حرية – (4/2/2023)
تقيد العادات والتقاليد التي تنتشر في العراق من حريات المرأة، وعلى رغم أن المجتمع يعيش في فضاء واسع ومنفتح نحو العالم بسبب التطور التكنولوجي، إلا أن تلك القيود لا تزال موجودة، حتى إن بعض الجرائم ترتكب بداعي الشرف وتجاوز الحد المسموح من تلك التقاليد.
تنتشر في العراق عديد من جرائم الشرف لأسباب يرتبط أكثرها بغسل العار أمام نظرة المجتمع للضحية وأسرته، وسط غياب كبير لدور السلطات والقانون والنخب المثقفة أمام محاربة تلك الأفعال.
تعرضت الشابة العراقية طيبة العلي، الخميس الماضي، للقتل خنقاً على يد والدها في محافظة الديوانية، بعد عودتها إلى البلاد قادمة من العاصمة التركية إسطنبول أملاً في إقناع أهلها بالموافقة على زواجها من شاب سوري.
يشار إلى أن الشابة العراقية تسكن في إسطنبول التركية وكانت مقبلة على الزواج من حبيبها، الذي يدعى محمد الشامي، لكن أهلها كانوا يرفضون هذا الزواج حتى قتلها والدها تحت مسمى “جرائم الشرف” قبل أن يسلم نفسه.
“الشرف المزيف
“وذكرت منظمة “آيسن” لحقوق الإنسان والتنمية المستدامة “هذه جريمة أخرى تطالنا نحن النساء تحت مسمى الشرف المزيف، طيبة تمثلنا كلنا نحن نساء هذه البلاد المغضوب علينا من قبل مجتمع أبوي ذكوري ينهش ويفتك بنا كل دقيقة”.
وقالت المنظمة إن طيبة هربت “من أهلها بعد تحرش شقيقها بها جنسياً، وكانت مقبلة على الزواج من حبيبها محمد الشامي، لكن أهلها كانوا ضد زواجها، وقد جاءت إلى العراق لحضور “خليجي 25″ على رغم تهديدها منذ دخولها العراق مرات عدة من قبل ذويها”.
الضحية أكدت تلك التهديدات عبر استغاثات عدة نشرتها مراراً وتكراراً على “إنستغرام” لكن من دون جدوى، حيث قتلت طيبة على يدي والدها من خلال خنقها بعد نقلها قسرياً من بغداد إلى محافظة الديوانية وهناك تمت عملية القتل، بحسب المنظمة.
وأضافت المنظمة أن الجريمة حصلت على رغم أن “الشرطة المجتمعية كانت على علم بالتهديدات التي تعرضت لها طيبة منذ خمسة أيام تقريباً، ها هي طيبة تفارق الحياة بجريمة بشعة من دون أي دور حكومي لحمايتها”.
من تكون طيبة؟
تعرف طيبة العلي نفسها في فيديو في قناتها على “يوتيوب” بأنها مدونة “لايف ستايل” من مواليد عام 1999، سافرت إلى خارج العراق منذ سبع سنوات بغرض الدراسة، ثم أكملت حياتها خارجها، وأضافت أنها تعتبر والدتها أقرب الناس إلى قلبها، وأنها تعيش في إسطنبول، المدينة الأحب إليها، وأنها ليست متزوجة وتعيش وحدها.
وعرضت الراحلة طيبة عديداً من الفيديوهات التي تخص الموضة والتجميل، موثقة أيضاً عمليتها في تجميل الأنف، وعملية أخرى لتكبير حجم الشفاه.
السلطات ترد
رئيس خلية الإعلام الأمني، مدير دائرة العلاقات والإعلام في وزارة الداخلية العراقية سعد معن قال “من خلال طبيعة ومهمات عمل الدائرة ترد عديد من المناشدات من قبل المواطنين، ومن بينها مناشدة المرحومة (طيبة العلي) من محافظة الديوانية”.
وأضاف “تم الاستماع لها وتقديم الدعم والمشورة من أجل التواصل إلى حلول مناسبة للمشكلة التي حصلت بينها وبين أسرتها التي تم اللقاء بها أيضاً لاحقاً في مقر دائرة العلاقات والإعلام بوزارة الداخلية، وبالفعل استجابت المرحومة مع أسرتها لحل المشكلات التي بينهما، وقد وردت معلومات من خلال إحدى صديقاتها بقيام المرحومة بالتوجه إلى محافظة الديوانية”.
