حرية – (23/1/2023)
ولى زمن “العطور السينييه” لدى شريحة كبيرة من اللبنانيين، فالرخاء والرفاهية باتا من ماضي الزمن الجميل وبدأت مرحلة البحث عن بدائل أقل كلفة في زمن الانهيار المالي وبلوغ الدولار رقماً قياسياً عند 51000 ليرة لبنانية.
لم يجد هؤلاء بداً من التوجه إلى محال العطارة التي تقدم بعض العطور الزيتية التقليدية أو إلى تلك المتاجر المخصصة لتركيب العطور “البديلة” آخذة في التوسع والانتشار، حيث يحاول التجار الاستعانة بـكيماويين لتقليد الأصناف الأصلية، استناداً إلى خبراتهم، فيما تنشط شركات تؤمن زيوتاً عطرية مستوردة من الخارج.
وبين هذا وذاك تنشط صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي مخصصة لبيع العطور “الأصلية” بأسعار مخفضة، كما تروج لنفسها، وهناك بعض وكلاء العطور الأجنبية الذين يحاولون الاستمرار في السوق من خلال اعتماد سعر مخفض للدولار لبيع ما لديهم من كميات مخزنة واستمرار المنافسة في أوساط الشباب والمراهقين.
العطور الأصلية مكلفة
حافظت محال العطور الأصلية على زبائنها الأوفياء من “أصحاب الدخول المرتفعة” فهي جزء أساسي من حياتهم لا يمكن التخلي عنها، لكنها في المقابل خسرت ذوي الدخل المتوسط والموظفين الذين يبحثون عن سبيل للتكيف في ظل الانهيار بعد عقود من العلاقة الراسخة مع العطور الفرنسية الساحرة.
بات ثمن عبوة العطر تتجاوز قدرة أي موظف عمومي على شرائها بسبب تجاوز متوسط ثمن العبوة العادية 80 دولاراً، ويرتفع إلى 130 دولاراً لبعض العبوات المشهورة، وصولاً إلى 200 دولار لبعضها.
إحدى المدرسات قالت “كان أجرنا يساوي 1400 دولار تقريباً، لم نكن نجد في ثمن عبوة العطر الأصلية عبئاً، فالـ100 دولار هي جزء بسيط من الراتب، أما اليوم ومع تجاوز الدولار 50 ألفاً، فلم يعد أمامنا إلا الاقتصاد في استخدام ما لدينا بانتظار الفرج”.
هذا الكلام تؤكده شابة أخرى تعمل في مجال الهندسة، “أنا معتادة منذ أعوام على استخدام عطر فرنسي بثمن 130 دولاراً ولا يمكنني الاستغناء عنه، بدأت بتقنين استعماله للمناسبات فقط”.
وقالت الشابة متهكمة “كنا نغطس أنفسنا بالعطور الساحرة، أما الآن، فأصبحنا نكتفي بعدد قليل من الرشات”.
وبات لافتاً للأنظار تبدل السلوك اللبناني باستخدام العطر، إذ أعلن بعضهم عن “التوجه إلى محال تركيب العطور لشراء تلك الشبيهة واستخدامها في الحياة اليومية والعمل، فيما يخصص الأصلية للمقابلات والاجتماعات المهمة بقصد جذب الانتباه لأن العطر هو جزء من الهوية”، فيما لا يتأخر بعض اللبنانيين عن المبادرة إلى طلب العطر كهدية من المغتربين لسببين، الأول عدم القدرة على شرائه، والثاني أن هناك شكاً كبيراً بجودة ما يروج له في السوق المحلية بفعل ازدهار التزوير والتهريب.
ازدهار العطور المركبة
خلال العقد الأخير ازدهرت محال تركيب العطور البديلة، فبعد أن بدأت على شكل أحادي تحولت إلى سلاسل محال تنتشر في مختلف الأراضي اللبنانية. واستفادت هذه التجارة من خبرات “العطارين السوريين” الذين جاؤوا إلى لبنان حاملين خبراتهم في هذا المجال.
يستخدم هؤلاء بعض تقنيات الترويج التي تخاطب حواس الزبائن والمارة في الأسواق، بحيث ينتشر أعداد من هؤلاء الشبان الذين يحملون قصاصات كرتونية مغطاة بالزيت العطري، وتمكن هذه الطريقة الأشخاص من اختبار العطور الجديدة، بالتالي جذبهم إلى داخل المتجر للاختيار أو تركيب الخاصة بهم.
