حرية – (26/1/2023)
تعددت التفسيرات التي حكمت تصريحات رئيس مجلس الوزراء، محمد شياع السوداني، خلال مقابلته مع محرر صحيفة “وول ستريت جورنال”، بتاريخ 15 كانون الثاني الجاري، بأن بلاده لا تزال تحتاج إلى القوات الأجنبية، وهي القوات التي معظمها أميركية، بحسب تحليل لـ”الحائط العربي”.
وذكر التحليل (26 كانون الثاني 2023)، إنه ومن أبرز تلك التفسيرات قانونية بقاء القوات الأميركية لمحاربة داعش، والعمل على استقرار الأوضاع العامة في العراق، والابتعاد عن محاولات استفزاز الجانب الأميركي والبحث عن دعم واشنطن لحكومته، والتخفيف من حدة التذبذب في سعر الدينار أمام الدولار.
فقد اعتبر رئيس الوزراء، محمد شياع السوداني، أن بلاده لا تزال “بحاجة إلى القوات الأجنبية” الموجودة فيها، مشيراً إلى أن “القضاء على تنظيم داعش سيستغرق بعض الوقت”.
وقال السوداني، في المقابلة التي نشرتها صحيفة “وول ستريت جورنال”، إن “التهديد للعراق مصدره تسلل خلايا (التنظيم الإرهابي) من سوريا”؛ مؤكداً “لسنا بحاجة إلى قوات تقاتل داخل الأراضي العراقية”.
ولم يُعبّر السوداني فقط عن اعتقاده بأنه “ليس مستحيلاً أن تكون للعراق علاقة جيدة مع كل من إيران والولايات المتحدة”، ولكنه أيضاً، من خلال هذه المقابلة، أظهر “الود” تجاه الولايات المتحدة الأميركية، بما يُشير إلى أسباب متعددة يستند إليها في المطالبة ببقاء القوات الأميركية في العراق.
جدل متصاعد
وفق الصحيفة الأميركية فإن تأكيد رئيس الوزراء العراقي على أن القضاء على تنظيم “داعش” الإرهابي يحتاج إلى المزيد من الوقت، إنما يأتي كـ”إشارة” إلى فرق القوات الأميركية، وقوات حلف شمال الأطلسي “ناتو”، التي تقوم بمساعدة وتدريب الوحدات العراقية في مكافحة التنظيم، لكنها تظل بمنأى عن القتال الفعلي إلى حد كبير.
وقد أشعلت تصريحات السوداني، الذي تولى منصب رئيس الوزراء في أكتوبر الماضي، حالة من الجدل في الشارع العراقي، فضلاً عن التصريحات السياسية المناهضة له، والمطالبة بضرورة تحديد جدول زمني لانسحاب القوات الأميركية وبقية القوات الأجنبية من العراق.
بحلول عام 2017، لم يعد تنظيم داعش يسيطر على الأراضي العراقية، واستطاعت القوات العراقية وبدعم من قوة “المهام المشتركة” من تحرير الموصل، آخر معاقل التنظيم.
ومنذ ذلك الحين، احتفظت الولايات المتحدة بوجود عسكري محدود في العراق، لتدريب وتقديم المشورة ودعم القوات العراقية في مهامها لملاحقة فلول التنظيم؛ إلا أن داعش أظهر قدرة على الظهور مرة أخرى عبر تنفيذ هجمات ضد القوات الأمنية العراقية.
ومن هنا أظهرت الحكومات العراقية المتعاقبة الرغبة في استمرار وجود دعم عسكري أميركي محدود ومتواصل في العراق، وهذا رغم معارضة بعض الجهات السياسية الفاعلة في الداخل العراقي، خصوصاً تلك التي على علاقة وثيقة مع طهران.
أسباب متعددة
واللافت أن ثمة أسباباً متعددة يستند إليها رئيس الوزراء العراقي في المطالبة ببقاء القوات الأميركية، لعل أهمها ما يلي:
1- قانونية بقاء القوات الأميركية لمحاربة داعش: بالمقارنة مع حالة غزو العراق، في عام 2003، فإن العمليات العسكرية الأميركية ضد تنظيم داعش لها أساس قانوني، فقد كانت موافقة الحكومات العراقية حجر الأساس القانوني لتلك العمليات، هذا فضلاً عن دعم مجلس الأمن الدولي، بموجب القرار رقم “2249” لعام 2015، والذي دعا الدول إلى “اتخاذ جميع التدابير اللازمة” لمنع الأعمال الإرهابية التي يرتكبها التنظيم، ومن ثمّ أصبحت محاربة التنظيم هدفاً يسعى إليه المجتمع الدولي كله وليس العراق فحسب.
أضف إلى ذلك، أن قائد القيادة المركزية الأميركية، الجنرال إريك كوريلا، بحسب ما تذكر صحيفة “اليوم السابع”، الأحد 15 يناير، قد قال في تقرير للقيادة المركزية، تناول تفاصيل العمليات التي تقودها واشنطن لمكافحة داعش في سوريا والعراق: “إن هناك جيشاً داعشياً بالمعنى الدقيق محتجزاً في البلدين، ومخاطر إفلاته كارثية”، مؤكداً أن “نحو 10 آلاف من قادة وعناصر داعش موجودون بمنشآت احتجاز بشتى أنحاء سوريا، وحوالي 20 ألفاً مثلهم في العراق”؛ وهو ما يُمثل أحد الأسباب الرئيسية لمُطالبة السوداني ببقاء القوات الأميركية في العراق، وعدم تحديد جدول زمني لانسحابها.
