حرية – (11/2/2023)
بعد أن قطع العراق شوطاً كبيراً عبر احتجاجات عارمة سادت أرجاء البلاد في خريف 2019، تقف البلاد مجددا أمام طريق لتغيير قانون الانتخابات.
ومع تحركات تغيير قانون الانتخابات في العراق، تتحرك السلطتان التنفيذية والتشريعية لتمرير تعديل جديد يتخوّف البعض من إمكانية تسببه في إلغاء المكتسبات الجماهيرية التي تحققت فيما يخصص طبيعة الدوائر الانتخابية وقانون احتساب الأصوات.
وكان مجلس النواب العراقي أقر، في أواخر عام 2019، قانون رقم 9 استجابة لمطالب احتجاجية الذي جاء مغايراً لما تم اعتماده في الانتخابات التشريعية الأربعة التي سبقت ذلك التشريع.
وبموجب قانون 2019، تم تقسيم البلاد إلى 83 دائرة انتخابية على عدد مقاعد “كوتا” النساء في مجلس النواب، والذي يُلزم الدستور بحصولهنّ على 25% من المقاعد النيابية البالغ عددها 329 مقعداً.
وبحسب مضامين ذلك القانون يعد تحولاً في عملية حساب الأصوات والفوز للمرشحين؛ إذ إنه يُحدد الفائز بأعلى الأصوات بدلاً من اعتماد طرق حسابية معقدة تجعل دخول المستقلين إلى مجلس النواب مُهمة شبه مستحيلة.
كما أن الأصوات تذهب مباشرةً إلى المرشح (بدلا من القائمة كما كان الحال في القوانين الانتخابية السابقة)، ولا يوزع الفائض منها على مرشحين في حزبٍ ما، أو القائمة الانتخابية ذاتها، الأمر الذي سهّل صعود نواب يمثلون أحزابهم وليس جمهورهم.
وسابقاً كانت القوانين المعتمدة في الانتخابات التشريعية تعتمد نظام “سانت ليغو”، الخاص بحساب أصوات الفائزين وفق تقسيمات 1.6 أو 1.7 أو 1.9، ما صعّب المهمة أمام وصول الأحزاب والكيانات الصغيرة، ما سمح ببقاء القوى التقليدية الكبيرة في صدارة المشهد الانتخابي طيلة الانتخابات التشريعية الأربعة الماضي الذي سبق اقتراع أكتوبر/تشرين الأول 2021.
وجاءت انعكاسات ذلك القانون في الانتخابات التشريعية المبكرة؛ حيث أسهمت في وصول العديد من الكيانات والشخصيات المستقلة بأوزان نيابية غير مسبوقة، أكبر مقارنة بالتجارب السابقة مع تسجيل تراجع كبير للقوى الإسلامية، خصوصاً الشيعية منها (المقربة من إيران)، ما أثار أزمة كبيرة امتدت طوال عام مع الفائز الأكبر، التيار الصدري الذي حصد 73 مقعداً قبل أن يقرر الانسحاب.
وكانت حكومة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني التي نالت الثقة في أكتوبر/تشرين الأول 2022، وضعت في منهاجها الوزاري تعديل قانون الانتخابات بإعداد مسودة خاصة بذلك وإرسالها إلى البرلمان لأجل التصويت على بنودها.
المشروع الجديد
بينما تحدثت مصادر نيابية -مؤخراً- أن الأسبوع المقبل سيشهد وصول مشروع قانون التعديل الجديد إلى البرلمان بغرض مناقشته وعرضه على القراءة ومن ثم التصويت، تبدي أوساط سياسية وجماهيرية احتجاجاً كبيراً على تمرير هذا التعديل الذي يتضمن وفق تسريبات لتلك المسودة، إلغاء الدوائر المتعددة والعودة إلى نظام “سانت ليغو”، وفق تقسيماته الإحصائية.
وكان مقربون من رئيس التيار الصدري، مقتدى الصدر، حذروا سابقاً من مغبة التلاعب بقانون الانتخابات ومحاولة العودة إلى التشريعات القديمة الخاصة بذلك التشريع ما قبل خريف 2019.
عضو حركة امتداد، رسول السراي، قال “: “اعتقد القارئ والمشاهد والمتابع أن الشارع الاحتجاجي غير مقتنع بالرجوع إلى المربع الأول؛ إذ إن قانون سانت ليغو يعتمد على تمكين كيانات التقليدية ذات السلطة والقدرة المالية”.
وأكد السراي أن “الناخبين أحياناً يكونون غير مطلعين على سيرة المرشحين ضمن الدوائر المتعددة فكيف إذا ما صار إلى اعتماد الدائرة الواحدة لكل محافظة؟”.
وتابع: “بتمرير هذا القانون سيكون أمام المستقلين عقبة كبيرة في تحقيق المنافسة والفوز، باعتبار أن ذلك التعديل سيعطي الأولوية للأحزاب النافذة ذات المكتسبات المالية الكبيرة”.
ولفت إلى أن “التعديل الجديد سيمرر، سواء رفضنا أو قبلنا كون أن هناك إرادة للقوى الكبيرة التي تدير الدولة ولها الحظوظ الكبرى في البرلمان”.
وبشأن تداعيات ذلك التعديل، لفت السراي إلى أنه “بات من الصعب الحشد الجماهيري الاحتجاجي ضد ذلك في الوقت الحاضر، كون الكثير من النشطاء قد لجأوا إلى الهجرة وترك النشاط لضمان سلامتهم خوفاً من التصفية، كما أن كثيرين فقدوا الأمل بوجود تغيير في ظل الأدوات السلمية”.
ويبدي عضو حركة امتداد مخاوفه من أن “يكون ما يحصل الآن حلقة من سلسلة طويلة وممتدة ضمن برنامج ممنهج لتكميم الحريات ومصادرة حق التظاهر وبما يضمن وجود القوى الكبيرة في المشهد السياسي المقبل”.
من جانبه، أوضح الأكاديمي المختص بالشؤون السياسية، إحسان الشمري، أنه “وعلى ما يبدو هناك اتفاق بين الكتل السياسية للعودة إلى نظام الدائرة الواحدة وطريقة سانت ليغو، وهو تراجع كبير في الآلية الديمقراطية، كونها تعيدنا إلى هيمنة زعيم الحزب، وهذا لا يتوافق مع التمثيل الحقيقي للجمهور”.
وتوقع الشمري، خلال حديثه لـه , أن “يؤدي تمرير هذا القانون إلى تفجر غضب التيار الصدري والشارع الاحتجاجي بشكل عام، خصوصاً أن إصرار تلك القوى على تمرير التعديل يرسخ القناعة بأنه من المستحيل تحقيق عملية إصلاح في العملية السياسية في ظل وجود هذه الزعامات”.