حرية – (13/2/2023)
في أعقاب وقوع كارثة طبيعية أو بشرية مثل الزلازل والحروب والفيضانات أو أحداث العنف الجماعي المباشرة، غالباً ما سيعاني معظم الأفراد الناجين من بعض ردود الفعل الحادة من الإجهاد النفسي والعقلي.
تعتمد شدة ردود أفعالهم على عوامل الخطر والمرونة الذاتية، بما في ذلك مدى القرب من الحدث، وشدة ردود الفعل الأولية تجاهه، والعديد من الخصائص الأخرى.
تأثير الكوارث الطبيعية على الصحة النفسية للناجين
يمكن للكوارث الطبيعية أن تلحق ضرراً جسيماً على الصحة العقلية للأفراد والمجتمع بشكل عام، وليس على الناجين من الموت بشكل حصري.
إذ ليس هناك شك في أن رؤية المنازل وهي تُمحى تماماً والبنية التحتية للمدينة في حالة خراب بعد وقوع الزلازل المدمرة مثلاً سيكون حدثاً مجهداً للأعصاب، وعادة ما يكون لها تأثيرات بعيدة المدى وطويلة الأمد على حياة الناس.
شعور “اليوتوبيا” والنشوة المؤقتة بعد الكارثة
من المثير للدهشة أن الأسابيع القليلة الأولى بعد وقوع كارثة طبيعية يمكن أن تكون فترة من النشوة العاطفية للمجتمع والناجين أنفسهم.
فبحسب موقع Very Well Mind للصحة النفسية والعقلية، تتضمن هذه الفترة الأولى “مرحلة بطولية” مليئة بالسعادة والمشاعر الإيجابية والامتنان، وهو عندما يشاهد الناجين المتطوعين والمجتمع يقومون بعمليات الإنقاذ تلهم مشاعر البطولة والإيثار.
يتبع ذلك “مرحلة شهر العسل”، حيث يؤدي فيه تدفق المساعدة والدعم النفسي إلى تعزيز التفاؤل والترابط داخل المجتمع وشعور الشخص الناجي من الموت بالسعادة والامتنان.
ومع ذلك، فإن هذا الدعم يتضاءل بمرور الوقت بسبب محدودية الموارد وعدم الاعتراف بتأثير الكارثة على الصحة العقلية طويل المدى.
وذلك عندما يدخل الناجي وأفراد المجتمعات المتأثرة بالكارثة في “مرحلة خيبة الأمل”، وهي فترة من التدهور العاطفي الشديد والحاد.
وهو ما يتزامن مع قيام عمال الإنعاش والتطوع والمساعدات بحزم أمتعتهم والرحيل، فيبدأ الناس والناجون بالشعور بالتخلي والفَقد.
إذ يصاب العديد من الناجين حينها بالإرهاق الجسدي والاضطرابات التي قد تستمر لأشهر أو حتى سنوات. كما تؤدي الأحداث، مثل الذكرى السنوية للكارثة، أن تسبب مشاكل الصحة العقلية والنفسية من جديد.
أعراض الصدمة النفسية على الناجين من الكوارث
بعد الكارثة الطبيعية أو البشرية، مثل الحروب والزلازل والأعاصير والفيضانات، كثيراً ما يشعر الناس بالذهول والصدمة النفسية والارتباك أو عدم القدرة على الاستيعاب.
وبمجرد أن يهدأ رد الفعل الأولي، يمكن للناجين تجربة مجموعة متنوعة ومتضاربة من الأفكار والسلوكيات التي قد تشمل التالي بحسب موقع الاتحاد الأمريكي للصحة النفسية (APA):
1- المشاعر الشديدة أو غير المتوقعة
قد يشعر الشخص الذي نجا من الموت بأعجوبة بحالة من القلق أو العصبية أو الارتباك أو الحزن والاكتئاب الشديد بلا مقدمات، خاصة في الأيام الأولى بعد النجاة من الخطر.