2- العمل على استقرار الأوضاع العامة في العراق: تأتي تصريحات السوداني حول التواجد الأميركي في العراق، في خضم التطورات السياسية التي تجتاح المنطقة، والأبعاد الاستراتيجية لدعوة الولايات المتحدة العراق لبناء علاقات متوازنة، خاصة مع “الغرب”.
وفيما يبدو، تعمل واشنطن على استقرار الأوضاع العامة في العراق للحفاظ على أسعار الطاقة في السوق العالمية، بل وانسيابية عملية تصدير النفط العراقي، بما يخدم المصالح الأميركية، ويساهم في تخفيف الأعباء عن شركاء الولايات المتحدة من الأوروبيين.
وهذا ما أدركه رئيس الوزراء العراقي الذي حظي بـ”ستة” لقاءات مع السفيرة الأميركية في بغداد، إلينا رومانوسكي، تلك التي أعطت انطباعاً واضحاً عن دعم الإدارة الأميركية ومساندتها لحكومة السوداني. أضف إلى ذلك أن تصريحات السوداني تتزامن مع موعد زيارته المرتقبة إلى واشنطن، بما يُعطي رسالة دقيقة منه مفادها “الحفاظ على علاقات جيدة مع الولايات المتحدة”.
3- الابتعاد عن محاولات استفزاز الجانب الأميركي: من الواضح أن السوداني يحاول جاهداً الابتعاد عن أية محاولة لاستفزاز الجانب الأميركي، بل على العكس فهو يعمل على توطيد العلاقات ومحاولة الابتعاد عن الضغوط السياسية التي تُبديها أطراف متحالفة في “الإطار التنسيقي”، الذي أوصل السوداني إلى منصب رئيس الوزراء.
أيضاً محاولته إيجاد حالة من التوازن الذي يتيح له نجاح زيارته إلى واشنطن، وتعزيز الدعم لحكومته، ومنع أي تهديدات ضد الوجود الأميركي؛ خصوصاً أنه يعلم أن الحكومة السابقة (حكومة الكاظمي) كانت قد وقّعت اتفاقاً مع الإدارة الأميركية، في 31 ديسمبر 2021، ينص على بقاء القوات الأميركية وبعدد 2000 عنصر عسكري.
ويُدرك السوداني عدم استطاعة العراق، بمؤسساته الأمنية الحالية، توفير حماية أمنية فعالة للمصالح الأميركية، من قواعد وعتاد، أو توفير هذه الحماية للمستشارين العسكريين الذين يتولون مهام التدريب والتسليح والعمل الاستخباراتي.
وتتبدى أهمية مطالبة السوداني ببقاء القوات الأميركية، خاصة في إطار رغبته في التهدئة وعدم إثارة مشاكل أمنية مع الولايات المتحدة، بعد أن تراجعت هجمات المليشيات “الولائية”، أي الموالية لإيران، على القواعد الأميركية منذ توليه السلطة.
4- التخفيف من حدة التذبذب في سعر الدينار أمام الدولار: يأتي مؤشر التذبذب في سعر الدينار العراقي أمام الدولار الأمريكي ليدل على “تنبيه أميركي حاد”، وتشدد في فرض قيود على تزويد العراق بالعملة الأمريكية؛ وهي رسالة أميركية إلى إيران لكي لا تفترض الأخيرة أن مجيء حكومة السوداني قبل شهرين يعني تسهيلات عراقية أكثر لطهران يمكن أن تتيح لها “خرق” العقوبات الأميركية.
وبالتالي، فإن “أزمة الدينار” ليست بعيدة عن اختيار السوداني الإدلاء بتصريحات “هادئة” بشأن الوجود العسكري الأميركي.
كذلك، يُدرك السوداني الاختلاف بين موقف إيران العلني والفعلي بشأن الوجود العسكري الأميركي في العراق؛ إذ بالرغم من موقف طهران والجماعات الموالية لها داخل العراق من مسألة ضرورة الانسحاب العسكري الأميركي من العراق، إلا أنها تُدرك تماماً أن أي انسحاب أميركي قد يؤدي إلى عقوبات أميركية حقيقية على العراق، خاصة مع عجز العراق عن الالتزام بالعقوبات الأميركية، حيث يحظى باستثناء أميركي مؤقت، يتم تجديده كل (90) يوماً فيما يتعلق بوارداته من الغاز والكهرباء الإيرانيين، بما يعني أن طهران ستخسر شريانها الاقتصادي الرئيسي الذي يمدها بالعملة “الصعبة”، في ظل الظروف الاقتصادية التي تعيشها في إطار العقوبات الأميركية والغربية عليها.
تصريحات صديقة
في هذا السياق، يمكن القول إن تصريحات رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، إنما تأتي كمحاولة من جانبه لكسب ود واشنطن، وتدعيم العلاقات العراقية الأميركية، لأجل دعم حكومته ومساعدتها على حلحلة بعض المشكلات الأمنية والاقتصادية التي يعاني منها العراق؛ فضلاً عن أن هذه التصريحات تأتي استكمالاً وتفعيلاً للاتفاق بين الإدارة الأميركية والحكومة العراقية السابقة، حكومة الكاظمي، بشأن تواجد القوات الأميركية.
ويبدو بوضوح أن السوداني لم يُطلق هذه التصريحات دون الاتفاق مع “الإطار التنسيقي”، فهو مرشح الإطار، و”النظام” في العراق لديه اتفاقية أمنية مع الولايات المتحدة. وتصريحات السوداني لا تخرج عن هذه الاتفاقية، وإن كانت محاولة من جانبه لكسب الود الأمريكي عبر تصريحات “صديقة جداً” للولايات المتحدة.