حرية – (27/1/2023)
مطلع يناير (كانون الثاني) الحالي، أعلنت السلطات القضائية في إيران أنها استكملت مع القضاء العراقي التحقيقات الأولية حول قضية اغتيال قائد “فيلق القدس” التابع للحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، ونائب رئيس هيئة “الحشد الشعبي” أبو مهدي المهندس و10 من مرافقيهما في الثالث من يناير 2020، كما أصدرت اللجنة القضائية المشتركة الإيرانية – العراقية، بياناً، على أثر عقد اجتماعها الرابع من نوعه في طهران، أكدت فيه ضرورة عدم ترك مرتكبي جريمة اغتيال “قادة النصر” من دون عقاب. وأفاد مساعد رئيس السلطة القضائية وأمين لجنة حقوق الإنسان في إيران كاظم غريب آبادي بأن “الجولة الرابعة من المحادثات شهدت تبادلاً لقسم آخر من الوثائق والتقارير المعدة المترجمة والمتعلقة بهذه العملية الإرهابية بين الجانبين، وقد تقرر أن يستند إليها الجانبان في متابعتهما القضائية”. وأشار إلى أن عملية التحقيق الأولي حول بعض متهمي هذا الملف قد استكملت، مؤكداً عزم الجانبين على اتخاذ قرارات قضائية، كما أوضح أن اللجنة المشتركة قررت تبادل الوثائق والمعلومات التكميلية في ما يخص الملفات القضائية بين الجانبين، وتقرر استكمال عملية التحقيق وإصدار قرارات قضائية حول الملفات المطروحة في هذه العملية.
61 شخصية أميركية
وكانت إيران قد أدرجت 61 شخصية أميركية في يوليو (تموز) 2022، على قائمة العقوبات بينه وبين زير الخارجية الأميركي السابق مايك بومبيو، لصلتها بعملية الاغتيال، إضافة إلى إعلان الخارجية الإيرانية، في يناير 2021، عن فرض عقوبات على الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، ووزير الدفاع الأميركي بالإنابة السابق كريستوفر ميلر، ووزير الدفاع السابق مارك إسبر، ووزير الخزانة السابق ستيفن منوشين، ومديرة وكالة الاستخبارات جينا هاسبل، إضافة إلى جون بولتون وبراين هوك، والمبعوث الأميركي الخاص إلى إيران إليوت أبرامز، ومدير مكتب مراقبة الأصول الأجنبية في الخزانة الأميركية.
وأعلنت لجنة التحقيق الإيرانية المكلفة بقضية سليماني، في 31 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أن لائحة الاتهام في الجريمة باتت جاهزة تقريباً. أما في العراق فكانت الفصائل المسلحة قد اتهمت، في أكثر من مناسبة، جهاز المخابرات العراقي، ورئيسه السابق مصطفى الكاظمي بالتعاون مع الولايات المتحدة. كما نشرت وسائل إعلام تابعة للميليشيات صوراً أظهرت عدداً من ضباط الجهاز، وقالت إنهم “أسهموا في توفير المعلومات للأميركيين عن سليماني والمهندس”، وهددت بالقصاص منهم.
وكانت عملية الاغتيال قد تمت بغارة أميركية بالقرب من مطار بغداد الدولي، وعلى رغم مرور ثلاث سنوات على الحادثة، فإن نتائج التحقيقات التي تبنتها بغداد وطهران لم تكتمل حول ما تطلق عليها “جريمة المطار”، وتبرر السلطات الإيرانية ذلك، وعلى لسان وزير الخارجية حسين أمير عبداللهيان، أن “أميركا والغرب يضعان العراقيل أمام متابعة موضوع اغتيال سليماني”، مؤكداً أن “طهران أدرجت 60 مسؤولاً أميركياً متورطين بعملية الاغتيال في قائمتها السوداء”، مضيفاً أن “الأميركيين طلبوا في إحدى جولات مفاوضات فيينا حذف المسؤولين الذين أدرجتهم طهران في قائمتها السوداء”.
