حرية – (11/2/2023)
باتت بسطات الكتب بمثابة ملاذ أخير للقارئ العراقي من ارتفاع الأسعار، خصوصاً مع تفاقم الأزمة الاقتصادية، كما أنها غنية بما تحويه من مؤلفات وإصدارات قديمة، وكذلك تعتبر بعيدة من مقص الرقيب.
تتوزع “بسطات الكتب” أو “مكتبات الأرصفة” في مختلف أنحاء العاصمة بغداد، ولعل أبرزها ما هو موجود في شارع المتنبي ومنطقة باب المعظم، فما أن ندخلهما حتى نجدها تغازل المارين، فهي روح المكان وتتسابق مع المكتبات الموجودة لتوفر أندر المؤلفات وأنسبها سعراً للقراء.
“ثمة بسطة أوسع وأثرى وأغنى من أي مكتبة مصنفة”، بهذه الكلمات يصف لنا الكاتب العراقي حمزة عليوي تجربته وتعلقه بمكتبات الشارع وما يعرف بـ”بسطات الكتب” التي أغنته بما كان يتمنى من الكتب.
ويصف عليوي لحظات حصوله على الكتب المهمة بأنها “لحظات فريدة بعيداً من أية مراقبة”، مضيفاً “أتحدث عن بسطة حسين علي يونس ومكتبة خالد حنش وغيرهما من البسطات التي تحولت إلى مكتبات، والأصح أصبحت دور نشر”.
روح شارع المتنبي
انتعشت ظاهرة بسطات شارع المتنبي للكتب مع تسعينيات القرن الماضي، ففي فترة الحصار الاقتصادي راجت ظاهرة بيع الكتب على الأرصفة، ومع سوء الأوضاع اضطر كثير من مقتني الكتب إلى بيع مكتباتهم المنزلية بسبب ضيق اليد أو رغبة منهم في السفر، كما توفر تلك البسطات جميع الإصدارات على مختلف توجهاتها الأيديولوجية بعيداً من الرقابة.
توفر البسطات الكتب النادرة فضلاً عن الحديثة والمستنسخة التي تناسب ذوي الدخل المحدود
في السياق ذاته أوضح حميد مريس، وهو صاحب بسطة بشارع المتنبي “ظهرت بسطات الكتب خلال فترة الحصار الاقتصادي، عندما قلت المكتبات لمصلحة بائعي الشارع، لكن هذه الظاهرة استمرت حتى بعد نهاية الحصار وأصبحت وسيلة لجذب الناس لشراء الكتاب، فهي أثرت شارع المتنبي ومنحت له الديمومة والاستمرار”.
من جانبه قال الباحث حسين سعدون، وهو صاحب بسطة للكتب أيضاً، إن رئة شارع المتنبي تكمن في وجود بيع الكتب على الأرصفة، حيث البسطات موجودة في أفرع وأزقة الشارع وعلى جانبيه وتعتبر المكتبات الحقيقية له.
السبيل الوحيد للترويج
تبدأ بشرى عبدالصمد عملها في الساعة الثامنة صباحاً، ترتب كتبها على أحد الأرصفة بالقرب من شارع المتنبي، وتقول “دفعني ظرفي المعاشي الصعب إلى الاعتماد على بيع الكتب بالرصيف، فلا أملك المال لتحمل كلف دفع الإيجار لإنشاء مكتبة”.
وتوضح أنها تمتلك كتباً نادرة لا توجد في المكتبات “المؤلفات القديمة التي يكون مصدرها مكتبات المنازل ربما تكون سمة تمتاز بها البسطات، وهي الوسيلة لتحقيق الربح المادي”.
ولا تعتمد عبد الصمد على وسائل التواصل الاجتماعي للإعلان عن مكتبتها الصغيرة وترى أن وجود الكتاب على الرصيف أفضل وسيلة للترويج.
