حرية – (1/2/2023)
مروان قبلان
نشرت صحيفة نيويورك تايمز، في ربيع عام 2012، تحقيقاً مطوّلاً عن حجم الدعم الذي تضخّه إيران للنظام في سورية لقمع الثورة التي كانت في عامها الأول. تضمّن الدعم كل ما يخطُر على بال في سياق الخبرة التي اكتسبتها أجهزة القمع الإيرانية في إخماد الثورة الخضراء التي اندلعت عام 2009 على خلفية تزوير الانتخابات التي فاز بها المحافظ محمود أحمدي نجاد ضد الإصلاحيين بزعامة رئيس الوزراء السابق، مير حسن موسوي، بما في ذلك خبرات أمنية وتكنولوجية ساعدت في تتبع النشطاء السوريين وملاحقتهم على وسائل التواصل الاجتماعي. وذهبت تقارير حينها إلى الحديث أيضاً عن إرسال قنّاصة إيرانيين ساهموا في قتل المحتجّين في مختلف مدن سورية، وبلداتها.
كان هذا، طبعاً، قبل أن تنقلب الثورة السورية إلى مواجهة مسلحة، وتبدأ إيران بإرسال قوات من الحرس الثوري، ثم من الجيش (ما تسمّى القبعات الخضر أو الوحدة 66)، وصولاً إلى تعبئة مليشيات طائفية من أفغانستان وباكستان، والعراق، ولبنان، وأذربيجان. الشيء الوحيد الذي لم تقدّمه إيران من دعم لدمشق كان “الكاش”، فهذا كان يقتصر على حزب الله، ويأتيه على شكل رواتب، باعتباره تنظيمياً جزءاً من الحرس الثوري الإيراني. أما النظام السوري فقد ظلّ يحصل على دعمه الاقتصادي من إيران عينياً (شحنات نفط، خطوط ائتمان لشراء بضائع إيرانية، أو غير إيرانية… إلخ). كان “الكاش” يأتي إلى دمشق من مصدر غير متوقّع، بحسب الصحيفة الأميركية، وهو العراق، وذلك رغم العداء الذي كان يسم، في تلك الفترة، العلاقة بين رئيس الوزراء نوري المالكي، والنظام السوري. وكان المالكي اتهم دمشق بالمسؤولية عن تفجيرات الأربعاء الدامي، في 19 أغسطس/ آب 2009، واستهدفت وزارة المالية العراقية، وأدّت الى مقتل وجرح المئات.
في العام الماضي، كشف الرئيس العراقي السابق برهم صالح عن اختفاء 150 مليار دولار من “الكاش” من خزينة الدولة، وصندوق تنمية العراق بين عامي 2003 و2020 فيما أطلق عليه “سرقة القرن”. ومعروفٌ أن واشنطن درجت، منذ عام 2003، على إرسال ثمن النفط العراقي على شكل “كاش” تنقله طائرات شحنٍ عملاقة، ويتم استخدامه لدفع رواتب موظفي الدولة والقوات الأمنية العراقية، بما فيها مليشيات الحشد الشعبي، التي تأسّست عام 2014، وتشمل بعض أكثر الفصائل ولاء لإيران، مثل عصائب أهل الحق، ومنظمة بدر وكتائب حزب الله!
قبل نحو شهرين، قرّرت الولايات المتحدة، ونتيجة غضبها من دعم إيران لروسيا في حربها ضد أوكرانيا، تجفيف البئر التي تغرف منها طهران لدعم حلفائها في المنطقة، وذلك بتقليص حجم الكاش الذي ترسله إلى العراق بنحو 75%. وقد أدّى ذلك إلى خفض كمية الدولار الأميركي الذي تبيعه الحكومة العراقية في مزاداتٍ علنيةٍ يومية للحصول على الدينار لدفع الرواتب من مئتي مليون إلى 56 مليون دولار فقط، ما أدّى إلى انخفاض كبير في قيمة الدينار العراقي أمام الدولار الأميركي، أدّى بدوره إلى ارتفاع جنوني في أسعار السلع والمواد الاستهلاكية. وقد برّرت واشنطن حركتها تلك بأن جزءاً كبيراً من الكاش الذي ترسله إلى العراق ينتهي في إيران، وسورية، ولبنان، واليمن. وقد لوحظ ان أسعار العملات المحلية في الدول الأربع انهارت بشكل متزامن تقريباً مع انهيار الدينار العراقي، فوصل في لبنان مثلاً إلى 65 ألف ليرة مقابل الدولار، أي نحو نصف قيمتها في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، ما دفع حسن نصر الله إلى تخصيص إطلالته الإعلامية الأخيرة للحديث عن الوضع الاقتصادي المتدهور في لبنان، وهو موضوعٌ كان يترفع عن تناوله باعتباره تفصيلاً صغيراً أمام المهمّة “المقدّسة” التي عهد إليه بها “”وليه الفقيه”. هذا يعني أن العراق كان يقوم، منذ عام 2003، ولكن بشكل خاص بعد انسحاب الأميركيين عام 2011، وسيطرة إيران فعلياً على مفاصل السلطة فيه (بما فيها البنك المركزي)، مقام المحفظة الإيرانية. لا يحقّ، بناءً عليه، لإيران أن تطلب من سورية أو غيرها ردّ ما تسميها ديوناً، فهذه أموال الشعب العراقي، نهبتها إيران، وسخّرتها لخدمة مشروعها في المنطقة تحت سمع الأميركيين ونظرهم. ولولا أوكرانيا لاستمرّت إيران في دفع تكاليف مشروعها من أموال العراق التي تنقلها طائرات شحن أميركية.