وكانت الولايات المتحدة، قد أعلنت، في الثالث من يناير 2020، عن اغتيال سليماني عبر غارة من طائرة من دون طيار، قتلته خلال خروجه من مطار بغداد الدولي برفقة أبو مهدي المهندس، وهي العملية التي أدت لتصاعد التوتر بين طهران وواشنطن، ودفعت الجيش الإيراني والحرس الثوري لشن ضربات صاروخية استهدفت قاعدة “عين الأسد” الأميركية في العراق، من دون خسائر في الأرواح بين العسكريين الأميركيين. كما تعرضت القوات الأميركية في العراق لسلسلة من الهجمات من قبل مجموعات عراقية موالية لإيران، العام الماضي، كان آخرها في 20 ديسمبر الماضي، عندما أطلقت صواريخ على المنطقة الخضراء في العاصمة بغداد، حيث توجد أكثر المواقع العسكرية تحصناً في العراق، إلى جانب احتوائها على مقر السفارة الأميركية ومقرات منظمات ووكالات حكومية وأجنبية أخرى.
مسيرة احتجاج أمام القنصلية الإيرانية في فرانكفورت
جديد الاتهامات الإيرانية
وفي جديد الاتهامات الإيرانية مقطع فيديو نشرته وسائل إعلام تابعة للحرس الثوري على حسابها على منصة “تيليغرام”، يظهر أن الطائرة المسيرة الأميركية التي اغتالت سليماني والمهندس، انطلقت من أحد معسكرات الجيش الألماني. المقطع الذي انتشر عبر قنوات “تيليغرام” إيرانية يشير إلى ما يسميه دوراً ألمانياً لاستهداف الأمن القومي الإيراني، وبالتنسيق مع الاستخبارات الأميركية والبريطانية والإسرائيلية والسعودية، ويضيف “تحولت ألمانيا في الأشهر الأخيرة إلى أحد المراكز الرئيسة لأعضاء منظمة مجاهدي خلق الإرهابية لإثارة أعمال الشغب والفوضى في البلاد”.
اليسار الألماني
في المقابل، دخلت الأحزاب الألمانية في حينها على خط الأزمة، حيث دعا حزب اليسار الألماني المعارض إلى إغلاق القواعد العسكرية التابعة للجيش الأميركي في ألمانيا، كرد فعل على التهديدات التي صدرت من الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب ضد إيران، وذلك بحسب تلفزيون “دوتشيه فيله” الألماني (DW).
ونقلت المحطة المذكورة تصريحات سيفيم داغديلين، خبيرة شؤون الدفاع بكتلة اليسار في البرلمان الألماني “بوندستاغ”، حيث قالت إن تهديد ترمب بارتكاب ما وصفتها بـ “جرائم حرب ضد إيران”، ينتهك الحظر المطلق لاستخدام العنف المنصوص عليه في ميثاق الأمم المتحدة”.