وكذلك هي الحال بالنسبة إلى وليد أحمد، صاحب بسطة للكتب، إذ يرى أن الكتاب ليس بحاجة إلى وسائل للتواصل الاجتماعي للترويج له، فـ”غالبية القراء يلجأون إليّ في حال رغبوا في الحصول على كتب نادرة وبطبعات قديمة”.
أسعار مناسبة
ويقول وليد أحمد إن بسطات الكتب تمنح القارئ مساحة أكبر لتصفح الكتاب والحصول عليه بسعر أقل، لأن معظم أصحاب بسطات الكتب يسعون إلى الربح البسيط لتصل المؤلفات للقارئ بأسعار مناسبة.
كما يتفق مع هذا الرأي خالد عبدالرحمن الذي يرى أن الأسعار المناسبة التي تراعي القدرة الشرائية هي أحد الأسباب المهمة التي تجعل الأفراد يلجأون إلى شراء الكتب من البسطات.
باسم الجنابي صاحب بسطة منذ عام 1993 ويمتلك أكثر من ألف كتاب أشار إلى أن المكتبات تبيع إصداراتها بسعر مرتفع لأن عليها مراعاة كلف الإيجار وفاتورة الكهرباء على عكس صاحب البسطات “فنحن لا نضطر إلى دفع الإيجار ووجودنا على أرصفة الشارع مجاني ولا نضطر إلى دفع أجور للكهرباء، ما ندفعه فقط هو مقابل خزن الكتب في العمارات القريبة منا، وهي أموال زهيدة، لذلك نسعى إلى تحقيق الربح البسيط وأسعارنا تناسب أصحاب الدخل المحدود من الطلاب والباحثين.
الكتاب المستنسخ
توجد في البسطات أيضاً الكتب المستنسخة وبأسعار زهيدة مقارنة بالكتاب الأصلي في المكتبات أو المعارض الثقافية.
يقول سعدون إن الكتاب المستنسخ يراعي القدرة الشرائية، فمن الممكن شراؤه بسعر أقل من الأصلي بنحو 70 في المئة وبجودة أقل، لكنه يكون ملائماً للطالب الذي يسعى إلى الحصول على أكثر من كتاب ضمن مبلغ معين.
وسيلة لتحقيق الربح
يرى بعضهم أن البسطات هي وسيلة لتحقيق الربح بشكل أفضل، وهذا ما يوضحه سعدون الذي يحدثنا عن تجربته في تأجير مكتبة “قمت بتأجير مكتبة في أحد أزقة شارع المتنبي لكنها لم تنجح، فرواج بيع الكتب من خلال البسطات أكبر من المكتبات”.
البائعة بشرى عبدالصمد ترى أن عرض الكتب عن طريق البسطات كافٍ للترويج لأي كتاب
كما تسعى بعض المكتبات المعروفة في شارع المتنبي إلى ترويج إصداراتها في بسطات الأرصفة، وقالت سما محمود، تعمل في دار الكتب العلمية، إنها تعمد إلى وضع عينة من الإصدارات الحديثة أو العناوين التي تكون مطلوبة بشكل دائم في بسطات أمام الدار لكي تجذب القارئ، فهي تكون أمام المارة ولن يستغرق الوقت لكي يتصفح الكتاب، فالبسطات وسيلة العرض السريع السهل.
بسطات صغيرة
آمنة كاظم لم تجد وسيلة لترويج مؤلفات ابنتها حنان التي تبلغ من العمر (13 سنة) سوى عرضها بشكل مباشر في بسطة صغيرة بشارع المتنبي.
كما تتوزع في شارع المتنبي بسطات صغيرة للكتب المنهجية التي يسعى أصحابها إلى توفير الكتب الدراسية، لا سيما بعد تأخير وزارة التربية في تجهيز الطلبة بالكتب الدراسية المقررة ويعتمد أصحاب هذه البسطات على استنساخ الكتاب الأصلي وبيعه بأسعار مناسبة.