حرية – 4/2/2023
كشف التواصل المباشر بين رئيس الحكومة محمد شياع السوداني والرئيس الأمريكي جو بايدن، عن عدم مقبولية الحكومة الحالية لدى واشنطن، بعيدا عن شخص السوداني، وذلك لتشكيلها من قبل الإطار التنسيقي، كما رأت أوساط سياسية، وأكدت أن الهدف الأمريكي هو استخدام العراق بعملية فرض الحصار على إيران، وأن قضية الدولار هي جزء من هذا المخطط، وذلك باستخدام الورقة الاقتصادية لجانب السياسة معا، فيما توقعوا أن السوداني لن يذهب لواشنطن طيلة فترة حكمه كما جرى مع رئيس الحكومة الأسبق عادل عبدالمهدي.
ويقول المحلل السياسي راجي نصير إن “المعطيات تبين أن الولايات المتحدة لم تمنح رئيس الحكومة محمد شياع السوداني الضوء الأخضر لزيارتها، على الرغم من وجود الملك الأردني هناك الذي قد يدخل وسيطا بين الرئيس الأمريكي بايدن ونظيره العراقي، لكن حتى الآن الإدارة الأميركية لم توافق على زيارة رئيس الوزراء للأمم المتحدة، وهذا مشابه لمًا حصل مع عادل عبد المهدي على مدى وجوده في السلطة إذ خرج من الحكومة من دون أن يزور الولايات المتحدة”.
وعن الأسباب، يؤكد نصير أن “الولايات المتحدة الأميركية بحسب تصريحات سفيرتها في بغداد لديها مطالب مباشرة ترتقي بعضها إلى مستوى الشروط في العلاقة مع الحكومة العراقية، ولا بد للأخيرة أن تلتزم بها أو ببعض منها، وهي عدم ضخ العملة إلى إيران وأن تفتح أبوابا جديدة للعملة عبر الأردن أو الإمارات، فالحصار مفروض على إيران وسوريا فيجب أن تتحكم الحكومة العراقية في هذا الموضوع، وغير ذلك فالأمور ستسير باتجاه التصعيد أكثر، لأن الولايات المتحدة تريد للعراق أن يكون طرفا في الحصار الذي تفرضه على إيران”.
ويتابع أن “من ضمن المطالب إيقاف عمليات القصف والاستهداف للقواعد الأمريكية وحتى التركية، وهذه جزء من الطلبات الأمريكية لكي ترفع يدها عن موضوع الدولار وتأزيم الوضع الاقتصادي في البلد”، لافتا إلى أن الموقف الأمريكي واضح جدا من بعض الأطراف في حكومة السوداني وليس كل الحكومة”، مشيرا إلى أن “الولايات المتحدة الأميركية ليست لديها مشكلة مع السوداني شخصيا، لكن مع سياسات الحكومة العراقية على اعتبار أن بعض الأطراف التي تملك مواقف سلبية ضد أمريكا موجودة داخل الحكومة”.
ويرى نصير أن “القضية برمتها سياسية وليست اقتصادية، فتهريب العملة كان في حكومة رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي أوسع مما هو الآن، والأخير لم يقم بخطوات ضد الفساد وتهريب العملة، كما فعل السوداني”، مستدركا أن “الكاظمي محسوب على الولايات المتحدة الأميركية لكن السوداني محسوب على الإطار ولذلك القضية في مجملها قضية سياسية منفذة بأدوات اقتصادية”.
يشار إلى أن البيت الأبيض، أعلن يوم أمس، عن إجراء مكالمة هاتفية بين الرئيس الأمريكي جو بايدن ورئيس الحكومة محمد شياع السوداني، وفيها جرت مناقشة جدول الأعمال الاقتصادي لرئيس الوزراء وخططه لضمان تلبية الاقتصاد العراقي لاحتياجات العراقيين، واستعداد الولايات المتحدة لتأييد سياسته بالكامل، حسب البيان.
كما تضمن بيان البيت الأبيض، أن “بايدن اغتنم فرصة زيارة العاهل الأردني عبد الله الثاني للبيت الأبيض لدعوته للانضمام إلى المكالمة، وشدد العاهل الأردني على دعم الأردن للعراق بما في ذلك دعم مشاريع البنية التحتية الإستراتيجية المشتركة”.
كما أعلن المكتب الإعلامي للسوداني، عن المكالمة وورد في بيانه: أن الرئيس الأمريكي أكد خلال الاتصال دعمه الثابت لعراق مستقر وآمن وذي سيادة، وتعاون البلدين الموسّع بموجب اتفاقية الإطار الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والعراق، كما أشار البيان إلى أن بايدن رحب بزيارة نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية فؤاد حسين إلى واشنطن الأسبوع المقبل، والتي ستُركز محادثاتها على الفرص الاقتصادية والتعاون في مجال الطاقة والمناخ.