اتهامات سابقة
وفي ديسمبر من عام 2020، كان المدعي العام في طهران محمد القاصي مهر، قد اتهم الشركة الأمنية البريطانية “جي 4 أس” G4S، وقاعدة جوية في ألمانيا، بالتورط في عملية اغتيال سليماني. وزعمت الحكومة الإيرانية أن الولايات المتحدة استخدمت قاعدة “رامشتاين” الجوية جنوب غربي ألمانيا لاستهداف سليماني، من دون تقديم أدلة. ونقل موقع “ميزان” الإخباري حينها عن القاضي مهر قوله، إن الشركة العاملة في مطار بغداد مسؤولة عن تأمين الرحلات في المطار. وأضاف أنه فور وصول سليماني إلى المطار قام أفراد من الشركة بالإبلاغ عن ذلك لمن وصفها بالجهات الإرهابية. ووفق المسؤول القضائي الإيراني، فإن الشركة البريطانية قامت بتسريب معلومات استخباراتية حول سليماني إلى القوات الأميركية. وأضاف أن مسؤولي الشركة أبلغوا القوات الأميركية بقدوم قائد فيلق القدس ومرافقيه فور وصولهم للمطار. ورفضت الشركة البريطانية الاتهام حينها، ووصفته بأنه ادعاء لا أساس له من الصحة. وبداية شهر يناير الحالي، أعلن المتحدث باسم السلطة القضائية الإيرانية مسعود ستايشي تورط بريطانيا وألمانيا إلى جانب أميركا في اغتيال سليماني، واتهم 154 شخصاً بالقضية. وأوضح ستايشي، في مؤتمر صحافي، أن لندن وبرلين قدمتا معلومات ومساعدات فنية لواشنطن لتنفيذ عملية الاغتيال التي وقعت في العراق قبل ثلاث سنوات. وأكد أن ما قامت به العواصم الثلاث في هذا الصدد يمثل انتهاكاً صارخاً لأبسط القوانين الدولية، موضحاً أن “ملف القضية لا يقتصر على اغتيال شخصه”، وشدد على أن “السلطة القضائية تتابع هذا الملف في المحاكم الداخلية والدولية لإحياء حقوق الشعب الإيراني في الملف المذكور”، مضيفاً أنه “تم إحصاء أربعة عناوين اتهام ضد الضالعين في اغتيال سليماني وفق القوانين، وتم توضيحها في لائحة الاتهام. لقد تم إرسال أكثر من 800 رسالة وأمر قضائي إلى المراكز القانونية وتم تحديد 154 متهماً بينهم 96 من الرعايا الأميركيين وملاحقتهم قانونياً، فيما تم إرسال 11 مذكرة مثول أمام القضاء إلى تسعة بلدان ومذكرتي مثول أمام القضاء إلى بعض الدول”. ولفت إلى أنه “تم إرسال بلاغات إلى 96 متهماً أميركياً إلى عناوينهم”، مشيراً إلى إرسال إعلان أحمر من خلال الشرطة الدولية إلى المتهمين، وختم المسؤول القضائي بالقول إنه “تم إرسال إعلانات حمراء إلى 73 شخصاً أسهموا في اغتيال قاسم سليماني، بينهم الرئيس الأميركي السابق ترمب، إلا أن المنظمات الدولية أحجمت عن إصدار إعلانات حمراء”.
يذكر أنه عقب عملية الاغتيال، قالت المتحدثة باسم حكومة أنغيلا ميركل أولريكه ديمر، حينها، إن ألمانيا ستعمل على نزع فتيل التوتر بعد مقتل سليماني بغارة أميركية في بغداد. وتجنبت توجيه نقد مباشر لتصرف الحكومة الأميركية، وقالت إن التصرف الأميركي “جاء كرد فعل على سلسلة من الاستفزازات العسكرية التي تتحمل مسؤوليتها إيران”، وذكرت بالهجمات على ناقلات النفط في مضيق هرمز ومنشآت النفط السعودية. وتابعت المتحدثة أن “الصراعات الإقليمية لا يمكن حلها إلا عبر الطرق الدبلوماسية فقط، ونحن نتبادل الرأي في هذا الشأن مع حلفائنا”، وأضافت ديمر حينها “نتابع أيضاً بقلق بالغ أنشطة إيران في المنطقة، نقف أمام تصعيد خطير”، وقالت إن ألمانيا ستعمل على نزع فتيل التوتر.
تصاعد التوتر بين برلين وطهران
وكانت صحيفة “جام جام” المرتبطة بالتلفزيون الرسمي الإيراني قد أعلنت على موقعها الإلكتروني، في 17 يناير الحالي، أنه “تم توقيف مواطن ألماني وهو يلتقط صوراً لمنشآت نفطية في مدينة أميدية” جنوب غربي البلاد، من دون تفاصيل إضافية في شأن هويته أو متى تم توقيفه. وتقع المدينة في محافظة خوزستان الحدودية مع العراق، وتضم أبرز المنشآت وحقول النفط في إيران. ورداً على سؤال في برلين لوكالة الصحافة الفرنسية، قالت وزارة الخارجية الألمانية إنها “أخذت علماً بتقارير صحافية إيرانية في هذا الشأن”، وأن سفارتها في طهران “تعمل حالياً للإضاءة على هذه القضية”.