كما قد يشعر أيضاً بمزيد من الانفعال أو تقلب المزاج عن المعتاد؛ علاوة على تغيرات في الأفكار وأنماط السلوك، وذلك نتيجة للذكريات الحية والحديثة للكارثة التي شهدها الشخص الناجي وأفلت منها دون أن يفارق الحياة مثل معظم الضحايا.
قد تحدث هذه الذكريات بدون سبب واضح وقد تؤدي إلى ردود فعل جسدية حادة مثل سرعة ضربات القلب أو التعرق أو الانهيار في البكاء والصراخ.
2- صعوبة التركيز واتخاذ القرارات
كما يمكن أن تتعطل أنماط النوم والأكل عند الناجين من الكوارث الخطيرة المهددة للحياة، فقد يفرط البعض في الأكل أو النوم، بينما يعاني البعض الآخر من فقدان القدرة على النوم وفقدان الشهية.
3- الحساسية الزائدة للمحفّزات
قد تؤدي صفارات الإنذار أو الأصوات العالية أو الروائح الحارقة أو غيرها من الأحاسيس البيئية إلى إثارة ذكريات الكارثة؛ مما يؤدي إلى زيادة القلق والشعور العام بالاكتئاب والخوف.
إذ قد تكون هذه “المحفزات” مصحوبة بمخاوف من تكرار الحدث المسبب للضغط النفسي.
كما يمكن أن يحدث صراع متزايد بين الشخص الناجي ومن حوله، حتى وإن كانوا هم بدورهم ناجين من نفس الكارثة، مثل الخلافات المتكررة مع أفراد الأسرة وزملاء العمل والجيران وغيرها.
4- تدهور الصحة المرتبط بالتغيرات النفسية
قد يبدأ الناجي كذلك من الانسحاب من مختلف نشاطاته الاجتماعية المنتظرة منه، وقد يعاني من أعراض جسدية حادة نتيجة لنفسيته المتدهورة، مثل الصداع والصداع النصفي والغثيان وألم الصدر.
في تلك الحالة، يتطلب الأمر عناية طبية. إذ يمكن أن تتأثر الحالات الطبية الموجودة مسبقاً عند الشخص بالإجهاد المرتبط بالكوارث ويفاقم الحالة بشكل قد يهدد حياته.
طرق الدعم وتقديم المساعدة للناجين
يتضمن تقديم الدعم للناجين من الكوارث الطبيعية والأحداث المأساوية اتباع تدابير محددة لتقليل شعور الشخص الناجي بالتوتر والاكتئاب والتغيرات النفسية الحادة، والتي قد تتداخل مع احتياجات أساسية للحياة البشرية، مثل قدرته على النوم والأكل واتخاذ القرارات، والتواصل والعمل.
وتشمل الخطوات الأهم في دعم ومساندة الناجين من الكوارث والموت المحقق التالي بحسب المركز الأمريكي لاكتئاب ما بعد الصدمة والأبحاث النفسية (PTSD.gov):
1- تعزيز الشعور بالأمان قبل أي شيء
يتضمن ذلك إجراءات أساسية للمساعدة مثل إحضار الأشخاص إلى مكان آمن وتوفير مكان للمبيت إذا لم يوجد، وتوفير فرصة النوم الهادئ والعميق للناجين المرهقين، ومساعدتهم على الشعور بالراحة والتركيز على محيطهم الحالي الآمن، وتوفير الاحتياجات الأساسية والراحة (مثل الطعام والملابس المريحة المناسبة للجو في الدولة المعنية).
يمكن أن يشمل ذلك أيضاً حماية المساحة الشخصية للأفراد إلى أقصى حد ممكن، ومعالجة مشاكل أو إصابات الصحة البدنية الفورية، وتوفير معلومات حول رحلة التعافي وأي آثار جانبية مستمرة.
