تدعم الحريات، ولكن هناك مواضيع معيّنة لا تريد التداول بها، فتحجبها بحجة إثارة نزاعات طائفية أو ضجة أمنية أو عدم استقرار معين”.
ويشدّد شحرور على أن النظام السياسي القائم يمثل واحدًا من أبرز التحديات التي تواجه الإعلام، فإما أن يكون ممولاً وراعيًا له، أو يخضعه لسلطته بقوانين رجعية، وهذا التوجّه لا يختلف بين الشعوب والحضارات واللغات، كل الأنظمة في العالم تضع معادلة الاستقرار مقابل حرية التعبير وحرية الإعلام، معتبرًا أنّ حجم الانتهاكات بالأرقام لا يهم اليوم، بقدر ما يهم التركيز على المعركة لتغيير الذهنية السياسية تجاه الإعلام أولا، وفهم أن الإعلام صناعة ويحتاج حرية لإنتاج محتوى أقرب إلى المواطن، بدل اختصاره بأن يكون أداة سياسية.
إيران.. الأسوأ
وشهد وضع الصحافيين في إيران تدهورًا شديدًا إثر الانتفاضة الشعبية، التي اندلعت في سبتمبر/أيلول الماضي، على خلفية مقتل مهسا أميني، لتحتل المرتبة الأولى بعدد الصحافيين المحتجزين في العالم، حيث كان يقبع في سجونها 62 صحافيًا، بحلول الأول من ديسمبر/أيلول الماضي، وفقًا لتقرير “لجنة حماية الصحفيين” (CPJ).
وكانت إيران قد بلغت المرتبة العاشرة عالميًا، في عام 2021، ممّا يعكس قسوة القمع الحكومي للانتفاضة التي تقودها النساء، وهو ما يتضح في اعتقال النظام الإيراني عددًا قياسيًا من الصحافيات (22 صحافية من مجموع 49 صحافي اعُتقلوا منذ انطلاق التظاهرات) وهو ما وصفته لجنة الحماية الصحفيين بأنه “سعي لكبح التغطية الصحافية الصادقة بشأن التظاهرات”.
وانحدار تصنيف إيران على مؤشّرات الحريات الاعلامية ينعكس أيضًا في التقرير السنوي لمنظمة “مراسلون بلا حدود”، التي تصدّر مؤشرها الخاص لحرية الصحافة حول العالم، واحتلت فيه الجمهورية المرتبة 178\180، حيث تليها دولتان فقط هما إريتريا وكوريا الشمالية.
لبنان
ويشهد لبنان بدوره تضييقًا على الصحافيين، إما من خلال التهديدات على مواقع التواصل الاجتماعي، أو التهديدات المباشرة، بحسب منظمة “مراسلون بلا حدود”، التي ترى أن الأبرز في المشهد اللبناني كان التهديدات التي طاولت الصحافيين، فضلاً عن استدعاءات أمنيّة بحقهم، حيث تمّ توثيق أكثر من 74 انتهاكًا لحرية الصحافة العام الماضي، أغلب هذه الانتهاكات تتمثل باعتداءات مباشرة على الصحافيين، وتهديدات وترهيب.
وجاء لبنان في المرتبة 130 وفق تصنيف “مراسلون بلا حدود” للعام 2022، التي اعتبرت أن أبرز الانتهاكات المسجّلة هذا العام في البلاد هو نهج الإفلات من العقاب، الممتد على كل الأمور في لبنان، من ضمنها الاعتداء على الصحافيين حيث لا يعاقب أحد، والمثال الأبرز على ذلك قضية اغتيال الصحافي، لقمان سليم، التي لم تصل حتى الآن إلى أي تحقيق جدي يحدد المسؤولين، كخطوة أولى على طريق المحاسبة.
العراق
وبينما كان الواقع الصحافي في إقليم كردستان العراق من بين الأفضل في المنطقة نسبة لما حولها، تراجع وضعه هذا العام، وفق “مراسلون بلا حدود”، حيث سجّل اعتداءات جديّة على حرية الصحافة.
وفي هذا السياق، أصدرت جمعية الدفاع عن حرية الصحافة في العراق، تقريرها السنوي الخاص برصد الانتهاكات التي طاولت الصحافيين والصحافيات خلال العام الحالي 2022، مؤكدةً أنها رصدت تراجعًا واضحًا في حرية الصحافة بالبلاد.
وبحسب التقرير فقد سُجلت 60 حالة اعتقال واحتجاز، وحالتا تهديد بالقتل، فضلاً عن 12 حالة بين اقتحام ومداهمة وهجوم مسلح، كما رصدت 9 إصابات و254 حالة بين اعتداء بالضرب ومنع وعرقلة التغطية.
ولفتت الجمعية إلى أن “السلطات والجهات السياسية والمسلّحة النافذة تواصل الخروقات الدستورية الفاضحة في العراق، إذ وثّقت الجمعية 380 حالة انتهاك صريحة تنافي المادة 38 من الدستور”، وأشارت إلى أن “عدم الاكتراث الحكومي” أدّى إلى ارتفاع حالات الانتهاكات قياسًا بالعام الماضي.