بدوره، يورد المحلل السياسي عبدالله الكناني أن “تحركات عديدة تحدث بشأن أزمة الدولار غير اتصال السوداني ببايدن، فهناك وفد عراقي في تركيا لبحث هذه الأزمة، أما دخول الأردن على الخط فيرجع إلى رغبتها بإنجاز خط نفط بصرة – عقبة إذ لا تريد له أية عراقيل وتأثير أسعار الصرف سيحدث مشاكل عديدة وربما يكون عائقا أمام هذا المشروع”.
ويلفت الكناني إلى “معرفة أمريكا بتهريب الدولار ووصوله إلى روسيا، وهي تريد تحجيم هذا الموضوع بأي شكل”، لافتا إلى أن “التحويلات الأخيرة وصلت إلى ٢٠٠ مليون دولار فيما كانت قيمة البضائع الداخلة لا تزيد عن ٢٠ مليونا”، مؤكدا أن “هذا أحدث توترا بين حكومة السوداني وواشنطن”.
ويوضح أن “كل الاحتمالات واردة في السياسة وممكن أن تكون هناك حلول من خلال هذه المكالمة أو الزيارة المرتقبة، فواشنطن تريد من الحكومة العراقية الكف عن عمليات التهريب وتطبيق الحصار الأمريكي على الدول التي يصل إليها الدولار من العراق”.
كما شهدت مدينة إسطنبول التركية، مساء يوم أمس، اختتام اجتماعات البنك المركزي العراقي مع الخزانة الأمريكية، وحسب بيان البنك المركزي فأن وزارة الخزانة الامريكية أكدت دعمها لتحقيق الاستقرار الاقتصادي في العراق، وأبدت استعدادها للمرونة اللازمة لتحقيق الأهداف المشتركة.
يأتي هذا التحرك في ظل خضوع مبيعات البنك المركزي من الدولار إلى رقابة أمريكية مشددة، أدت إلى ارتفاع سعر الدولار في السوق المحلية لأكثر من 175 ألف دينار لكل مائة دولار، قبل أن يعاود الانخفاض لما دون الـ160 ألف دينار بعد اختتام اجتماعات إسطنبول.
وكان البنك المركزي، أصدر الأسبوع الماضي، بيانا تضمن نفيا وتأكيدا لمعلومات امتناعه عن بيع الدولار بشكل مباشر للمواطنين، حيث ورد في بيانه “ينفي البنك المركزي العراقي منع أو تقييد البيع النقدي للمواطنين، وأن التسجيل الإلكتروني يضمن تلبية حاجة المواطن للدولار ويمنع تكرار البيع للشخص ذاته، ويعتبر هذا الإجراء فرصة لحصول المواطنين على الدولار للأغراض المشروعة دون قيود”.
من جانبه، يذكر المحلل السياسي خالد المعيني إن “حالة الاستقطاب الدولي والإقليمي الآن هي الأشد منذ عدة سنوات، لاسيما بعد الحرب الأوكرانية الروسية وبالتالي ما كانت تتغافل عنه الولايات المتحدة الأميركية لتصرف هذه الدولة أو تلك، لأنه لم يكن يحظى باهتمام استراتيجي من قبل الولايات المتحدة”.
ويضيف أن “العلاقة الوثيقة بين حكومة السوداني وإيران تثير غضب الولايات المتحدة الأميركية وخاصة بعد موضوع تهريب الدولار أو تخفيف الحصار على إيران، وهذا هو سبب مثار الغضب وتدهور العلاقة، وكذلك العلاقة بين المركز وإقليم كردستان التي تعتبر حليفة للولايات المتحدة الأميركية”، متوقعا أن “الموضوع أكبر من زيارة، فالسوداني رجل مقبول على اعتبار انه غير متهم بملفات فساد وليس محسوبا على حزب متورط في الفساد ولكن الأوضاع أكبر من قدراته، وبالتالي هذه الزيارة قد تخفف لو حدثت، لكنها لن تحل مشكلة البلد”.
وخلال الفترة الماضية، خضعت المصارف العراقية، إلى ضوابط صارمة للحد من تهريب العملة خارج البلد، وذلك بإشراف أمريكي، لاسيما وأن وزارة الخزانة الأمريكية هددت بفرض عقوبات على المصارف، وذلك بعد فرض عقوبات على 4 مصارف مملوكة لرجل الأعمال علي غلام، ومنها مصرف الشرق الأوسط، ما تسبب برفع سعر صرف الدولار في السوق المحلية.
جدير بالذكر، أن مبيعات البنك المركزي اليومية من الدولار، انخفضت خلال الفترة الماضية من 300 مليون دولار يوميا إلى نحو 50 مليون دولار كمعدل، بعد تشديد الرقابة على الدولار وفرض ضوابط لشراء الدولار، لكنها شهدت تحسنا قبل أيام قليلة لتبلغ نحو 100 مليون دولار.