2- الدعم العاطفي للناجين من الكارثة
يمكن تحقيق ذلك من خلال تقديم الدعم العاطفي أولاً، ومساعدة الناس على حل المشكلات الفورية في الحياة اليومية، وإعطاء معلومات حول جهود الإغاثة المتخصصة المتوافرة في الدولة المعنية.
كذلك يمكن تعليم الأفراد المتأثرين بالكوارث من مختلف أنواعها طرق التنفس والاسترخاء والتعامل الصحي مع المشاعر وغيرها من الإجراءات المهدئة التي تقلل التوتر أو القلق أو اليأس.
كذلك إذا لزم الأمر، يمكن تزويدهم بالأدوية المناسبة المهدئة والمضادة للاكتئاب بعد استشارة الأطباء النفسيين المتخصصين مع الناجي لدعمه وتقديم العون له.
يمكن أن يكون لتعزيز فرص التعبير عن الحزن بشكل صحي أثر محوري كذلك في تحسين حالة الناجي من الكارثة، وذلك من خلال التنسيق بين المناسبات التذكارية والوقفات الصامتة وحملات التبرعات أو غيرها من الوسائل لتعزيز التهدئة والترابط والمشاركة في نفس التجربة بالنسبة للناجين من الحدث، وهو الأمر الذي يعزز الشعور بالذات وفاعلية المجتمع.
3- تعزيز إيمان الناجين بأنفسهم وقدرتهم على التعافي
بعد وقوع كارثة طبيعية أو حروب، يمكن تعزيز إيمان الناس بقدرتهم على إدارة الأحداث المؤلمة من خلال عدد من الوسائل. مثلاً، عبر تزويدهم بالموارد وتذكيرهم بفاعليتهم، والمشاركة في حل المشكلات البسيطة لمساعدتهم على مواجهة التحديات التي يسببها الحدث.
يمكن للمستجيبين تقديم الاستشارات والتدريب لمقدمي الخدمات المحليين وقادة المجتمع لمساعدتهم على تنفيذ التدخلات المجتمعية بشكل أكثر فاعلية. كذلك من المهم دعم مقدمي الخدمات والمساعدات والصحفيين والمتطوعين الذين قد يكونون مرهقين وتأثروا هم أنفسهم بالكارثة.
4- تعزيز الترابط والتضامن المجتمعي
يمكن القيام بذلك من خلال مساعدة الناجين المتضررين على التعرف والتواصل مجدداً بعد الكارثة على الباقين من الأحباء والأصدقاء وزملاء العمل والارتباط بهم.
يمكن للمتطوع الداعم وعمال الإغاثة أيضاً أن يوفروا للناجي الإحساس بالاتصال من خلال خلق فرق الدعم النفسية من الناجين الذين اختبروا نفس الكارثة، وإجراء فعاليات بسيطة مثل الحديث عن الأحداث الجارية، والرفقة الصامتة أو حتى ممارسة الأنشطة المتنوعة غير المتعلقة بالحدث، وتعزيز قدرة الأفراد على استئناف أنشطتهم اليومية الطبيعية.
5- خطوات أساسية لمساندة الناجي من الكارثة
كذلك فإن هناك طرقاً بسيطة لتهدئة وتوجيه الناجين المرتبكين أو المذهولين والمصدومين عاطفياً، والذين يحتاجون إلى تدخل فوري لمساعدتهم على إدارة ردود فعل الإجهاد الشديدة، مثل:
- تعزيز العلاقات والتواصل الاجتماعي المباشر.
- ضمان سلامة الشخص الأساسية واحتياجاته اليومية.
- الاعتراف بتجربة الشخص والتأكيد على تفهُّمها.
- التعاطف وتوفير الخصوصية والمساحة للشخص إلى أقصى حد.
- استقطاب دعم عائلة وأصدقاء الناجي وتعزيز تواصلهم إن أمكن.