وكانت وسائل إعلام قد نقلت أن مخابرات صديقة لبرلين أبلغت الشرطة الألمانية بأن إيران تخطط لشن هجمات كيماوية، وأضافت أن الشرطة الألمانية أكدت أن لديها معلومات عن مخططات إيران لاستهداف المعارضين لها، وأن الشرطة لم تعلن هدف الهجوم الكيماوي الذي خطط له إيرانيان، كما أن المتهمين بالتخطيط لهجوم في ألمانيا إيرانيان متعاطفان مع تنظيم “داعش”. وكانت الشرطة الألمانية قد اعتقلت رجلاً إيرانياً وشخصاً آخر تتهمها السلطات بالتخطيط لتنفيذ هجمات إرهابية في البلاد باستخدام أسلحة بيولوجية في منطقة كاستروب راوكسل. وأفادت مواقع ألمانية بأن المعتقل كان يخطط لاستخدام مادتي “السيانيد” و”الريسين” في الهجمات في البلدة الواقعة وسط ألمانيا. واعتُقل الإيراني الذي يبلغ 32 عاماً في غرب ألمانيا، للاشتباه في أنه كان يعد لاعتداء إرهابي، استناداً إلى الشرطة ومكتب المدعي العام في دوسلدورف.
ووجه المستشار الألماني أولاف شولتز، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، انتقادات حادة للقيادة الإيرانية، في ضوء الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في البلاد. وقال شولتز “ما هو نوع الحكومة التي تطلق النار على مواطنيها؟ من يتصرف بهذا الشكل يجب أن يتوقع مقاومتنا”. وأضاف المستشار الألماني، أنه يميل لفرض الاتحاد الأوروبي جولة جديدة من العقوبات على إيران هذا الأسبوع حينها، وتابع “نريد مواصلة تكثيف الضغط على الحرس الثوري والقيادة السياسية”. وتأتي تصريحات شولتز رداً على تهديدات إيرانية سابقة، إذ هدد وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان، أخيراً، بردود فعل تجاه ألمانيا بعد انتقادات برلين لتصدي طهران العنيف للاحتجاجات.
وغرد عبداللهيان عبر “تويتر” “اتخاذ مواقف استفزازية وغير دبلوماسية لا يعد إشارة على الرقي أو الذكاء. يمكن لألمانيا أن تحسم أمرها باختيار المشاركة من أجل مواجهة تحديات مشتركة أو من أجل التصادم، وهنا سيكون ردنا مناسباً وحازماً”، وأشار إلى أن الإضرار بعلاقات تاريخية سيسفر عن عواقب طويلة المدى. وكان شولتز قد علق على الاحتجاجات في إيران، والقمع العنيف للمتظاهرين والاعتقالات وأحكام الإعدام، مشيراً إلى أنه يشاهد ما يحدث في الشوارع وقاعات المحاضرات وقاعات المحاكم، وقال “نرى النضال من أجل الحرية والعدالة. ونرى طائرات إيرانية مسيرة تهاجم مدناً أوكرانية. كل هذا غير مقبول بالمرة”.
يشار إلى أنه بعد نشوب الاحتجاجات ضد النظام الإيراني على مستوى البلاد، اشتدت حدة الخطاب بين برلين وطهران. وناقش البرلمان الألماني “بوندستاغ” في نوفمبر الماضي، طلباً من الكتل البرلمانية لأحزاب الائتلاف الحاكم دعت فيه إلى دعم الاحتجاج في إيران من خلال فرض عقوبات إضافية ضد طهران وتحسين حماية المعارضين الفارين من هناك.