كما تمكن هؤلاء من تطوير تقنيات وأدوات جديدة لجذب مزيد من الشرائح عبر استخدام الصناديق الخشبية المزينة والمحفورة، إضافة إلى العبوات ذات الجمالية الجذابة.
لاحظ أصحاب محال بيع العطور ازدياداً في الطلب على العطور المركبة، وقالت الشابة ساندي، مسؤولة في محل عطر، “هناك توجه كبير نحو العطور المركبة بديلاً عن تلك الأصلية، يأتينا الزبائن ويقولون لنا كنا نستخدم العطر الفلاني الأصلي ونريد تركيبة مشابهة”، إذ إن الزبائن يبحثون عن العطر الذي يحافظ لهم على أناقتهم ونظافتهم الشخصية ومكانتهم الاجتماعية.
التركيبة دقيقة
ينتمي العطر إلى فئة المركبات الكيماوية وهي تتألف من الزيت العطري والمادة الكحولية المثبتة ويتم ملؤها في عبوة محكمة الإغلاق.
تلفت ساندي إلى أن “هناك درجات للزيوت العطرية، فهناك النوعية الجيدة والأصلية وهناك نوعيات منخفضة”، مشيرة إلى أن “المحال المهمة تستورد الزيت العطري الفرنسي الذي يعطي رائحة شبه مطابقة للعطر الأصلي”. وعليه، يفترض الاستفادة من خبرات مركبي العطور لمزجها بطريقة احترافية.
مجد، مركب عطور، أكد “يمكننا الحصول على عطر شبيه بالأصلي في حال إضافة الكمية المناسبة من الزيت والمادة الكحولية”، موضحاً أن “بعض المتاجر تقلل من كمية الزيت العطري للتوفير وزيادة المادة الكحولية، وربما يكون الهدف المنافسة، لكن ذلك سيؤثر في النتيجة لأن العطر لن يعلق على بشرة الزبون أو ملابسه”.
صانع العطور الخبير قادر على تركيب عطور جديدة
وجزم مجد أن العطور المركبة هي أفضل بكثير من تلك المقلدة التي تحاول خداع المستهلك من خلال الشكل الخارجي، وأشار إلى أن صانع العطور الخبير قادر على تركيب عطور جديدة، بحيث لا تطغى العناصر على بعضها بعضاً وإنما تتكامل لتعطي هوية جديدة.
ولفت إلى أن المؤسسة التي يعمل فيها صنعت عطرين خاصين بها وبدأ الزبائن بطلب العطر الذي أعجبهم مجدداً بعد تجربته للمرة الأولى.
وتنبه ساندي إلى ضرورة التزام مقادير التركيبات وعدم التلاعب بها من أجل استمرار جذب الزبائن على المدى البعيد، “فإذا شك الزبون للحظة واحدة بجودة العطر لن يعود مجدداً إلى المتجر”، لكن في المقابل يمكن أن نوضح له إمكانية التوفير من خلال انتقاء عبوة منخفضة الثمن في حال كان العطر للاستخدام اليومي، وتكشف عن أن “بعض الزبائن يحضر العبوة الأصلية التي يملكها ويطلب ملأها بالتركيبة العطرية المشابهة”.
البحث عن نصيحة
يعتبر العطر جزءاً جوهرياً من شخصية الفرد، فبعضهم يميل إلى العطور الثقيلة وعالية الديمومة والثبات كالعود العربي، فيما يفضل آخرون العطور الخفيفة الحمضية ورحيق الفواكه.
وتتطرق ساندي إلى فئة من الزبائن التي تأتي لتطلب النصيحة وكيفية اختيار العطر، فهي تنصح باستخدام عطور العود في موسم الشتاء لأنها تمنح الشعور بالدفء، أما خلال الصيف، فيفترض استخدام العطور الفواحة والمنعشة، ناهيك عن اختلاف العطور بين النهار والليل، وتلك التي تستخدم أثناء التوجه إلى العمل وتلك المخصصة للمناسبات.
وترى أن “كل شخص ينتقي العطر الذي يراه مناسباً له ولشخصيته لأن هناك أفراداً لا يحبون مطلقاً العطر، فيما هناك فئة تتقصد إبراز وجودها من خلال العطر المنتشر في الأرجاء، ليقول الشخص أنا هنا”.