ونوه معن إلى أنه “على أثر ذلك وبعد أخذ الضمانات توجهت الشرطة المجتمعية في محافظة الديوانية برئاسة مدير الشعبة إلى منزل هذه الأسرة وجرى اللقاء بينهم والوصول إلى حلول مناسبة ترضي الجميع لحل الخلاف العائلي بشكل نهائي”.
وأوضح “إلا أننا تفاجأنا في اليوم التالي الذي من المفروض أن نلتقيهم مرة أخرى، بخبر مقتلها على يد والدها كما جاء في اعترافاته الأولية”، وذكر “بعد أن قام بهذا الفعل سلم نفسه إلى مركز الشرطة بحسب المعلومات الواردة وما زالت التحقيقات جارية لمعرفة ملابسات الحادث وإعلانه أمام أنظار الرأي العام”.
من قتل طيبة؟
كما ذكر حساب “فريق البصرة النسوي” أن المدونة طيبة العلي كانت قد تعرضت وهي طفلة للتحرش الجنسي، وتابع أنه على رغم شكواها المتكررة لذويها عما تتعرض له، إلا أنها كانت تقابل بالرفض، الأمر الذي دفعها للهروب إلى تركيا في عام 2017 واستقرت في مدينة إسطنبول، حيث تعرفت على خطيبها السوري، وكانت تستعد للزواج منه قريباً.
مقتل طيبة أثار غضباً عارماً وأعاد إلى الأذهان المئات من أمثالها، المتخصص في الشأن العراقي قصي محبوبة تساءل من الذي قتل طيبة؟ وأجاب “الدستور الذي لا يحمي نساء العراق، القانون الذي يسمح لعديمي الشرف أن يقتلوا باسم الشرف”، منتقداً النساء المتخاذلات عن حقوقهن وحياتهن.
واستنكر قصي موقف من سماهم “السياسيين الجبناء الذين لا يدافعون عن النساء”، وكذلك “المقاطعين للانتخابات الذين يتركون البرلمان بيد المتخلفين”، في إشارة إلى ما يمكنهم القيام به للتصدي لهذه الظاهرة، لكنهم يتخاذلون ولا يقدمون على خوض المعركة.
جرائم غسل العار
الخبير القانوني علي التميمي ذكر في تصريح صحافي أن “جريمة غسل العار التي تتيح أن تقتل المرأة وفق المادة 409 من قانون العقوبات إذا فاجأها أحد محارمهما في حالة الزنا، وتكون العقوبة مخففة، بل وحتى إيقاف التنفيذ (أي البراءة المشروطة).
وقال، لكن “في حال كان العكس، بأن تفاجئ المرأة زوجها وتقتله، فإنها تحاكم وفق جريمة القتل العمد المادة 406 من العقوبات وقد تعدم، لهذا نرى أن هذا النص يخالف الشريعة، وبالإمكان الطعن فيه أمام المحكمة الاتحادية، لأنه يخالف المادة 2 من الدستور، التي تشترط ألا تخالف النصوص القانونية الشريعة الإسلامية”.
وأضاف التميمي “لاحظت خلال عملي في القضاء أن كثيراً من جرائم غسل العار أو الثأر يستبدل وصفها القانوني من المادة 406 القتل العمد إلى المادة 409 غسل العار أو 411 القتل الخطأ، لأن ذوي المجني عليه يطبقون المقولة “الحي أولى من الميت”، وحتى لو كان المحقق أو القاضي يعلم بأحداث الجريمة، لكنه لا يحكم بعلمه الشخصي، بل بالأدلة المتوفرة، وهذه الأدلة تكون دائماً باتجاه تخليص المتهم”.
وشدد على أن “كثيراً من هذه الجرائم تموت حقائقها وتدفن مع ضحاياها، وهذا برأيي يشجع على استشراء هذه الجرائم لغياب الردع الذي هو أهم هدف للعقوبة الجنائية، إضافة إلى أن عديداً من هذه الجرائم تقع تحت تأثير الكحول والمخدرات”.